الصراع بين البرهان وحميدتي، هل هو عض أصبع، أم كسر عضم؟

 


 

 

قبل أن نخوض في مآلات الصراع، دعونا نقف على مسبباته ومن المستفيد منها؟
معرفة الأسباب والجهات المستفيدة منها ستساعدنا كثيراً على الفهم والتحليل والإستنتاح والتنبؤ بالنتائج.
واحدة من أهم أسباب الأزمة هي إنقلاب ٢٠٢١/١٠/٢٥، الذي نفذه البرهان حتى يتفادى تسليم السلطة للمدنيين في ٢٠٢١/١١/١٧، بحسب نصوص الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الإنتقالية بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، الذي كان ومازال يمثل اللجنة الأمنية للنظام البائد.
وقتها حميدتي ظل صامتاً لم يدل للإعلام بتصريحات مما دفع المراقبين إلى التساؤل عن موقفه؟؟؟؟
لكن بعد فترة وجيزة من الإنقلاب خرج للإعلام وأدلى بتصريحات وقتها كانت غامضة إلى حد كبير، حينها قال: البرهان ما قال لي دا إنقلاب، ثم تدرج بعد ذلك خطوة أخرى ووقف ضد مبادرة الكوز الطيب الجد، وعبر بكل وضوح عن دعمه للإتفاق الإطاري، وإعتبره المخرج الآمن من الأزمة وأشاد بالوثيقة التي كتبها المحامون السودانيون في دار نقابتهم التي قام الكيزان بمهاجمتها، وهكذا تطورت مواقف الرجل حتى وصل أن عبر عن أسفه وندمه للمشاركة في الإنقلاب.
وقال: أن ذلك كان خطئاً وقدم إعتذاره، ثم جاء خطابه الأخير الذي أكد فيه أنه أبن بادية وقد تضرر من النهج القديم، وأكد في فقرات أخرى من خطابه أن لا عودة لوضع قبل الحادي عشر من أبريل ٢٠١٩.
كل مواقفه وتصريحاته أكدت أنه تم إستدراجه من قبل البرهان ومن خلفه الكيزان حتى ينفردوا به بعد إبعادهم حمدوك من سدة القرار السياسي وتشتيت قوى الثورة.
مخطط مدعوم من نظام عبد الفتاح السيسي في مصر ، الذي سارع إلى الدفع بالسيد محمد عثمان المرغني للعودة للسودان، الذي سبق أن إلتقاه البرهان في مصر في إحدى زياراته لمصر تمهيداً لعودته للسودان لتمرير المخطط الذي كان يشرف عليه في الخفاء السيسي خشية من قيام دولة قوية في السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة التي رفعت ثلاث شعارات: حرية، سلام وعدالة.
هذه الشعارات إذا تم تنفيذها في السودان ستجعل منه دولة متصالحة مع شعبها وممتلكة لقرارها السياسي والإقتصادي، وهذا ما لا تريده مصر.
نظام السيسي يريد سودانا مستباحاً من قبل مخابراته ومافياته حتى بواصل تحكمه فيه عبر نظام عسكري يسهل مهمته في نهب ثرواتنا وخيراتنا الوطنية بلا حسيب أو رقيب.
أيضا إسرائيل لها مصلحة في تحكم النظام المصري على السودان، بقيادة عبدالفتاح السيسي الذي إنقلب على حكومة متتخبة بعد ثورة ٢٥ يناير للحيلولة دون تحرر الشعب المصري من الهيمنة والتبعية الأجنبية وكذلك السودان.
إذن ما يجري الآن الهدف الأساسي من ورائه هو إعاقة التحول الديمقراطي في السودان، هذا هو مربط الفرس، والهدف المركزي لإسرائيل الطامعة في مياه النيل، وتقف وراء كل ما يجري في السودان والمنطقة.
كذلك نظام السيسي القابض على أنفاس الشعب المصري يحاول عبر أجهزته الأمنية دعم البرهان ومن خلفه الكيزان الذين إلتقت مصالحهم مع كلا من إسرائيل ونظام المصري، لوأد حلم الشعب السوداني في بناء نظام مدني ديمقراطي يحقق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
هذا المخطط لن يتحقق في السودان ظل وجود قوات الدعم السريع التي تجد الدعم من السعودية والأمارات، لأن حميدتي وقواته يشكلان لهاتين الدولتين قوة وسند في ظل المخاطر التي تتعرض لها دول الخليج سواء من قبل إيران أو تركيا التي تدعم جماعات الإسلام السياسي في المنطقة.
فالسعودية والأمارات قد لا تعترض على قيام نظام مدني ديمقراطي في السودان لكنها حتماً لن تسمح بعودة فلول النظام السابق إلى السلطة عبر الإنقلاب، لأن ذلك سيشكل خطراً على السودان وعليها وعلى كل المنطقة.
إذن الصراع بين البرهان وحميدتي، رغم انه يبدو في ظاهره صراع على السلطة والنفوذ، لكن جوهره هو صراع ذو جذور تاريخية عميقة مرتبطة بنشأة الدولة السودانية، هذا إذا إفترضنا جدلاً أن هناك ثمة دولة في السودان قادرة على الإضطلاع بوظيفتها ومسؤوليتها تجاه مواطنيها. واقع الحال وصراع الأجيال منذ الإستقلال وحتى الآن الذي تخيم عليه نذر الحرب بين البرهان وحميدتي، كشف أن هناك قوى طفيلية إنتهازية إحتكرت المال والنفوذ والسلاح لصالحها عبر سيطرتها على المؤسسة العسكرية، لتنفيذ الإنقلابات العسكرية للحفاظ على مكاسبها وإمتيازاتها على حساب الأغلبية من الشعب السوداني التي تعيش على الرعي والزراعة والرواتب الضعيفة من عمال وموظفين الذين يشكلون شريحة الفقراء والكادحين والمساكين.
