الصادق المهدي وضرورة هدم المعبد
فجأة وبدون مقدمات انسلخ الصادق المهدي من تجمع (نداء السودان). ليس كعضوْ، فالصادق لا يعرف كيف يكون عضوا في أي تنظيم. انسلخ كرئيس، تاركا الغول والعنقاء والخل الوفي. الحركات المسلحة من ضمن نداء السودان، لا تحتاج إمام الأنصار. بَنَتْ علاقة وثيقة مع حميدتي الذي ارسلهم الى أديس أبابا ليثَبِّتُوا حقوقهم، حسب قوله، وذهب لملاقاتهم في جوبا ليوقع وثيقة اتفاق.
قيل في أول تسريب لتبرير استقالة المهدي إنه يأمل في ترؤس مفوضية السلام التي ستعلن. حتما المنصب هام ومؤثر وسيضحي إمام الأنصار بالكثير من أجله. لكن دونه الحركات المسلحة الرافضة لترشيحه، خاصة (العدل والمساواة)، والأكثر رفضا مثل حركتي الحلو وعبد الواحد نور العلمانيتين. لذا خرجت على الملأ فرقعة الاستقالة بتبرير أن "المرحلة الحالية تتطلب مراجعات للمواقف بما في ذلك هيكلة (نداء السودان) والتحالفات مع القوى الوطنية الأخرى".
التغريد خارج السرب صفة لصيقة، بل هي في تركيبة المهدي الجينية. في الأردن قبل أسابيع، اسدى النصح لبني (كوز) أن توبوا واستغفروا واتعظوا، لأنه بغير ذلك سوف لن تعودوا للمسرح السياسي. صار صاحب (الصحوة الإسلامية) بذلك هو الإسلامي الوحيد الذي يرى دورا للكيزان في مستقبل السودان. غالبية أصحاب التوجه الإسلامي سابقا خلعوا اللباس التجاري البئيس. المحبوب عبد السلام تلميذ الترابي النجيب، يرى أن الإسلام السياسي استنفذ اغراضه، وعثمان ميرغني الصحفي النابه يدعو حاليا لإبعاد الدين عن الدولة. حتى البرهان كشف لأول مرة عن مشاركته في حركة رمضان الانقلابية ضد حكومة الإنقاذ، وإن احتاط بنزع دمغة حزب البعث الملصقة بالحركة. ولم يتخلف عن الركب ياسر العطا عضو المجلس السيادي الذي أعلن أنه كان دوما في جانب الثورة والثوار.
لكن لا. ليس المهدي. فتركيبة حزب الأمة الأُسرية المنغلقة، وفكره الأكثر انغلاقا في (الصحوة الإسلامية)، وفقده للحاضنة الحزبية في دارفور جميعها تضعه خارج إطار سودان الكنداكات والثوار الشباب الجديد. لذا لابد له من فرقعات اعلامية بهلوانية، إن كانت تجدي. وإن لم تشفع هدم المعبد على رؤوس الجميع لبناء تحالفات جديدة لتفادي الانقراض (الأمي) المحتوم.
لا يهم، وليس ضمن اهتمامات، إمام الأنصار أن ثورة الكنداكات والشباب تقف الآن مشلولة في غياب القضاء والنيابة العامة المستقلين. غياب العدالة الانتقالية الناجزة أكبر مهدد لثورة ديسمبر وهو أمر يعيه إمام الأنصار جيدا ويرضاه. فهو جزء من مخطط التآمر الذي صنعه. التآمر أورث ثورة الكنداكات والشباب، بدل (الوثيقة الدستورية) الواحدة، وثيقتين، تحتاج كلاهما الى (بوخة مرقة) مليونية حتى تظهرا للعلن. لا يعني ذلك إمام الأنصار في شيء. ما يهمه غياب صلاح قوش (الغامض) عن الساحة. يفتقده كأنما الليلةْ ظلماءْ. يفخر بأن قوش طلب منه منذ زمان، حين التقاه في القاهرة، أن يعود للسودان ليقود الإسلاميين. أكد له، حسب الرواية، أن الإسلاميين بلا قيادة، وطمأنه أنه لا ينوي تمكين الأمن والمخابرات من السلطة بل خلع البشير. الصادق المهدي، ورغم مرحلة انعدام الوزان التي يعيشها حاليا، ما زال يوزع الأدوار وصكوك الغفران للكيزان. يرحب مرةْ بدولة الإمارات (خاصةً بعد زيارة ابنته الموفقة)، يرحب اخرى بقوش الذي ساعد كثيرا في خلع البشير، ويفتح عضوية حزب الأمة أمام حميدتي ولا يمانع تنصيبه رئيسا مرتقبا للسودان.
