الصادق المهدي والذئب .. بقلم: سليم عثمان

 


 

سليم عثمان
10 January, 2012

 


Saleem Osman [saleeem66@hotmail.com]
بقلم :سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم فى قطر:
السيد الإمام /الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة، شخصية سياسية كبيرة فى فضاء السودان السياسي،وهو مثقف من طراز رفيع وخطيب مفوه،رجل  قادر على سبك كلمات ومصطلحات جديدة فى قاموس السياسة مفكر،وكاتب لا يشق له غبار،أسهم بفكره وقلمه كثيرا برفد المكتبة السودانية والعربية بمؤلفات عدة، يصفه كثير من خصومة بأنه منظر من الدرجة الأولي ويصلح أن يكون أكاديميا وباحثا ومؤلفا أكثر من كونه سياسيا حاكما،ورغم أن كثيرين يعتقدون أن الرجل يحب السلطة ويعشقها الإ أن  رفضه أو تمنعه طويلا فى الدخول الى جوقة الإنقاذ يؤكد عكس ما يتهم به الرجل من قبل البعض ،السيد الصادق المهدي شخصية وسطيةومعتدله فى ممارسة العمل السياسي، لكن هذه الصفات لا تعجب كثيرين،فيصفونه دائما بأنه يأخذ العصا من منتصفها، يحاول دائما إرضاء الكل حاكمين ومعارضين،لذلك دائما ما تصيبه سهام طائشة من كلا الفريقين،مؤخرا نظم حزبه احتفالا بدار الحزب بام درمان كان الصادق المهدي المتحدث الأبرز فيه،وقد قال الرجل فى ذلك الاحتفال كلاما كثيرا غير أن عبارات ملغومة فى حديثه كان مثار أحتفاء من صحافتنا المحليةوبالطبع تلفزيون الحكومةووسائل اعلامها، وشخصيا فقد قرأت فى الشريط الاخباري لإحدي قنواتنا الحكومية ما يفيد بأن السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة قد رفض تلبية طلب من حزب المؤتمر الشعبي للمشاركة معه فى انقلاب عسكري ،ثم قرأت فى سودنايل توضيحا من المكتب الاعلامي للحزب مفاده أن حديث السيد المهدي حرف فالرجل حسب التوضيح كان يقصد الجبهة الإسلامية القومية وليس حزب المؤتمر الشعبي الحالي بقيادة الدكتور حسن الترابي والإنقلاب المقصود كان انقلاب الانقاذ 1989 وليس انقلابا حديثا يدبره المؤتمر الشعبي،السيد الصادق المهدي قال فى احتفال حزبه بذكري الاستقلال 56 لبلادنا  التالي:

