الصادق المهدي ورشا عوض … بقلم: ثروت قاسم
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
1- رشا عوض ؟
في العادة تتم شيطنة العضو المستقيل من حزب ما خصوصاً إذا كان حزباً عقائدياَ أو طائفياً ، ومهما كانت أسباب الإستقالة . يفترض القوم مبدأ ( قرني الثور ... نقوم سوا نقع سوا ) في عضوية الحزب ، خصوصاً القيادية منها .
التاريخ البشري يذخر بأمثال من إستقالوا من أحزابهم ، وكان مصيرهم ليس فقط الشيطنة وإنما الإغتيال المعنوي والشخصي الذي تعقبه التصفية الجسدية في الغالب الأعم .
لعل ملحمة ليون تروتسكي وإختلافه الشهير مع ستالين وإستقالته ( طرده – 1926 ) من الحزب الشيوعي ، وحتي نهايته الماساوية في المكسيك من أنصع الأمثلة على المصير الذي ينتظر المستقيلون والمخالفون في الرأى .
وملحمة البرادعي وإستقالته من وظيفة نائب رئيس الجمهورية ، وما جرته عليه هذه الإستقالة من متاعب ومآسي منها دمغه بالخيانة العظمي لوطنه ، والعمالة للأمبريالية الأمريكية ، وطرده من حزبه الذي أسسه وبناه بيديه ... لعل ملحمة البرادعي مثال قريب في التاريخ والجغرافيا وماثل وشاخص للعيون .
وفي السودان تكثر الأمثلة للإستقالات التى أودت بأرواح أصحابها ، بغض النظر عن أسباب الأستقالة ودوافعها . وتبرز إلى الذاكرة ملحمة الأستاذ معاوية أبراهيم سورج ، القيادي في الحزب الشيوعي ، والذي أنتهي نهاية مأساوية . وكان السيد اسماعيل الأزهري لا ينتظر كتاب الإستقالة من صاحبها ، بل كان يسبقه ب ( بيان للناس ) يمرغ فيه أنف الشخص المعني في الطين .
الأستاذة رشا عوض أيقونة في العمل الوطني ، وفي مجال حقوق الأنسان ، وحقوق المرأة والطفل ، والدفاع المستميت عن المهمشين والمعذبين في الأرض . كانت تعمل في المكتب الخاص للسيد الإمام ، الذي أحبها ولا يزال كأبنته البيلوجية تماماً ، والذي علمها فأحسن تعليمها ، حتى أشتد ساعدها فخرجت للفضاء العام تناكف عن بلاد السودان وأهل بلاد السودان
رشا عوض ليست أمرأة سودانية نمطية ، فهي ثائرة وثورية ومقاتلة شرسة تجعل عاليها سافلها ل ( كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد أثيم ، عتل بعد ذلك زنيم ) . هي تنور فائر ضد الظلم والتهميش والإستبداد . هي أمرأة حرة تملك رفاهية أن تقول لا ، وقد وصلت بل قل عبرت . هي زهرة على صدر السودان .
أنصرفت في هدؤ من اخواتها واخوانها في حزب الأمة ، كما تغادر العصافير اوكارها ، في محبة وألفة ومودة ومعزة .
لم تكن عضويتها في حزب الأمة تمثل أي عائق في طريق كفاحها ، وفي التعبير عن أفكارها التى كانت تدابر افكار الخط الرسمي والمؤسسي في حزب الأمة . فقد كانت دوماً الكتروناً حراً يسبح في سموات بلاد السودان الحدادي مدادي .
نعم ... كان بأمكانها الأستمرار ( شغل كالعادة كما يقول الفرنجة ) دون الإستقالة العلنية ؛ ببساطة لأن حزب الأمة كباقي معظم الأحزاب السودانية ( بخلاف الحزب الشيوعي ) سوق عكاظ كبرى يمكنك الدخول اليها والخروج منها ، على كيفك ومتى شئت . العضوية في هذه الأحزاب شفاهية ، ولا توجد بطاقات عضوية ملزمة للعضو المعني .
نعم ... كان يمكنها مناقشة أستقالتها مع والدها الروحي السيد الإمام قبل إعلانها للملأ الذين إتخذوا الإستقالة أداة للنيل من حزب الأمة والسيد الإمام ... وهم بعد قوم يجهلون .
نعود للمحصلة وبيت القصيد . ماذا كانت ردة فعل السيد الإمام ؟ هل حاكى ستالين مع ليون تروتسكي ، هل حاكى عقلاء مصر مع البرادعي ، هل حاكى السيد اسماعيل الأزهري والحزب الشيوعي السوداني في تفاعلهما مع المنشقين عنهم ؟
لا والف الف لا ...