وعلى النقيض من ذلك لا يطيق حمدوك. فحمدوك المتعبد في حرم المعبد، أكبر مهدد لسيناريو الهدم، بمساعيه لتثبيت أركان الفترة الانتقالية. خاصةً إذا اتفق مع عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو لتعزيز دولة الحرية والسلام والعدالة، خاصةْ إذا نجح في تحديد توقيت لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. خاصةً إذا حصل على تسهيلات ائتمانية استثنائية من البنك الدولي أو تعهدات بإعفاء ديون. كلها دعائم توقف نزف الدم والاقتتال، تعيد النازحين، تعوضهم، ترفع الضائقة المعيشية عن سائر أهل السودان، تصحح سعر الصرف وتجذب الاستثمارات. وفي ذلك نهاية المهدي ودفن تاريخه السياسي المزري.
لذا يحاول هدم المعبد على من يعبد. بدعوته مباشرةً لانتخابات بعد فشل حكومة حمدوك، بغض النظر عن جاهزية البلاد ومختلف التيارات السياسية لخوضها. وبدون التنبه الى أن حكومة حمدوك ما زالت جنينا يتشكل. هنا نتساءل: من أكثر المنشرحين لمثل هذه الدعوة؟ نفس الانتخابات المتعجلة (انتخابات 2020)، طالب بها حميدتي من قبل، طالب بها علي الحاج وتطالب بها فلول (المؤتمر الوطني). والمستفيد سارقو المال وقتلة الثوار الذين يسعى الصادق المهدي لإخراجهم من الغيهب الذي هم فيه.
إمام الأنصار أو (المهدي المنتظر) لا ينتظر. جاهز للانتخابات. كأنما أمره أن يقول للشيْ ِكن فيكون. فليطمئن (الكيزان). المشروع (الإسلامي) بخير، وما سرقوه ونهبوه في مأمن. بفضل إمام الأنصار. تبقى فقط اعلان زواج المصلحة، باستقطاب حميدتي المدجج بالسلاح والمثقل بأطنان ذهب جبل عامر.
ما يجب أن يتنبه له الكنداكات والثوار الشباب أنه مثلما تم تجنيد طابور خامس من وسط قوى الحرية والتغيير (ساطع الحاج ابتسام السنهوري) لتفريخ وثيقة دستورية معيبة، هناك تحالفات مريبة لا تُرى بالعين المجردة، أولوياتها ألا يتم اختيار رئيس قضاء أو نائب عام مستقلين، وألا يحدث تقارب بين الحلو وعبد الواحد نور ورئيس الوزراء. فلتتوالى المليونيات لتحقيق الهدفين.
كلمات أخيرة:
ليس هناك في الراهن السوداني الحالي شخصا يأمل في فشل ثورة الكنداكات والشباب أكثر من هذا الطائفي المنتفخ بداء العظمة الوبيل. الصادق المهدي اكذوبة، روَّجها الانجليز، صدقها غمار الناس من خفاف العقول، وما زال أهل السودان يدفعون غاليا تبعات هذا الترويج.
abujaybain@gmail.com