الصافي جعفر وثمرات إبراهيم !!
كيف لا
قد تبدو مسألة مدح الشخص لنفسه سمجة بتخصيصها ، لذا فقد استعضنا عن المدح المباشر بالمدح الجمعي الذي اشتهرنا به كسودانيين دون سائر الشعوب. والمثير أيضاً أن المادح عندما يزجي ببعض الأخلاق الكريمة والصفات المجانية على بني وطنه يردد حديثه في تجرد تام وكأنه ليس من ضمن الزمرة الممدوحة بالأمانة والكرم والشجاعة. وقد لا يكتفي بذلك بل يحاول تثبيت قوله وترسيخه في أذهان مستمعيه من بني جلدته، وذلك بنفي هذه الصفات الحميدة عن جنسيات أخرى.
في البدء كنا نأخذ مثل هذه الأحاديث المتكررة في بلاد الغربة عرضاً ولكن كثرتها لدرجة الملل ،خاصة في دول الخليج حيث تلعب المنافسة على الكوادر البشرية المؤهلة أكاديمياً وعملياً دوراً كبيراً في الاستحواذ على الوظائف وكسب رضا الجهات المخدّمة . ثم صرف كثير من الأدبيات المنقولة شفاهة والمكتوبة فيما لا ينفع لا الممدوح ولا المادح بل أتى علينا بشر ووبال. وقد تكون هذه الصفات أصيلة ولكنها لا تحتاج لكل هذا الترويج الرسمي والشعبي . ولا تحتاج لأن نستغرب عندما يردّ مواطن سوداني في المهجر مبلغاً من المال دخل حسابه المصرفي عن طريق الخطأ. ولا تحتاج منا أن ننصرف إلى مضغ هذه الأحاديث وغيرها عندما يقوم أحد كوادر الدفاع المدني بواجبه في إنقاذ أسرة من الحرق وغيرها من الواجبات والسلوك القويم الذي نسميه شجاعة نادرة.
كل ما يقال من هذا الكلام المجاني قد يتم تبريره بتوق السوداني إلى كسر حاجز عدم الثقة في نفسه في الخارج . وهو في مجمله قد لا يتجاوز مجتمعات السودانيين العاملين بالخارج ، وفي أحيان أخرى يرددها بعض الأشخاص من البلد المضيف ، لا لشيء إلا لأنهم يعلمون أن هذا المدح سيسعد هذا السوداني الطيّب.
أما عندما يأتي نفس الحديث على لسان داعية ومفكّر رائد في مجاله مثل المهندس الصافي جعفر ، فلا بد من أخذ وقفة مع النفس لتقييم هذه الصفات المنطوق بها ، ومعرفة كيف نرى أنفسنا وكيف يجب أن يرانا غيرنا.قال المهندس الصافي جعفر في محاضرة أقامتها رابطة الإعلاميين السودانيين بالرياض :"إن وجود الكوادر والخبرات السودانية في المملكة العربية السعودية ، من ثمار دعوة سيدنا إبراهيم " واستدل بالآية الكريمة:"وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات". ثم أوضح أن الخبرات السودانية التي تعلمت وتدربت حتى بلغت هذه المرحلة ، وقدمت إلى السعودية وهي تسهم في الإعمار ، تعتبر ثمرة لدعوة سيدنا إبراهيم.
هب أننا ركنا بالكامل وسلّمنا لرأي المهندس الصافي جعفر ، وهو بالتأكيد سيكون قد صادف هوى الكثيرين من أبناء هذا الوطن الذين ينامون ويستيقظون على الإطراء وتمجيد الأخلاق السودانية والخبرات حقيقها ووهمها . نحن في غنى من أن نذكر أن الغالبية العظمى من المهاجرين طوعاً أو كرهاً ، ذوي خبرات أو عديميها هم ممن ضاق بهم السودان. أما الشيء الأكثر أهمية هو أن سوق العمل يولي الأهمية الكبرى للمؤهلات والخبرات ، وإذا تساوى المتنافسون سودانيين وغيرهم يتم تفضيل بعض الجنسيات العربية الأخرى لأسباب ترتبط باللباقة والكياسة وأسباب أخرى يعلمها الجميع . إذن الخبرات ليست حكراً على السودانيين وإنما ينافسهم فيها كثرٌ عرب وعجم من كل حدب وصوب .
أما إذا وقفنا في الجانب الآخر من حديث المهندس الصافي جعفر فيبرز السؤال البريء ، وهو ماذا نسمي الخبرات السودانية في أوروبا وأمريكا واستراليا مثلاً ، هل هناك دعاء ما أصاب تلك البلدان جعلها تنتفع بالخبرات السودانية ؟ الحقيقة المرة هي أنّ جموع العاطلين هنا والذين تفيض بهم ما يسمى "ببيوت العزابة" ، يستجدون ثمن تجديد إقاماتهم حتى لا يتم طردهم.وهؤلاء في نظر كثير من شعوب الخليج همّ وبلاء يتمنون زوالهم حتى لا يكونوا عالة على مجتمعاتهم وعلى الخدمات المقدمة لهم .
عن صحيفة "الأحداث"
moaney [moaney15@yahoo.com]