قطعاً يتمنى السيد الأمام لأبنته رشا دوام النجاح في مشاريعها ، ومن نافلة القول تأكيده لها إن أبوابه وأبواب حزب الأمة مفتوحة 24 على 7 لإستقبالها آناء الليل وأطراف النهار ، إن كانت عضوة في حزب الأمة أو غير عضوة ، إن كانت داعمة لمواقف حزب الأمة أو ناقدة لها ، إن كانت مع أو ضد ؛ وإنه قطعاً سوف يظل يدعمها ويرعاها كما كان يفعل وكأنها أبنته البيلوجية
هذه عظمة السيد الإمام الذي يتسامى فوق الصغائر ، ويحلق عالياً كأي إنسان عظيم .
هو كالنجم يدنو إلي صفحات الماء و هو رفيع ...
وليس كالدخان يرتفع إلي طبقات الجو و هو وضيع.
2- صدق أو لا تصدق ؟
يمكن أختزال أربعة حوادث غير عادية حدثت مؤخراً :
اولاً :
عاب البروفسر اريك ريفز الناشط الامريكي المعروف ، في مقالة مؤثرة ، على السيد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي عدم الإشارة لهبة سبتمبر الشعبية وقمع قوات الأمن المفرط لها ، عند لقائه بوزير الخارجية السيد كرتي في نيويورك مؤخراً .
هل تخدم حكومة الخرطوم الأجندة الأمريكية ، ولا داعي حتي لقرصة أذن ؟
ثانياً :
أوقفت سلطات الأمن في مطار نيويورك وفد دولة جنوب السودان المشارك في إجتماعات الدورة الحالية للأمم المتحدة . كان الوفد يتكون من نائب رئيس الجمهورية ، ووزير الخارجية وعدة وزراء أخرين ومعاونيهم. أختارت سلطات الأمن من الوفد رئيسه ونائبه ( نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ) وأخضعتهما لتفتيش مذل ، طلبت منهما فيه خلع أحذيتهما وأحزمة بناطيلهما ، وتم تمريرها على الأشعة السينية ؛ كما تم تفتيش جسم كل واحد منهما من الرأس إلى أخمص القدمين لأكثر من ساعة في كل حالة . تم ذلك رغم حمل الرجلين لجوازات سفر دبلوماسية ، ورغم موقع كل منهما السامي ؟
لم يتم تفتيش بقية اعضاء الوفد .
ربما ارادت إدارة اوباما أن ترسل إشارة لجوبا إنها غير راضية عن سلوكها في عدة ملفات . ولكن يالها من طريقة مذلة لتمرير الرسالة ؟
ولم يقل وفد جنوب السودان حتى بغم ؟
ثالثاً :
أصدر الرئيس سلفاكير ( الأثنين 7 اكتوبر 2013 ) عفواً رئاسياً شمل السيد لام أكول وغيره من الجنرالات المحبوسين في سجون جوبا .
تقول منتديات جوبا إن هذا العفو تمهيد ً للفتك بالسيد باقان أموم ، الذي تتهمه جوبا بمحاولة إغتيال الرئيس سلفاكير ، ومن ثم الإجراءات الأمنية المشددة حول الرئيس سلفاكير عند زيارته الأخيرة للخرطوم . ويضيف بعض المراقبين للقائمة السوداء الدكتور ريك مشار ، الذي يتوجس منه الرئيس سلفاكير خيفة كون ادارة اوباما تفضله على الرئيس سلفاكير ، الذي يقول بعض المتنفذين الأمريكان أنه ( الرئيس سلفاكير ) يستعمل راسه فقط لوضع البرنيطة الكاوبوية عليه .
رابعاً :
قرر الأتحاد الأفريقي عدم شرعية إستفتاء أبيي الذي كان مقرراً عقده هذا الشهر لعدم موافقة حكومة الخرطوم عليه . ومن ثم فسوف يتم تجميده حتى إشعار آخر .
في هذا السياق صرح الرئيس سلفاكير بأن إستفتاء أبيي سوف يضمن السلام بين دولتي السودان
ولم يفهم عبدالرسول النور الكلام ؟
أبيي ؟ خميرة عكننة بين دولتي السودان ؟
3- الحزب الإتحادي الديمقراطي .
في يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2013 ، أتخذ المكتب القيادي للحزب الإتحادي الديمقراطي توصية بالإنسحاب من الحكومة وفض المشاركة مع المؤتمر الوطني ؛ وعارض التوصية عضوان فقط في المكتب القيادي من جملة 40 شاركوا في الإجتماع . هللت قواعد وجماهير الحزب للتوصية التي تم رفعها للسيد محمد عثمان الميرغني في مقر إقامته في لندن ، بعد أن غادر السودان عشية المظاهرات الشعبية التي راح ضحيتها أطفال مدارس الأساس في ملابسهم المدرسية .
كان من المفروض حسب دستور الحزب أن يرد السيد الميرغني على توصية المكتب القيادي في ظرف 48 ساعة ، إما بالقبول أو الرفض . ولكنه ظل صامتاً كابي الهول حتي كتابة هذا التقرير ( أسبوع بعد صدور التوصية ) .