مؤخرا جاءتنا أخبار أن حزبا من الأحزاب يريد عمل انقلاب،(الحزب المقصود هنا هو المؤتمر الشعبي) وهذا الاتهام باطل ليس لأننا نعرف نوايا ذلك الحزب، ولكنه باطل لأنه حزب عاجز لا يستطيع أن يعمل شيئا، كل مرة يصيح: الذئب الذئب هجم الذئب، النمر النمر هجم النمر وأضاف : هم أنفسهم يعرفون (إنهم أرسلوا لنا إننا نريد عمل انقلاب فاشتركوا معنا في انقلاب (الإنقاذ) ولكننا رفضنا، والأهم من ذلك أن رئيسهم حينما كان في الحكم عرض علينا أكثر مما يعرضه علينا ناس (الإنقاذ) الآن ورفضنا، لأننا قلنا إننا لسنا مستعدين أن نشترك في إذلال الشعب، واضح من هذا الكلام أن الرجل كان يتحدث عن الفترة التى سبقت اخر حكومة ديمقراطية كان يرأسها المهدي أو ما عرف حينها بحكومة القصر التى ضمت كل الاحزاب والنقابات الا الجبهة الاسلامية القومية بقيادة الترابي ،لكنني لم يصدر  مثل هذا الكلام من السيد  الصادق المهدي  فور سقوط حكومته ، نعم قد يقول قائل أن الرجل قد اعتقل ومعه الترابي واخرون من قادة الاحزاب وهذا صحيح ولكن مجرد معرفه السيد المهدي بمخطط الجبهة الاسلامية الانقلابي ثم صمته وعجزه عن فعل شئ حينها يجعل حزبه أيضا عاجزا عن أحداث التغيير السلمي الذى يتحدث عنه ،فإن كان المؤتمر الشعبي عاجزا عن فعل شئ ذا قيمة فى أسقاط النظام فإننا موقنون بأن ما يقوم به حزب السيد الإمام هو العجز بعينه، فالسيد الصادق المهدي ما شاء الله عليه دائما ما يذكرنا بانجازات وبطولات حزبه فى مقارعه الإنقاذ فمن ذلك على سبيل المثال ما قاله فى ذلك الاحتفال :نحن من قمنا بصياغة الموقف الاقتصادي الصحيح وعقدنا مؤتمرا اقتصاديا قوميا ،دعونا له كل الخبراء والقوى السياسية، ليقوموا بتشخيص قومي لعلة الاقتصاد السوداني ويكتبوا روشتة قومية لعلاج القضية الاقتصادية، ونعتقد أنه طال الزمن أو قصر لا حل لها إلا عبر هذا التشخيص وهذه الروشتة، هل نسي السيد الصادق أن هذه الحكومة عقدت من المؤتمرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ما الله وحده عليم بعددها وعدد الخبراء والمختصون الذين شاركوا فيها،تلك المؤتمرات بلا شك أصدرت من التوصيات والروشتات التى إن طبق جزء يسير منها لحلت الازمة الاقتصادية العالمية وليس ازمة السودان الاقتصادية،المسألة ليست مؤتمرات تعقد ولا توصيات تصدر ولا روشتات تكتب ولا خبراء ومختصون يحضرون مؤتمرات وورش عمل،العلة تكمن فى عدم وجود ارادة التنفيذ عند الحاكمين والمعارضين،هل يعقل أن تنحصر رسالة حزب كبير كحزب الأمة  لديه قاعدة عريضة فى ورش عمل لحل مشكلة المناصير وكتابة روشتة للحل الاقتصادي،اذا اتفقنا جدلا مع السيد الأمام أن حزب المؤتمر الشعبي عاجز ويستجدي أجهزة الأمن بأن يقبضوا على قياداته وأعضائه ليكون هذا غايتهم ومطمحهم فهل لحزب السيد الإمام القدرة فى اخراج نصف عدد الذين صوتوا للسيد والي الخرطوم حتى  يرغمه على تقديم استقالته كما تحدي الوالي السيد الصادق والترابي ونقد وغيرهم من قادة احزابنا المعارضة،هل يسيطر عناصر حزب الامة على أى من الاتحادات النقابية والطلابية حتى يسبب أى نوع من الصداع للحكومة، والسيد الصادق المهدي واصل فى سرد انجازات حزبه التى من شأنها أن تطيح بحكومة البشير وهاهو يلفت نظرنا الى واحدة من تلك الاليات العديدة حينما يقول:(ونحن الذين نقوم بحشود تعبوية من أجل الاجندة الوطنية في السودان وخارجه، وفي الخرطوم وخارجها)نحن نقيم فى الخارج منذ سنوات طويلة فلم نرحشود تعبوية من أى نوع لحزب الأمة اللهم الا إن كان السيد الإمام يقصد المحاضرات التى يلقيها والأحاديث الصحافية التى يدلي بها لوسائل الإعلام كما أننا نعتذر للسيد الإمام عن جهلنا وعدم معرفتنا بتلك الحشود التعبوية فى الداخل التى ينظمها حزبه لإسقاط النظام سلميا، السيد الصادق