الصراع السياسي علي الواجهات

 


 

 

 

الصراع السياسي عبر الواجهات بدأ في السودان منذ الاربعينيات، منذ بداية تأسيس الأحزاب السياسية، و ركز الحزب الشيوعي علي العمل النقابي الناشيء منذ ذلك الوقت و استطاع أن ينجح في قيادة اتحاد العمال من خلال قيادات عمالية بارزة " الشفيع أحمد الشيخ – محمد السيد سلام – الحاج عبد الرحمن و قاسم أمين و غيرهم" كانت القوى السياسية الآخرى خاصة الاتحادي و الأمة بعيدين عن العمل النقابي، باعتبار أن قاعدتهم العريضة في المجتمع لا تجعلهم يلتفتون لقاعدة ضيقة، رغم أن العمل النقابي كان يمثل خطوة متقدمة من الوعي الجديد، لأنه ينطلق من قاعدة فكرية راسخة في تحقيق الامتيازات التي يجب أن تعترف بها الدولة للمواطنيين، و هي تمثل وحد من من ركائز قاعدة المواطنة، و التي تقوم علي عكازتين الامتيازات و الواجبات، و لذلك كان الحزب الشيوعي يصبو أن يوسع قاعدة العمل النقابي في الفئات الأخرى، في اعتقاد أن توسيعها سوف يوسيع قاعدة الوعي في المجتمع، التي تعد خصما علي الأحزاب الرئيس. 

