الطيب عبد الماجد, وسلامة جيله من (جيل الكنكشه)

 


 

 


سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
Aburoba04@gmail.com
فى نهاية التسعينات وبداية حياتى العمليه اتيحت لى الفرصه بالسفر الى النرويج ضمن فريق مشارك فى مؤتمر اقتصادى فى مدينة بيرغن الجميله وكنت حينها أشعر بالفخر والزهو لاختيارى لذلك المؤتمر الهام رغم ان مشاركتى فى ذلك المؤتمر كانت ضمن (الحاشيه) فقط ولم أكن حينها (لاعبا أساسيا) بعد حيث كانت رئيسة فريق العمل التى اصطحبتنا تتحوط لكل ما يمكن أن يحدث وتتحسب لكل الاسئله التى قد تطرأ وتطرح عليها من المشاركين فى ذلك المؤتمر ولذلك اصطحبت معها كل الذين شاركوا فى اعداد الدراسه التى كانت تنوى تقديمها. فى ذلك المؤتمر فوجئت وبكل فخر بأن الشخص الذى كان يدير ذلك المؤتمر وأدار معظم وأهم النقاشات به كان سودانيا يحمل الجنسيه الامريكيه وكان رجلا متقدما فى السن وعلى أعتاب المعاش لا تسعفنى الذاكره بأسمه الآن وقد كان مهندس سابق بوكالة الفضاء الامريكيه (ناسا). وفى احدى الاستراحات ولدهشتى اقترب منى وذكر لى بأن اسمى (المكتوب على البطاقه المعلقه على صدرى) قد لفت نظره الى فاخبرته بأنى سودانى ولكنى قدمت ضمن الفريق الامريكى القادم من نيويورك وحينها تحول الى اللغه العربيه وسألنى (ياوليدى انت من وين فى السودان؟). تجاذبت معه حديثا شيقا وذكر لى انه أصبح يلحظ فى السنوات الاخيره وفى التسعينات بالذات كثرة السودانيين العاملين فى المؤسسات والمحافل الدوليه مما أثار فخره بعد ان كانت اعداد السودانيين المشاركيين فى المحافل الدوليه محدوده نوعا ما فى السابق حسب تقديره . تلك المقوله اصبحت استرجعها طيلة سنوات عملى التى تلت تلك البدايه حيث تعودت انا وكثير من ابناء جيلى الذين انخرطوا فى العمل بالدول الغربيه والعربيه على الالتقاء والتفاعل مع بعضنا قادمين ضمن وفود من بلدان مختلفه حيث ذكر لى صديقا اكاديميا كان مشاركا فى مؤتمر دولى بالمانيا وكان هو ضمن فريق من الأكاديميه الوطنيه الامريكيه للعلوم  وكان ذلك الوفد يضم سبعه متخصصين يحملون الجنسيه الأمريكيه والطريف ان ثلاثه منهم كانوا من أصول سودانيه,سورى, وآخر صينى والبقيه الاثنيين من (أصل امريكى). من بعض النكات الطريفه التى يتناولها بعض أصدقائى (انه لو رفعت طوبه فى جامعه امريكيه بتلقى تحتها استاذ سودانى) (واذا فلقتك تلك الطوبه فى راسك ومشيت مستشفى, بيعالجك دكتور سودانى) وعلى ذلك قس فى مؤسسات وشركات كبرى على مستوى العالم عموما وفى الولايات المتحده أو أوروبا على وجه الخصوص تجد أو تلحظ ازديادا فى اعداد السودانيين وهذا العدد يزداد فى منطقة الخليج بصوره أكبرايضا وهذا شئ طيب نستحسنه فى هذا الزمن الذى ارتبط فيه ذكر اسم السودان بالاخبار السالبه التى تتصدر صفحات الصحف ووسائل الاعلام والتى أساءت للوطن سواء كانت بسبب أفعال بنيه أنفسهم  وبيدهم أو بفعل فاعل غير ابنائه. هذا المنحى يسهم والى حد بعيد فى تأصيل وتفعيل مفهوم هجرة العقول الذى يعتبره الكثيرين سلاح ذو حدين, حيث تكتسب الدول خبرات اجنبيه من خلال ابنائها الجالبين لتلك الخبره وفى نفس الوقت يحرمها من خبراتهم وخدماتهم بداخلها فى حالة عدم توفر الظروف والعوامل الجاذبه لهم بالعوده. أداء السودانيين ووجودهم الفاعل أكاديميا ومهنيا فى المحافل الدوليه وفى شتى التخصصات ليس موضع جدل بل هومحل فخرنا جميعا وهو شئ يخفف علينا مانمر به ويمر به بلدنا المكلوم ويزيدنى حبا لهذا الوطن وفخرا به .
