الطبيبان: غازى صلاح الدين وعلى الحاج – العودة لتخصصكما- افيد لكما وللوطن

 


 

 

 

ظاهرة ولوج الاطباء لعالم السياسة فى السودان تحتاج الى دراسة، و رب قائل انها ظاهرة معتادة فهاهو الطبيب محاضير محمد قاد بحنكته ماليزيا الى مصاف الدول المتقدمة...وفى السودان ترأس الطبيب الجزولى دفع الله رئاسة الوزراء بعد الاطاحة بنميرى، و منصف المرزوقى فى تونس...و مقارنة هؤلاء بالاطباء الذين انخرطوا فى عالم السياسة بالسودان بعد الانقاذ تختلف فى شكلها و متطلباتها.

على سبيل المثال محاضير محمد لم ينطلق فى مجاهداته تحت حكم انقلاب عسكرى، يسوم اهله العذاب، و لم تتلف حبال صوته بالتكبير والتهليل، و لم يصر على تطبيق قوانين الحدود بترا لأيادى الفقراء المعوزين ، و حين سأل من بعض المولعين بالشعارات و ضجيجها لماذا لا تتحدث عن الاسلام ، أجابهم أصلحنا التعليم و جعلناه مواكبا للعصر، وارتقينا بالاقتصاد لتصبح ماليزيا من ضمن أحسن عشرة اقتصاديات فى العالم، و خلقنا تجانسا بين مكونات الشعب الماليزى رغم اختلافاتهم الاثنية والدينية ، و عممنا السلام الاجتماعى بلا ضجة ، وأخال ان ما انجزناه من صميم مقاصد الدين، اما منصف المرزوقى كان معارضا لحكم زين العابدين مع مزاولته لعمله الطبى و بعد انتصار الثورة الشعبية نألف مع حزب النهضة ، و بدوره لم يقم بانقلاب ولم يدع انه الحريص وحده على بيضة العقيدة . اما الطبيب الجزولى دفع الله فقد ساقته الاقدار لرئاسة مجلس لوزراء عام 1985 بعد الانتفاضة الشعبية بوصفه نقيب الاطباء ، و بعد انقضاء العام الواحد عاد الى عيادته معالجا للمرضى

-----2----
فى حالة استعراض دور الطبيب على الحاج فى عالم السياسة ، يلاحظ انخراطه فى صف ما عرف بالحركة الاسلامية و هو ما زال فى المرحلة المتوسطة ، و بعد تخرجه فى جامعة الخرطوم عام 1966 عمل طبيبا فى زالنجى و نيالا وسنار و حلفا الجديدة وكركوج، و تخصص فى امراض النساء بلندن، و كان مهتما باقليم دارفور منذ زمن مبكر واصبح من مؤسسى جبهة نهضة دارفور ومن المنادين بالحكم الاقليمى، و تمشيا مع اطروحات جبهة الميثاق الاسلامى اصبح معاديا لحكم نميرى، ولكن بعد فشل الغزو الذى انطلق من ليبيا ضد حكم مايو ، كان من ضمن المتصالحين مع النظام الذى ناصبوه العداء و انخرط عضوا فى الحزب الاشتراكى السودانى( الحزب الذى و صموه بالعلمانية الكافرة والنعوت السالبة ) عام 1978، و عين وزيرا اقليميا للخدمات فى دارفور0 198--1982، و عمل عضوا فى مجلس امناء منظمة الدعوة الاسلامية والمنظمة الافريقية للاغاثة، بعد انتقاضة 1985 اختارته الجبهة الاسلامية القومية وزيرا للتجار ة فى وزارة الصادق المهدى 1988 ، وفى يونيو 1989 سافر الى المانيا ربما فى فترة تمويهية عند اعداد انقلاب الانقاذ ، و عاد الى السودان فى ديسمبر ، وضمن اجندة الجبهة القومية الاسلامية اصيح مسؤولا عن ملف السلام و المفاوضات مع الجنوب وكان له صولات و جولات فى هذا المجال ،و كان له حضور فى التشكيلة الوزارية و سمى وزيرا للصناعة والاستثمار ، و تم ترشيحه نائبا لرئيس الجمهورية ولكن الرئيس البشير فضل اختيار على عثمان محمد طه ، و بعد المفاصلة الشهيرة وقف فى صف الشيخ الترابى و اصبح نائبا له فى الحزب، و بعد رحيل الشيخ علم 2017 اختير امينا عاما للمؤتمر الشعبى. من اقواله انهم ايسوا طلاب سلطة ، و لا يسعون اليها !! (والحريات) مطلبهم الاساسى!!، و هذه الاقوال تدحضها الوقائع على الارض لان( عليا) كان من العالمين ان لم أقل من المخططين للانقلاب على حكم الصادق المهدى المنادى باسلامية وسطية معتدلة، و عاش السودان اسوأ ايامه..فى العقد الاول من تسعينيات القرن الماضى. و اذا ما وضعنا فى الاعتبار ما قاله د. الترابى عراب الحركة الاسلامية ان فتنة المال قد افسدت الكثيرين من اتباع الحركة، واعترف بأن تجربة الحكم كانت جديدة عليهم ولم تكن لديهم التجربة ، ياتى السؤال الم يكن من الاجدى للوطن والطبيب (على) التركيز فيما تيسر له من كفاءة ومقدرة، و لاشك ان ابداع امثاله كان سيعود بالفائدة لانسان هذا الوطن الذى يتوق الى جهود ابنائه و بناته فى هذا المجال الحيوى، و ما زالت ذاكرة مواطنى السودان تحفظ بكثير من التجلة ادوار اطباء ابدعوا فى مجالاتهم امثال الراحل الزاكى حسين الذى كان وراء انشاء مشفى ابن سينا كطلب منه بعد ان عالج زوجة السفير الياباتى -ابنة امبراطور اليابان و قصص اخرى عن الطبيب الانسان محمد احمد على الذى نذر نفسه للطب و رفض فتح عيادة خاصة ، و سيسبغ الله رحمته اضعاف اضعاف ما كانا سيجنيانه من التخبط فى عالم ساس يسوس.