المهدي فى تلك الاطلالة لم يترك شاردة ولا واردة من قضايا الوطن الإ وأحصاها وشخصها (تحدث عن الاقتصاد وعن الحريات وعن قضية دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان تحدث عن اتصالاتهم بالامم المتحدة والاوربين والامريكان  والجن الأزرق)وختم قائلا:هذه هي الأجندة الوطنية وكل إنسان وطني سوي سوف يقبلها بدلا عن انتظار الهبوب لالتقاط "النبق"، ولا بد نفكر بمنطق أن نكون فاعلين ولا ننتظر أن نكون مردوفين. ولذلك فهو ليس ممن يصيحون:هجم على النمر هجم على الذئب ولا من المنتظرين الهبوب فى ظل شجرة النبق لتساقط عليهم نبقا جنيا ،وحزبه ليس مردوفا على ظهر حكومة المؤتمر الوطني كحزب مولانا الميرغني ، وليس مردوفا الى تجمعات المعارضة الهلامية بل حزب فاعل يحرك النسيم ولا ينتظر الهبوب،ويعد زعيم حزب الأمة بالكثير المثير لإسقاط النظام حينما يقول:سوف نخاطب كافة القوى المدنية، والمطلبية، وقوى المقاومة الحية، نخاطب القوى الحية في المجتمع ولا يمكن أن ننتظر حقيبة السياسة حتى تصحو من متحفها، وذلك للاتفاق على الميثاق البديل للنظام الجديد. كلام جميل ، كلام شاعري، لكنه لا يلهم أبداالزعيم الكبير يقول : أنه لن ينتظر حقيبة السياسة تصحو من متحفها،والوسيلة هي الجهاد المدني. أما الذين يتكلمون عن العنف فلو صار خيارنا فإن من المؤكد أن تربيتنا كلها جهادية ولو صارت الطريق الوحيد ليست هناك صعوبة من المشي في هذا الخط ،نحمد للسيد الصادق المهدي دقة وصفه وبراعة تعبيره واعترافه أيضا بأن السياسة فى سوداننا أصبحت مجمدة وكان لابد من وضعها فى متحف حتى يتفرج عليها هذا الجيل والأجيال القادمة ربما، وحده حزب السيد الصادق المهدي هو من ينهض من وسط هذا الركام لستنهض القوي الحية(لا أدري عن أى قوى حية يتحدث السيد الإمام إن كان قد وصف المؤتمر الشعبي (حزب النسيب) بالعاجز وإن كانت الحكومة  وأجهزة أمنها ومخابراتها قد تحدثت عن تنسيق غامض بين المؤتمر الشعبي والشيوعي لإسقاط النظام،هل يتحدث عن الاتحادات الطلابية والنقابات العمالية ، هل يجهل سعادته ما فعل النظام بها هل يقصد بالقوي الحية حركات التمرد والهامش ، على سبيل المثال ماذا فعل حزب الأمة فى معالجة قضية دارفور؟ هل يحتفظ الحزب بقاعدته التى كانت عريضة يوما ما فى الإقليم؟أشك أن الحزب بعد كل ما جري من خراب وحروب وتدمير يملك هناك شيئا يذكر،السيد الصادق المهدي لديه وسيلة سحرية لإسقاط نظام البشير انظروا الى الرجل يقول فى تلك الإطلالة بدار الحزب مخاطبا أطياف المعارضة التى أنتقد انفلات خطابها الإعلامي والسياسي :يجب الاتفاق على برنامج عمل بموجبه نعمل تحركا واسعا دعما للأجندة الوطنية بوسائل حركية كلها:إمضاءات، وتوقيعات، واعتصامات وكلها ما عدا العنف ،أنا شخصيا مستعد للتوقيع على هذه الوصفة السحرية وعلى السيد الإمام  وحزبه قيادة الإعتصامات حتى اسقاط النظام، السيد الإمام يؤمن بأن القوى الناعمة هي السلاح الأمضى في هذه الظروف. والقوي الناعمة هى مجرد توقيعات وامضاءات وشوية اعتصامات فيصبح كل واحد مناليجد حكومة البشير والانقاذ فى خبر كانيقول السيد الصادق المهدي:كل الثورات العربية أكدت هذا المعنى ونحن سنمضي في هذا الخط وهو استخدام القوى الناعمة لاستخلاص حقوق الشعب ، هل كانت ثورة مصر ناعمة؟إن كان الأمر كذلك أيها الإمام الهمام لم يحاكم مبارك ونجليه وكبار معاونيه؟ اليس بسبب قتلهم للابرياء الذين تظاهروا  ضد ظام الحكم  هناك؟ كم كان ثمن الانعتاق والحرية فى ليبيا؟وكم هو ثمنه الان فى سوريا واليمن بل حتى فى تونس الم يحرق البوعزيزي نفسه حتى ينعتق شعب تونس من جبروت حكم بن على؟