الصـراعات القبلية أكبر جرائـم الانقلاب

 


 

 

كشفت الأمم المتحدة عن مقتل 377 شخصاً وإصابة 431 آخرين خلال الهجمات المسلحة والصراعات القبلية في السودان في الفترة من يناير حتى أغسطس 2022، وأشار مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية إلى وقوع 224 هجوم واشتباك في 13 ولاية، و أسفر عن نزوح 177 الفا وثلاثمائة وتسع وأربعون شخصاً. وأوضح التقرير إن ولايات دارفور الخمسة شهدت وقوع 153 هجوم واشتباك أدى لمقتل 228 شخصاً وإصابة 280 آخرين ونزوح 126,210 شخصاً خلال ثمانية أشهر. وسجلت ولايتا غرب وشمال دارفور أعلى عدد في الحوداث والضحايا والنازحين، وفي إقليم النيل الأزرق قتل 11 شخصاً وأصيب 15 آخرين ونزح 37761 شخصاً.
كما شهدت ولايات شرق السودان الثلاثة وولاية سنار حوادث مماثلة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. انتهى الاقتباس.
هذا الارقام الكبيرة والمقلقة تعكس إتساع رقعة التوترات الأمنية والاقتتال القبلي وتفسخ العلاقات الاجتماعية كنتيجة حتمية لإنقلاب 25 اكتوبر، والتي تعد من أكبر جرائمه باستدعاء القبائل في الصراع السياسي من ناحية، ومن ناحية آخرى إضعاف الدولة وأدواتها ووسائلها فيما يتعلق بالضبط الاجتماعي والأمني، وكذلك إضعاف التنظيم القبلي من خلال كيانات موالية للنظام الانقلابي دون مراعاة العوامل التاريخية والارث المجتمعي الذي يصون العلاقات الإنسانية ويحفظ حقوق الانتفاع من الأرض ومواردها وينظم الحراك الإنساني وممارسة الزراعة والرعي والأنشطة الأخرى.
في ظل انعدام التنمية المتوازنة والمتكاملة، والاستقطاب السياسي الحاد، وتركة النظام المباد بتغذية النعرات الجهوية، ومنهجية السلام المنقوص والقائم على المسارات والامتيازات المناطقية، وبحث الانقلابيين المستمر عن شرعية بخلق حواضن قبلية، لكل ذلك يصبح من السهل فهم التوتر الاجتماعي والاقتتال القبلي والصراع حول الموارد الطبيعية والسلطة.
لقد استخدم الانقلابيون وعناصر النظام المباد القبلية بشكل سافر في تقويض الفترة الانتقالية، حيث عمدت بعض القبائل على إغلاق الطرق القومية والاعتصام في القصر الجمهوري ومباني الحكومات الولائية، وانتشار المطالب الجهوية وتعطيل دولاب الدولة.
عقب الانقلاب انتشرت كرنفالات التنصيب للنظار والأمراء والعمد وتسليم السيارات لقيادات الإدارة الأهلية كحافز وأجر مساندة ومناصرة الإنقلاب، ومما فتح شهية الصراع حول الحواكير والأراضي والحدود بين القبائل والنفوذ والسلطة.
الآن انفتح الباب على مصراعيه لصراع جديد في كل أنحاء السودان في مواجهات قبلية، أسهم الانقلابيون في صناعتها وتغذيتها. صحيح أن هذه الظاهرة غرسها النظام المباد في جسد المجتمع السوداني – كما اعترف البروفيسور ابراهيم غندور بذلك – حيث منح مناصب الإدارات الأهلية للموالين وبتسليح القبائل لا سيما في دارفور وكردفان، وانتهج سياسات زادت من وتيرة وفرص الصراع، عطفاً على استغلال النفوذ والثروة، مما ولد احتقاناً كبيراً. وقد سار الانقلابيون في هذا الطريق حذوك النعل بالنعل، فما إن تنطفئ بؤرة نزاع قبلي في منطقة إلا وتشتعل في أخرى، ويد الحكومة مكتوفة عاجزة عن معالجة عوامل النزاع، الذي يتجدد وبشكل أعنف يوما بعد يوم في غرب دارفور والنيل الأزرق والشرق وكردفان وبوادر في الوسط والشمال بين قبائل كانت معايشة مئات السنين.
يضاف لهذا الوضع الملتهب، عجز سلطة الإنقلاب عن تحقيق أي برنامج إصلاح اقتصادي ينقذ البلاد من تدهور الأوضاع المعيشية بعد أن توقف تدفق المساعدات الإنسانية والاقتصادية المرتبطة بدعم التحول الديمقراطى، وانتشار الفساد. وكذلك انغماس الانقلابيون في صراع محاور دولية وإقليمية، تدور رحاها في إستغلال موارد البلاد.
هذا الوضع المؤسف يطلب النظر إليه بجدية للحيلولة دون إنهيار الدولة، وعلى المستوى العاجل ابتعاد العسكر عن السياسة والعودة للثكنات وتسليم السلطة الانتقالية للمدنيين وانهاء حالة المراوغة والالتفاف حول مطالب الشعب، وعلى المستوى الاستراتيجي وضع خطط طويلة المدى لكسر حدة التنظيم القبلي المتوتر والانتقال الي الانتماء للمجتمع المدني في ظل بناء الدولة المدنية الحديثة وذلك لأن تعايش المجموعات القبلية مشروط بنمو علاقات المنفعة الاقتصادية والاجتماعية بعيداً عن العصبية الإثنية والقبلية، وإيجاد مقاربة لحسم قضية الهوية التي ظلت مثار جدل سيما والسودان زاخر بتركيبة سكانية متعددة ومتباينة تختلف في معتقداتها وتقاليدها، هذه التعقيدات المركبة التي تصوغ أبعاد الهوية الوطنية المتنازع عليها، لابد من حسمها في دستور انتقالي يحدد شكل الدولة الفدرالية ونظام الحكم البرلماني ويصنع سلام اجتماعي حقيقي ويؤسس لحكم مـدني ديمقراطي.

wdalamin_2000@hotmail.com

 

آراء