سبب تلك المقدمه هو انه أتاح لى تواجدى بدولة الامارت خلال الفتره القصيره السابقه الفرصه لمشاهدة قنوات تلفزيونيه سودانيه عديده لم أحظى بها خلال اقامتى بالولايات المتحده ومن تلك السوانح هو الفرصه الطيبه لمشاهدة شخصيه تلفزيونيه ومقدم برنامج علمت لاحقا انه كان له وجود مميز فى السودان فى بداية حياته العمليه ومنها انتقل الى دولة الامارات وتنقل فيها وهو الان مذيعا بمحطة (سى أن بى سى العربيه). هذا المذيع هو الطيب عبد الماجد وللمعلوميه أنا لا تربطنى به أى علاقه ولم ألتقيه فى حياتى (رغم أنى علمت انه زار الولايات المتحده من قبل) ومعلوماتى عنه لاتتعدى ما تحصلت عليه من خلال المواقع الالكترونيه التى زرتها فى اعدادى لكتابة هذا المقال وتناولى له هنا كمشاهد فقط حيث انى لست بناقد تلفزيونى متخصص ولكنى مشاهد متفاعل وقمة تخصصى فى هذا المجال هو صداقتى وعلاقتى المتينه مع أخى وصديق طفولتى المذيع المتميز واللغوى المتمكن والذى طالما علمنا النطق السليم للكلمات الا وهو المذيع عبد الله محمد الحسن. ولكن هذا المذيع (الطيب عبد الماجد) لاتملك الا وان تحنى له قبعتك احتراما كما تقول الفرنجه لما يتمتع به من امكانيات هائله وحضور ايقاعى وذهنيه متقده والمام يدلل على مدى الاستعداد والتحضير قبل تقديم مادته مما يعطيك الاحساس بالثقه المتناهيه فى الماده التى تطرح من خلال برنامجه. أول برنامج شاهدته له كان تعاون بينه وبين تلفزيون السودان فى رمضان المنصرم فى برنامج أسمه (بينى وبينكم) وبعدها شاهدت له خلال عيد الاضحى المبارك برنامج خاص مع مجموعة فنانيين وممثلين سوريين ومؤخرا سهرته مع البلابل, الموصلى وعلى السقيد. مشاهدتك ومتابعتك لهذا المبدع تجعلك تحس وكأنك تشاهد أعتى المحاوريين العالميين الذين تشرفنا بمشاهدتهم عبر التلفزيون فى الولايات المتحده أو أوروبا ومن بريطانيا بالتحديد, حيث أكاد أن أجزم بأنه لايقل فنيا عنهم بل يفوق الكثيرين من المذيعين العالميين ناهيك عن مذيعى منطقة الخليج. أنا كمهنى أحترم المهنيه جدا وتدريبى المهنى الفنى علمنى أن أولى الاعداد جزء كبير من الزمن والاهتمام لما له من تأثير على المنتوج سواء كان ذلك فى شكل التقارير التى تقدم أو البحوث والمقالات التى تنشر ولذلك أقدر وأثمن جهد هذا المبدع فى الاعداد والذى يظهر جليا فى مادته التى يتحفنا بها. وجوده وحضوره البلورى اعتبره شخصيا مفخره لنا كسودانيين وهو امتداد لشخصيات واعلاميين سودانيين أثروا منطقة الخليج بل والعالم حيث ظللنا نتابع الكثيرين والذين أربأ بنفسى عن ذكر اسمائهم حتى لا أقع فى حرج النسيان لبعض الاسماء ولكن الوجود الاعلامى السودانى متميز كتميز السودانيين المهنيين وهذا الوجود نلحظه فى البى ب سى وبعض الوجوه الشابه  فى السى ان ان, أو اقليميا فى الجزيره وخلافه وكلهم مفخره لنا ولكن أداء الطيب عبد الماجد لفت انتباهى ,انا كلى ثقه بأن هناك أكثر من (طيب عبد الماجد) فى مختلف المحافل وفى الراديو والتلفزيون وكلهم يستحقوا أن نفخر بهم ولكن هذا المبدع يستحق الوقفه والثناء.
