الصومال: حاميها حراميها؟

 


 

محجوب الباشا
17 January, 2016

 


في اكتوبر2011 اندفعت القوات الكينية نحو الحدود مع الصومال وتمكنت من اجتيازها بدعوى الرد على عمليات إرهابية قام بها تنظيم الشباب الصومالي استهدفت بعض السواح الأجانب على الساحل الكيني. لم تلبث العملية أن تحولت إلى غزو كيني كامل لجنوب الصومال تمكنت خلاله القوات الكينية من إلحاق الهزيمة بتنظيم الشباب المجاهدين في ديسمبر 2012 ودخول ميناء كسمايو التي تمثل أهم المعاقل التي يتحصن بها التنظيم. حدث تحول مهم في طبيعة العملية بانضمام القوات الكينية للبعثة الأفريقية في الصومال المعروفة باسم "أميصوم" وهي القوة التي تكونت بناء على قرار من الاتحاد الأفريقي لمحاربة التنظيم وتحقيق السلام في الصومال.

لم تكن نوايا الحكومة الكينية تجاه الصومال تقوم فقط على هذه الأهداف السامية ، فقد كان هناك عدد من القضايا المعلقة بين البلدين وعلى رأسها بالطبع وجود الأقلية الصومالية المنتشرة في أحد أكبر الاقاليم الكينية والمعروف باسم القطاع الشمالي الحدودي. كانت الصومال عند استقلالها تطالب بتبعية هذا الإقليم في إطار سياستها الداعية لتوحيد الناطقين باللغة الصومالية في شرق افريقيا مما كان سبباً في عدد من المشاكل مع جيرانها وبصفة خاصة أثيوبيا وكينيا. كما أن  الحكومة الكينية كانت تهدف فيما يبدو من وراء تدخلها في الصومال لخلق دويلة تدور في فلكها وتشكل منطقة عازلة بينها وبين جارتها الشمالية ، ولعل شكوى الحكومة الصومالية للاتحاد الأفريقي بأن كينيا تقف وراء ميلاد دولة جديدة في جنوب الصومال تحت مسمى "جوبالاند" تؤيد ذلك الافتراض. ومما زاد من تعقيد الأمور أن اكتشافات نفطية مهمة أعلن عنها في الجرف القاري المتنازع عليه بين البلدين. كانت ميناء كسمايو كذلك تمثل مصدر الدخل الأهم بالنسبة لتنظيم الشباب المجاهدين حيث كانت المنفذ الرئيس لتصدير الفحم النباتي ، وقد اثارت الحكومة الصومالية في ذلك الوقت اتهامات تشير إلى أن القوات الكينية ضالعة في تهريب الفحم عبر الميناء المذكور بالتعاون مع تنظيم الشباب المجاهدين وهو الأمر الذي نفته الحكومة الكينية في حينه.

لم تتوقف هجمات تنظيم الشباب على كينيا بالرغم من التقدم الذي أحرزته القوات الكينية على التنظيم والذي أشرنا له أعلاه ، ولا شك أن الهجوم الذي قام به التنظيمعلى جامعة غاريسا بشمال كينيا في أبريل من العام الماضي يؤكد أن الحكومة الكينية لم تنجح في مسعاها. وقع خلال هذا الأسبوع كذلك هجوم كبير استهدف فيه تنظيم الشباب مواقع القوات الكينية داخل الصومال وأدى لمقتل العديد من أفراد هذه القوات. من ناحية أخرى ، فإن هجمات التنظيم داخل كينيا نفسها لم تتوقف فيما يبدو فقدأعلن حاكم محافظة مانديرا على الحدود الكينية الصومالية أن الحكومة قامت بحشد المزيد من قوات الشرطة لوقف هذ الهجمات عبر الحدود بين البلدين. غير أن القوات الكينية تتعرض كذلك لسهام النقد من داخل كينيا نفسها بسبب ما يشاع حول ضلوع الجنود الكينيين في عمليات تهريب الفحم والسكر عبر ميناء غاريسا التي تقع الآن تحت سيطرة الجيش الكيني ، وتورد بعض التقارير الصحفية أن تجارة السكر تدر دخلاً يبلغ عشرات الملايين من الدولارات في العام الواحد بالنسبة للجنود الكينيين المتورطين في التجارة غير المشروعة ، بينما يصل دخل تنظيم الشباب المجاهدين أكثر من مائة مليون دولار من تجارة الفحم وحدها. تتهم هذه التقارير القوات الكينية بالتعاون مع تنظيم الشباب الذي دخلت الصومال لمحاربته ، وهو أمر لا يجد في اعتقادنا موافقة الحكومة الكينية ولكنه يعكس مدى تفشي الفساد المالي والإداري في ذلك البلد.

لم تعلق الحكومة الكينية حتى الآن حول ما ورد في التقارير الصحفية عن تورط القوات الكينية في التجارة غير المشروعة داخل الصومال ، غير أن الرئيس كينياتا انتهز فرصة الهجوم الأخير على القوات الكينية من جانب شباب المجاهدين ليؤكد ثقة الحكومة في أفراد القوات المسلحة. لم يتوان الرئيس كينياتا كذلك في الاعلان عن أن القوات الكينية ستبقى في الصومال حتى يتحق الهدف الذي من أجله ذهبت وهو العمل على أزالة الخطر الذي يشكله تنظيم الشباب على البلاد بصورة عامة. أما على الجانب الصومالي فقد طالب النواب البرلمانيون بالصومال بأغلبية كبيرة في منتصف نوفمبر الماضي بمغادرة القوات الكينية للأراضي الصومالية على خلفية التقارير الأخبارية حول تورط هذه القوات في تجارة السكر والفحم النباتي والأنباء التي تواترت حول أن الحكومة الكينية تعمل على تشييد حاجز خرصاني على الحدود بين البلدين في إطار سعيها نحو وقف الخطر العابر لحدودها.

ظلت العلاقات بين الصومال وكينيا تشهد من حين لآخر حالات من التوتر ، فمن المعروف أن الحكومة الصومالية لا تخفي رغبتها في إعادة توحيد الشعب الصومالي المنتشر عبر عدد من الدول في شرق أفريقيا ومن بينها كينيا ، كما أن الإقليم الشمالي الشرقي في كينيا والذي تقطنه أغلبية صومالية ظل محل نزاع بين البلدين. ينعكس هذا التوتر كما هو متوقع على الأقلية الصومالية الكبيرة داخل كينيا نفسها ، وقد شهدت العاصمة نيروبي وعدد من المدن الكينية خلال العام الماضي ملاحقات لأفراد هذه الأقلية وحبسهم في ظروف قاسية قادت أن تتعرض الحكومة الكينية لحملات انتقاد واسعة من الإعلام الدولي وجانب كبير من المنظمات والتنظيمات الدولية بما فيها بعض الوكالات التابعة للأمم المتحدة.

mahjoub.basha@gmail.com

 

آراء