في أوائل الستينات بدأ الحزبان الاتحادي و الأمة يلتفتان إلي العمل النقابي، باعتباره عملا مؤثرا في البناء الديمقراطي، و هذا الالتفات جاء كرد فعل عندما وافق الحزب الشيوعي المشاركة في المجلس المركزي الذي أسسه نظام عبود، حيث رفض الحزبان الدخول في مجلس عبود، حيث دخل الشيوعي و حزب الشعب الديمقراطي اللذان كانا في تحالف مع بعضهم البعض. استطاعت القيادات النقابية في الحزبين " الاتحادي و الأمة" أن تجعل منابر نوادي العمال في الخرطوم و الخرطوم بحري منابر للخطاب السياسي المعارض ضد حكومة عبود. و قررت القيادات العمالية في الحزب الشيوعي التي كانت مسيطرة علي اتحاد العمال أن تغلق أبواب النوادي في وجههم، الأمر الذي تطور إلي عنف داخل هذه النوادي. لكنها كانت بداية الوعي النقابي داخل الحزبين الاتحادي و الأمة. و بعد أكتوبر ركز الاتجاه الإسلامي بقيادة الدكتور الترابي علي الدخول في الصراع النقابي، و أيضا بدأ الاتجاه الإسلامي يؤسس واجهاته السياسية. و تصبح الواجهات السياسية هي صنيعة للقوى الأيديولوجية، و جاء حزب البعث لكي يكون واجهة في الطلبة بأسم كفاح الطلبة لكي يؤكد أن القوى الأيديولوجية تشكل بالفعل تهديد لمسار الديمقراطية من خلال استخدام الواجهات السياسية.
لذلك ليس غريبا أن يفاجئ الحزب الشيوعي الجميع أن يعقد انتخابات لتجمع المهنيين لكي يسيطر عليه سيطرة كاملة، و هي خطوة محسوبة سياسيا من قبل الزملاء، الهدف منها حصول الحزب الشيوعي علي جميع المقاعد المخصصة لتجمع المهنيين في المجلس التشريعي. الأمر الذي جعل القوى السياسية الأخرى في حالة من الدهشة، التي لا تقرأ تاريخ الصراع السياسي. وانتقد التحالف الديمقراطي للمحامين العملية الانتخابية، وأشار إلى أنها باطلة من حيث الشكل والمضمون، حيث ينتهي أجل دورة السكرتارية في أغسطس المقبل، وفي هذه الحالة لا يجوز إجراء انتخابات مبكرة إلا في حال خلو يوجب سحب للثقة أو إعفاء عضو. وقال التحالف:إن الانتخابات جرت دون مناقشة خطاب الدورة والميزانية تقارير أداء المكاتب. كما أن توسيع السكرتارية إلى 9 أعضاء مخالف للائحة التجمع التي تقول إن عدد أعضاء 6 أفراد فقط. وأشار إلى أن العملية الانتخابية شهدت تكتلا سياسيا حزبيا من جهة واحدة ادت الى أحكام سيطرته على السكرتارية والمناديب بالمخالفة لميثاق التجمع وطبيعته النقابية العامة.عندما أعلن في منبر مفاوضات السلام كمقترح تخصيص 30% من مقاعد المجلس التشريعي للحركات المسلحة، و أطلقت عليه "كتلة السلام" وهي مجموع الحركات الحاملة للسلاح في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، و هذا المقترح قد قبلته الجبهة الثورية باعتباره يجعلها مناصفة بينها و بين قوى الحرية و التغيير في النسبة 67%. هذا المقترح قد أرق الزملاء تماما لأنه سوف يربك كل حسباتهم، و تكون قد أجهضت خططهم تماما. لذلك سارع الحزب الشيوعي أنتقاد ذلك علي لسان ممثله في قوى الحرية و التغيير صديق يوسف حيث يقول "توصلت الحكومة السودانية إلى اتفاق مع الحركات التي تفاوضها في جوبا الى اتفاق يقضى بتخصيص 30% من المقاعد في المجلس التشريعي المرتقب تكوينه، و كانت الوثيقة الدستورية التي توصل لها المجلس العسكري المحلول وقوى إعلان الحرية والتغيير في أغسطس الماضي قد منحت 67% من مقاعد التشريعي إلى الحرية والتغيير، فيما تذهب البقية إلى القوى غير المنضوية في التحالف لكنها ايدت الثورة. و أضاف قائلا "يوجد مقترح بتعديل الوثيقة الدستورية لتخفيض نصيب قوى الحرية والتغيير إلى أقل من 50% من جملة مقاعد المجلس التشريعي، هذا المخطط لابد من وقفة موحدة لرفضه " رغم أن المقترح إذا تم النظر إليه بموضوعية، من خلال نظرة تريد أن يحدث تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد، دون حسابات سياسية حزبية ضيقة، هو معادلة سياسية متوازنة في بعدها السياسي حيث تكون القسمة عادلة" 37% لقوى الحرية و التغيير و 30% للحركات المسلحة و 33% للقوى السياسية التي شاركت في الثورة لكنها لم توقع علي إعلان الحرية و التغيير" هذه النسب سوف تجعل المجلس التشريعي أكثر فاعلية، لأنه سوف يضم كل ألوان الطيف السياسي، و يعطي البعد القومي و الوطني للمجلس التشريعي، و سوف تخرج التشريعات بالتوافق الوطني، و في نفس الوقت؛ سوف تكون هناك مراقبة فاعلة لعمل الحكومة، و الخلاف في الرؤى و الوصول لتوافات حول القضايا المطروحة، سوف يؤدي لبناء ثقافة ديمقراطية وطنية بدلا من إملاءات حزبية ضيقة.
رغم أن الحزب الشيوعي كان قد أكد من قبل إنه لن يشارك في كل هياكل السلطة الانتقالية، و أيضا كان تجمع المهنيين قد أعلن من قبل إنه لن يشارك في هياكل السلطة الانتقالية، لكن تراجع الحزب الشيوعي و قال إنه سوف يشارك فقط في المجلس التشريعي، فكان الإعلان الأول مناورة سياسية لنجاح مخططه علي كيفية إدخال أكبر عدد من الشيوعيين من خلال واجهات عديدة و هي واجهات كان الزملاء قد دفعوا بها للتوقيع علي إعلان الحرية و التغيير لكي تستخدم فيما بعد كواجهات يؤكد فيها الحزب الشيوعي أن الأغلبية داخل الحرية و التغيير تؤيد ما يقوله الزملاء، و هي إشكالية كان أشار إليها الشيخ علي عبد الرحمن رئيس حزب الشعب الديمقراطي بعد ما فض حزبه تحالفه مع الشيوعي حيث كتب في كتابه " الديمقراطية و الاشتراكية في السودان حيث قال " لقد اقتنعت بالممارسة و التجربة أن أي فرد أو جماعة أو أية هيئة أو منظمة لا تدين بالماركسية لا تستطيع أن تتعاون مع الحزب الشيوعي السوداني إلا تعاونا محدود النطاق محدود الزمن و ذلك لثلاثة أسباب ملخصها " أن الشيوعيين يحاولون قيادة الآخرين و يتزعمون التحالف – لا يسلك الشيوعيون خطا سياسيا واحدا فتراهم أحيانا يميلون ذات اليمين و اليسار لتحقيق أهداف الحزب – لا يقبل الشيوعيون بسهولة أن يتعاونوا مع أي حزب لمصلحة التحالف بل يحاولون فناء شخصية الآخرين" و الأن يفاجيء الزملاء التحالف بانتخابات لتجمع المهنيين فيها قدر عالي من الاستعجال بهدف رغبات حزبية تتسبب في إجهاض عملية التحول الديمقراطي.
يعلم الشيوعيون و غيرهم من الأحزاب و أغلبية القوى الواعية في المجتمع، أن هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها السودان، تعتبر من أصعب المراحل التاريخية في تاريخ البلاد، و هي تختلف عن مرحلة ما بعد أكتوبر و ما بعد إبريل، حيث الخراب أكبر من التصور، و السلاح أصبح منتشر في أغلبية مناطق السودان، و وصل حد الفقر أدني بكثير من الحد العالمي للفقر، و غلاء متصاعد تعجز مقدرة 85% من الشعب مواجهته، كل ذلك هذه التحديات التي تواجهها البلاد، كان يعتقد أن الأحزاب التاريخية تتعامل معها بأفق واسعة بعيدا عن المصالح الحزبية. و إذا كان كل حزب يبحث عن مصالحه لماذا كان الزملاء ضد مقولة الصادق المهدي الذهاب المبكر للانتخابات ما كانت أيضا مصلحة حزبية. هل يريد الزملاء التعامل معهم باستثناء، باعتبار أن شعاراتهم الإقصائية قد سادت الشارع. و بدأوا يستخدمونها كفزاعات ضد أي ناقد لممارسات الحزبية الضيقة، و أصبح الآن بعد انتخابات تجمع المهنيين مكشوف، و واضح للعلن، و و أيضا لماذا الحملة ضد العسكريين مادام البحث هو عن تحقيق الرغبات الخاصة للأحزاب و المؤسسات. لابد للعمل من أجل إبعاد العمل النقابي عن مؤسسات السلطة. أي الرجوع لقرار تجمع المهنيين عدم المشاركة في سلطة الفترة الانتقالية. نسأل الله حسن البصيرة للجميع.

zainsalih@hotmail.com
/////////////////

 

آراء