القوى الطفيلية الإنتهازية وظفت الدين للسيطرة على الشعب وسلاح لمحاربة القوى الوطنية المستنيرة التي تبنت قضايا الديمقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية والتطور والتمدن والحضارة، حتى تتحكم في الشعب السوداني وإبقائه ضعيفاً غير قادراً على الدفاع عن حقوقه المشروعة في حياة كريمة في وطنه الذي حباه الله بكل خيرات الدنيا.
صراع البرهان وحميدتي هو نتيجة حتمية للإصرار على النهج الذي يعمل على تغييب إرادة الشعب السوداني من قبل جهات داخلية ذات إرتباطات إقليمية ودولية.
حل الصراع بين البرهان وحميدتي، لن يكون صراع عض أصبع ، إن لم يتم الإعتراف بجذور الأزمة التاريخية.
بل سيتحول إلى صراع كسر عضم،
لأن الصراع التاريخي وصل مرحلة لا تقبل الحلول الوسط.
تعقيدات المشهد لن تحل بالإتصالات من هذا الطرف أو ذاك.
السودان يعيش أزمة تاريخية عمرها عقود وتفاقمت في عهد الكيزان. فالحل لن يتحقق بأخوي وأخوك.
الحل يحتاج إلى جراحة تمكن من العودة إلى جذور الأزمة التاريخية المتمثلة في غياب الحرية والعدالة الإجتماعية في السودان منذ الإستقلال.
وهذا يعني إما أن يحدث تحول مدني ديمقراطي، وتسليم السلطة لقوى الثورة التي قامت بها ضد نظام الطاغية المخلوع عمر البشير وحاشيته الفاسدة وكل الإنتهازبين والمخربين والمتآمرين مع أعداء الثورة في محيطنا الإقليمي والدولي.
أو الدخول في حرب شاملة لا تبقي ولا تذر، ليس هناك حل وسط.
عناصر القوة الآن ليست لغة التهديد والوعيد والعنف، ولا التهريج.
المرحلة تحتاج لتفكير جديد يواكب تطلعات الشعب السوداني ويستجيب لإرادته إنطلاقاً من فهم عميق أن السودان لن يتحقق فيه النموذج الذي طبق على الشعب المصري الذي سرقت ثورته وسلمت لنظام عسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي.
السودان الوضع فيه مختلف تماماً، السودان بتعدده وتنوعه السياسي والثقافي والإجتماعي، لن ينفع فيه سوى نظام مدني ديمقراطي، يحترم إرادة شعبه، ويبني جسورا من التواصل والتفاعل مع كافة شرائح المجتمع، ويتعاطى مع تبعات الماضي وتحديات الحاضر بحكمة وعقلانية.
السودان في حاجة لخطاب سياسي عقلاني يعزز تماسك النسيج الإجتماعي ويعمق مشتركاته الوطنية ويساهم جدياً في التخلص من الإنقلاب ومضاعفاته السلبية على الشعب لاسيما الفقراء والكادحين.
لغة التهديد والوعيد والتنمر، تعبر عن عقلية الجهلاء الذين إختاروا حل السنون بدلاً من حل الأيدي، أو ركوب الحمير لاداء فضيلة الحج، بدلاً من ركوب الطائرات في القرن الواحد والعشرين.
ما أكثر الطغاة في هذا البلد المسمى السودان المنكوب بهؤلاء الحمقى الذين إختاروا ركوب الحمير بدلاً ركوب الطائرات، وجعلوا من السودان البلد الزاخر بالخيرات والثروات بلداً فقيراً غارقاً في وحل الجهل والتخلف والإستبداد والحروب، بدلاً من الحرية والسلام والأمن والإستقرار والتقدم الذي لن يتحقق إلا بإحترام إرادة الشعب وإلتزام الديمقراطية خياراً لتدوال السلطة وتوزيع الثروة توزيعاً عادلاً بين جميع أبناء وبنات الوطن.
ما أكثر العبر، وأقل المعتبرين!
لو فضلنا أن نعتبر، فالحل الأسلم والافضل والأقل كلفة والأسرع خطى نحو الأمن والإستقرار السياسي، هو بناء دولة المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات، وإحترام القانون ودولة المؤسسات الديمقراطية لتحقيق النماء والتطور والرفاه الإجتماعي،
هذا هو المخرج الآمن من الأزمة الحالية التي إفتعلها وخطط لها البرهان ومن خفله النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، ونتن ياهو في إسرائيل والكيزان في السودان!
أي محاولة غير التحول المدني الديمقراطي، ستكون مجرد خداع للذات ودفن للرؤوس في رمال ساخنة ومتحركة بل مشتعلة، حتما ستقضي على الأخضر واليابس.

Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
///////////////////////

 

آراء