في تذاكي يفتقر إلى الذكاء ، وفي توزيع للأدوار مكشوف ومكرر ، شن السيد محمد الحسن الميرغني نجل السيد محمد عثمان ( المتواجد حالياً كما باقي العائلة في لندن وبلاد السودان وأهل بلاد السودان على شفا جرف هار ) هجوماً شرساً ضد قيادات الحزب المشاركين في الحكومة ، معتبراً مشاركتهم لخدمة مصالحهم الشخصية.
ورد عليه الوزير الأتحادي السيد أحمد سعد عمر بإن السيد محمد عثمان لم يقبل فض الشراكة ، وأن الحزب مستمر في الحكومة ؛ وشارك وزراؤه في إجتماع مجلس الوزراء يوم الخميس 3 اكتوبر .
وواصل السيد محمد عثمان الميرغني صمته القبوري ، وهو يوزع في الأدوار .
إمتثل المكتب القيادي لرفض السيد الميرغني السكوتي للتوصية ، ولم يقل بغم .
المؤسسية داخل الحزب الإتحادي الديمقراطي تحتاج لبعض المراجعات .
يعرف أعضاء المكتب القيادي إنهم مجرد مجرات تدور حول شمس السيد الميرغني ، وبإنحراف أي مجرة عن مدارها ( الولاء والطاعة للرئيس ) سوف تحترق ويذهب ريحها وتصير هباء منثوراً . ومن ثم قبول المكتب القيادي السكوتي لرفض السيد الميرغني السكوتي لتوصية المكتب القيادي بالخروج من الحكومة .
معاملات سكوتية رفضاً وقبولاً ، حتى تترك فرصة للمناورة .
هل لاحظت الفرق بين حزب الأمة والحزب الأتحادي الديمقراطي ؟
في حزب الأمة رئيس الحزب عضو في ( وليس رئيس ) المكتب السياسي وله صوت واحد كبقية الأعضاء ، ويلتزم بقرارات المكتب السياسي ، حتى لو كانت مدابرة لمواقفه واطروحاته . والأمثلة على تدابر المواقف والإمتثال لقرار المكتب السياسي في النهاية على قفا من يشيل .
كما أن قرارات اللجنة المركزية ( كيان منتخب من المؤتمر العام ويعين أعضاء المكتب السياسي ) واجبة التنفيذ وملزمة للسيد رئيس الحزب . وكذلك فإن قرارات اللجنة العليا للتنسيق واجبة التنفيذ وملزمة لرئيس الحزب . اللجنة العليا للتنسيق مكونة من قياديين في اللجنة المركزية والمكتب السياسي .
كما ترى فإن أيادي السيد رئيس الحزب في حزب الأمة مغلولة بالمؤسسية ولا يستطيع حراكاً خارجها .
في الحزب الأتحادي الديمقراطي رئيس الحزب هو رئيس المكتب القيادي ويقدم المكتب القيادي توصيات ( وليس قرارات ) لموافقة رئيس الحزب عليها لتصبح قرارات نهائية نافذة المفعول . الترتار يقف عند رئيس الحزب ، وهو الكل في الكل ، والمكتب القيادي مكتب إستشاري له ، قد يقبل إستشارته وقد يرفضها .
مولانا الميرغني ، حفظه الله وأبقاه ، متواجد حالياً في لندن في حين تفور مشرحيات مستشفيات السودان بجثث الأطفال في لباس مدارس الأساس ، الذين إغتالتهم المليشيات الذئبية للحكومة التي يصر مولانا الميرغني على إستمرار المشاركة فيها ؟ وحين يستمر الناشط محمد عثمان احمد صالح ( 20سنة - طالب في كلية الخرطوم التطبيقة ) في الحبس التعسفي منذ تم اعتقاله يوم الاثنين 7 اكتوبر 2013 ، ومثله معه مئات من شباب السودان الغض وأطفاله .
فتأمل ؟
نعم تأمل حكومة الميرغني ( بالمشاركة ) التي تغتال الأطفال في زي مدارس الأساس ، لا لسبب سوى خروجهم في الشارع متظاهرين سلمياً وهم بعد أطفال ، وتعتقل الشباب تعسفياً وتذيقهم أصناف العذاب ؟
في المقابل ، أكد حزب الأمة ( الأثنين 7 أكتوبر 2013 ) أنه لن يقبل أن تذهب هدراً دماء الشباب والأطفال الأبرياء الذين قتلوا. وإنه بصدد تحويل القضية لمحكمة الجنايات الدولية عبر الأمم المتحدة إذا لم تسرع الحكومة لتكوين لجنة تحقيق مستقلة ذات مصداقية .
صارت أيادي السيد محمد عثمان الميرغني ملطخة بدماء أطفال السودان ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهل قتل الرئيس البشبر بيديه ليصدر ضده أمر القبض الدولي ؟ وهل تم سجن رئيس ليبريا السابق شارلس تيلور 50 سنة في لاهاى لانه قتل بيديه أطفال سيراليون ؟
إنها المسؤولية القيادية الجماعية !
ولما كانت الأعمال بخواتيمها ، فإننا نطلب من المولى عز وجل المغفرة للسيد محمد عثمان الميرغني !