هل بسلاح المهدي الناعم (توقيعات ، امضاءات ،شخبطات على الحيطان كما كان يفعل بعض اخواننا البعثيون لاسقاط حكم النميري) هل نستطيع أسقاط نظام الإنقاذ أم أننا مع هذا السلاح الناعم نحتاج لصيحات مدويات (هجم علي النمر هجم علي الذئب )من ذلك الحزب  الذي يحسب المهدي أن اعتقال قادتههو غاية تضحياتهم،واجمل ما فى حديث السيد الإمام هو ممارسته للنقد لكل أطياف المعارضة حينما يقول: يجب الاتفاق على اسم جديد فالتسمية بقوى الاجماع لم تعد واقعية وتثير ضدنا السخرية. معقول أن يكون اسمنا الإجماع وقد سميناه لأنفسنا حينما كنا في جوبا حينما كانت هناك فكرة الإجماع  ولم يتم الإجماع؟ الآن ينبغي أن نسمي نفسنا باسم آخر: إما جبهة استرداد الديمقراطية، أو الجبهة الوطنية المتحدة أو أي اسم آخر غير الإجماع لأنه حقيقة ليس هناك إجماع ولا داعي لأن يكون الاسم على غير مسمى. مثل واحدة تسمى جميلة وهي ليست كذلك. أو كالجاحظ وكان قبيحا فجاءه زائر وسأل خادمه أين هو؟ فقال له تركته يكذب على ربه فهو ينظر للمرآة ويقول الحمد لله الذي أحسن خلقي. يجب أن نوقف حالة الجاحظ هذه ونسمي أنفسنا بواقعنا وليس بغيره، هذا يطرح تسمية جديدة توافق الظرف الذي نحن فيه. سعادة السيد الإمام الحبيب العلة ليست فى الإسم،اجماعا كان او استردادا كان أو جبهة متحدة،بل حتى لو أسميتم الكيان الذى يجمعكم بجبهة اسقاط النظام لن تغيروا من المشهد شيئا مالم تغيروا ما بأنفسكم من نرجسية وغرور وحب للإنفراد ، الحقيقة التى يعلمها كل سوداني تتمثل فى أن كل حزب وكل سياسي معارض يعمل بمقولة(الحشاش يملأ شبكته) كل حزب يعمل لصالح اجندته الضيقة مهما اتسعت،كل حزب معارض لا يقبل الاخر وفي ذلك تأكيد على انعدام الديمقراطية داخل كياناتنا الحزبية المعارضةوالحاكمة،ولعل الذي يميز حزب الأمة عن بقية الأحزاب المعارضة هو التنظير المستمر،انا معجب جدا بنوع هذا السلاح المخملي الناعم الذي يري فيه  وحده الامام الحبيب سقوط نظام الإنقاذ .
وأخير انضم صوتنا الى صوت السيد الإمام الصادق المهدي بضرورة تقديم كل من تم اعتقاله على ذمة ذلك الإنقلاب كما نبدي اعتراضنا الشديد على سياسة تكميم الأفواه التى تتبعها الحكومة باغلاق الصحف وتشريد الصحفيين ،على الحكومة دائما أن تحتكم الى القانون كل من يسعي لتدبير وتنفيذ انقلاب على الحكومة ان تقدم كل دفوعاتها ضده الى المحكمة لتحكم ببراءته أو تدينه أما أن يحبس الناس بتهم عظيمة ثم يطلق سراحهم دون محاكمة او حتى تبرير لسبب الاطلاق فهذا ليس عدلا،وعلى الحكومة ايضا أن تقدم زملاؤنا فى صحيفة صوت الشعب الى محاكمة عادلة أو اطلاق سراحهم فورا فلا يعقل أن تعتقلهم كل مرة ويبقون خلف القضبان دونما محاكمة بل نرفض كل محاكمة جائرة بحقهم.كما حدث من قبل .
من روائع إبن القيم:
في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتوُّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغيُ قارون، وقحّة هامان (أي لؤم)، وهوى بلعام (عرّاف أرسله ملك ليلعن بني إسرائيل فبارك ولم يلعن)، وحِيَلُ أصحاب السبت، وتمرُّد الوليد، وجهل أبي جهل.
وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب، وشَرَهُ الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضبِّ، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصَولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفَّة الفراش، ونوم الضَّبع.
من أقوال الشيخ على الطنطاوي:
لماذا لا تعرفون النعم الا عند فقدها ؟!
لماذا يبكي الشيخ على شبابه ,
ولا يضحك الشاب لصباه ؟!
لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنا ,
و لا نبصرها الا غارقة في ظلام الماضي ,
أو متشحة بضباب المستقبل ؟!
كل يبكي على ماضيه , ويحن اليه ,
فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضيا !!
///////////////
‏10‏.01‏.2012



salihshafiealnil@yahoo.com

 

آراء