الطائر الجريح …. بقلم: أحلام إسماعيل حسن

 


 

 


(5)


بينما أقف وقدماى الحافيتان مدفونتان داخل رمال ذلك الشاطىء الذى أعتدت أن أتردد عليه .... نظرت إلى السماء حيث القمر مكتملاً يرسل أشعة بيضاء هادئة تملأ الكون جمالا .... صوت الموج يصل إلىّ كأنما هى وشوشة من جوف المحيط يخصنى بالإطلاع على أسراره .... لوحة جمالية سبحان الله الخالق المصور ... وسط هذا الهدوء إذا بصوت يقترب منى ... تلفت حولى فإذا بطائر يدور فى محيط تواجدى ... يا له مال هذا الطائر الغريب يحلق فى هذه الساعة المتأخرة من الليل ... كل الطيور تعود إلى أوكارها مع غروب الشمس .... كيف إخترق هذا الطائر سكون الليل خارقا لعادة كل الطير ..؟ لابد من أن يكون هنالك سرا .... إستجمعت كل قواى إستعدادا لمفاجأة ربما تأتى كما أتى هذا القادم .... حط الطائر بسلام قريبا منى حيث أقف .... إسترقت نظرات خاطفة لأتبين الأمر .... لسان حاله يحكى عن رحلة طويلة شاااقة .... يا إلهى من أين أتى وإلى أين ستكون وجهته القادمة ؟؟؟ لماذا حط هنا ليكسر هذا السكون الذى يحتوينى ويخرجنى من تلك العوالم المشرعة التى أسبح فيها بكل حرية بلا رقيب ... أترى أن هناك شىء يربطنى بك أيها الطائر ؟؟ قلت فى قرارة نفسى : علىّ أن أقترب نحو الطائر عسى ولعل أجد مؤشرات تجيبنى على بعض ما يدور فى خاطرى من تساؤلات .... إقتربت منه رويدا رويدا .. كنت اشعر أننى أتقدم خطوة وأتراجع خطوتين ...أليس ما سأقدم عليه مجهولا ... وكيف لى أن أتوقع ردة فعله على إقترابى منه ...؟ ربما نشب أظافره فى وجهى فشوهنى .... وربما هجم علي بمنقاره الحاد ففقأ عينى ... هو فى كل تصرفاته غير مــُـلام .. فكما إنه مجهول بالنسبة لى فأنا أيضا أمثل مجهولا بالنسبة له ...دفعنى فضولى أن أتغلب على شكوكى فواصلت تقدمى نحوه ... دققت النظر فيه وكأنما أحس نظراتى فرمقنى بنظرة أعقبتها رمشات سريعة وكأنه يرحب بمقدمى ... تشجعت أكثر ملأت إناءاً صغيرا كنت أحمله بماء عذب ووضعته أمامه ... بدأ فى رشف الماء إلى آخر قطرة فى الإناء عاودت ملىء الإناء مرة أخرى ووضعت بعض قطع خبز بجانبه فتناوب الطائر نقر الخبز ورشف الماء فاعتبرت هذا قبولا منه لى ولربما إعتبر هو فعلى هذا عربون تعارف سلمى بينى وبينه فاطمأن لوجودى ولم يعد يتابع حركتى حوله فهدأت نفسى قليلا وفكرت فى إدارة حوار معه علــّـنى بذلك أغوص فى دواخل هذا المخلوق العجيب وصرت أفكر فى مدخل أبدأ به تطفلى لمعرفة ما يخفيه .... رأيت بعض بقايا دماء أسفل جناحه الأيمن ..... إذن هذا مدخل حسن يمكننى من بدء الحوار .... مددت يدى ربت على جسمه بإتجاه تسوية ريشه .... إستكان للمساتى ... حاولت الإقتراب من جرحه فضمّ جناحه بقوة فهمت منها أنه يرفض لمس جرحه .... كثير هى الجراح التى نخفيها ولا نحب أن يقترب منها أحد ولو كان طبيبا ... كثير منــّا يدارى جرحا غائرا يتعذب به ... هناك جرح معنوى وآخر حسى ... هناك جــُرح يرجى شفاؤه وآخر حار الطبيب فى علاجه .... هناك جراح وجراح يطول شرحها ولا أود الإسهاب فى ذكرها حتى لا أنكأ بحديثى جــُرح تناسيته فيعود كما كان ولربما أشد ... يا تـــُرى أى جــُرح من هذه الجراحات تعانى ضيفى الطائر الجريح ؟؟؟

إحترت فى أمر طائرى الجريح !! لماذا يرفض أن أقترب من جرحه ... ربما أستطيع أن أخفف بعض معاناته ... لكنـّى أراه يصر على ضم جناحه إليه ... لسان حاله يقول .... لقد وثقت قبلك في من ظننت أنه سيداوى جراحا أصابتنى لكن كانت ثقتى المفرطة سببا فى إيذائى ... ليتنى لم أترك أحد يقترب منى ... لا لا لن أسمح بعدها أن يضمد جراحاتى غير صبرى وإن أدى ذلك إلى موتى فالموت أرحم لى من جرح يلازمنى مدى حياتى .... حاولت ألاّ أيأس .... قصدت أن أخلق بينى وبينه بعض ود .... فلربما تثمر العاطفة بعد إخفاق العقل فى بعض المواضع .... تركت تلك النسمة تداعب شعرى وترمى به على وجهه وتظاهرت بعدم إكتراثى لما يحدث بينما كنت اقصد فى قرارة نفسى أن أتودد إليه وأرسل له بعض عاطفة تخاطب دواخله وتقول له أن الحياة حلوة إن وجدت من يستحق أن تهواه ويبادلك عشق كل لحظاتك ... إن نظرت إلى الطبيعة عند الغروب إلتقت نظراتكما هنالك عند أفق المغيب حيث تهرع الشمس إلى خدرها ... تشرق الشمس وتشرق معها زهرة فى نفسك وتتفتح وردة داخل روح رفيقك فتتنقل نحلة تحمل العشق بين روحيكما عسلا فيه شفاء لكل شائبة تعكر صفو دنياكما ... عندما نجلس سويا نتابع إرتفاع الموج وإنخفاضه ينعكس ذلك على أنفاسنا فنتنفس برئة أملك زفيرها ويملك رفيقى شهيقها ..... هل هذه الرومانسية يستمتع بها الآدميون من دون المخلوقات الأخرى ؟؟؟ كم مرة رأيت بعض الحمامات تداعب بعضها بحركات لا يمكن تسميتها بغير الرومانسية ..كم من طائر أرسل تغريدا إستعطف به رفيقته فخفت للقائه على غصن يرقص بهما طربا ...لكن كيف لجنسين مختلفين أن يعبرا لبعضهما البعض عن عاطفة تزرع المحبة بينهما فيستريحا على ضفاف ثقة تسمح للآخر بأن يقترب منك ليضمد جراحك ؟؟ هذا ما حاولت أن أفعله مع طائرى وأحسب أننى نجحت فى ذلك عندما سمح لى بوضع يدى على جرح نازف .... شعرت أن هذا الجرح غااائر وأن معالجته تتطلب عناية خاصة ولابد لى أن أسلك كل طرق الإستطباب النفسى والجسدى فبدأت أحاوره ...
__________________

 

آراء