------3-----
من الجانب الاخر تأتى سيرة و مسيرة طبيب اخر قاده ذكاؤه و نبوغه للحصول على درجة الماجستير فى الكيمياء الحيوية والدكتوراة فى الطب، ليترك هذا التخصص المميز، و يتجه لعالم ساس يسوس المضطرب والمشوش .
انخرط الطبيب غازى فى صفوف المعارضين لسلطة نميرى.. تحت امرة الراحل المجنون معمر القذافى. و فى ليبيا تسلحوا واكلوا وشربوا و جندوا افرادا سودانيين وغير سودانيين، وأتوا الخرطوم. فى مواجهات دامية و فشلت خطتهم فى اغتيال رأس الدولة المارق قى نظرهم، و بعد فشل المحاولة التى خلفت عشرات من القتلى ، و قبل ان تجف دماء القتلى، اكتشفوا ان نميرى ذاك المارق رجل صالح و نواياه صادقة!!! ليدخلوا معه فى مصالحة .. ليؤسسوا لفترة عدت هى الاسوأ فى تاريخ البلد المكلوم...بترت خلاله عشرات من ايدى شباب ..مازالوا الى اليوم عطالى بل فقد الكثيرون منهم نعمة العقل ، وشهدت هذه الفترة جريمة تعد من ابشع الجرائم فى تاريخ البشرية ..تمثلت فى اعدام مفكر شيخ من شيوخ التصوف والفكر .. وهو يناهز ال76 عاما.
و بعد القضاء على نظام نميرى .. ومعايشة البلد لفترة ديمقراطية مضطربة ، حل علينا انقلاب ليتنقل صاحبنا خلاله فى الوظائف النافذة..مستشارا لرئيس الجمهورية فى الفترة من 1991 الى 1995 و كانت فترة اقصاء و تجريف مريع فى الخدمة المدنية والنظامية .. وشيدت بيوت اشباح راح خلالها اعزاء و منهم زميل مهنة الطب الشهيد على فضل، وانتقل لوظائف شملت وزير دولة بالخارجية ووزير اعلام و ثقافة ثم مستشارا مرة اخرى لرئيس الجمهورية، و خلال الصراع مع عراب الحركة كان على رأس الموقعين لابعاد د. الترابى .. ثم انتقل لوظائف متصلة بحل مشكلة الجنوب .. واخيرا انسلخ من حزب المؤتمر الوطنى ليؤسس حزب الاصلاح الان .. لتتطور فكرته ويرأس الجبهة الوطنية للتغيير النى تضم حسب اعلامها 22 حزبا و حركة مسلحة ...تجربة فى تفييمها النهائى لم تضف شيئا ملموسا يفيد الوطن والمواطن.فلا الاصلاح تم الان او بعد الان .. ولم تحدث الجبهة تغييرا بل زادت المسرح السياسى ارتباكا.
ياليت علماؤنا علموا ان اتقان العمل الذى يسره الله لهم أفيد من اضطرابات الرؤى السياسية ...و علاج انسان مريض أوالتوسع فى تشييد مشافى لعلاج الامراض تظل هى الباقية .. واسألنى عن ابن سينا اسرد لك الكثير.. و لكن لو سألتنى من كان وزير الصحة او المالية لما عرفت ,, وياليت الطبيبان المذكوران استغلا ما بقى من عمرهما بما بقيد فى عالم الطب وابتعدا من الملاحة فى بحور السياسة المليئة بالدسائس والجرائم.


salahmsai@hotmail.com

 

آراء