تجربتى الشخصيه واحتكاكى بمحيطى المهنى مع سودانيين على مستوى عالى من المهنيه على المستوى العالمى ابانت لى أن الكثيرين من أبناء جيلى (وأنا أحدهم) لديهم الرغبه الجاده للعوده والانخراط فى تطوير البلد بما تعلمنا واكتسبنا, ولكن تجاربنا مع جيل (الكنكشه) والذى استأسد بكل الوظائف والذى يؤمن تمام الايمان أن وجوده من ابجديات العمل نفسه (وستزول وتموت) المؤسسه بغيابه, ظل يقف (عتروسا) أمام الجميع واصدا كل الابواب فى وجه غيره. وجود (جيل الكنكشه) ليس مبعث حيرتى وحده, وانما المحير أيضا هو غياب اى استراتيجيه سودانيه متكامله فى استقطاب تدريجى لهذه العقول والكفاءات المهاجره, صحيح أنا لا آمل خيرا فى أن يأتى هذا الجهد أو تلك الاستراتيجيه من قبل (حكومتنا الميمونه) لأن (جيل الكنكشه) يتمتع بعضويه فاعله بها وأن الكثيرين من هؤلاء المهاجرين كانت هى السبب المباشر فى فرارهم بجلدهم وفنهم, ولكن الحيره تأتى لعجزالمؤسسات أو بالأحرى الشركات الكبرى الوطنيه وغيرها فى انتهاج تلك الاستراتيجيه. ترغيب الجيل القادم للانخراط بها يأتى فى مصلحة تلك المؤسسات وتبنى مثل تلك السياسات فى ترغيب هذه الخبرات بالعوده للمشاركه الفعليه أو فى نطاق اطارى كمستشاريين يأتى بثمار فى غاية الجوده. تغييرات المنظومه الاداريه والاستثماريه فى العالم تحتم وتفرض على كل الشركات الجاده بالسعى المباشر والجاد فى انتهاج سياسات تضمن لها استمراريه نجاح وتحقيق ارباح مستدامه أو متواصله على وتيره مقبوله لملاك الاسهم مبتعده تماما عن اى عقائديه أو شخصنه فى اختيار منسوبيها وشرطها الفيصل فى ذلك هو الكفاءه وترك نمط المحاباه والولاءات الضيقه للعمل التقليدى الذى أقعد الكثير من نشاط البلد الاستثمارى لشركات أكل الدهر عليها وشرب, ولمؤسسات معظمها حكومى انتهجت مفهوم استيعابى اقل مايوصف به أنه مضر لها اقتصاديا فى المقام الاول. حيث انها تنتهج ممارسات تشبه ما كان منتهج من قبل راهبات العصور الوسطى فى أوروبا للنأى بأنفسهن والهروب للتقليل  من حدوث التحرش بهن من قبل الغزاه (بقطع أنوفهن لتشويه وجوههن لتقليل رغبة المعتدين بهن) . هذا النهج المضر توجد له الكثير من الأمثله ولكن لضيق المساحه فى مقالى هذا سأكتفى بالاشاره لما يحدث فى جامعة الخرطوم من تناقض كنت قد تناولته فى مقال كامل موجه الى مدير وادارة جامعة الخرطوم والتى لها قانون ازلى يقول انه لا يتم تعيين اى من خريجيها استاذا بها اذا كان راسبا فى احدى موادها أو تأخر وأعاد عاما اكاديميا ابان ايام دراسته بها بغض النظر عما وصل اليه من تعليم بعد تخرجه. فى ذلك المقال أوردت امثله لخريجين من جامعة الخرطوم واصلوا دراساتهم العليا وأتيت بثلاثه أمثله لسودانيين يعملون كأساتذه فى هارفارد وبرينستون الامريكيتين, وآخر بمدرسة لندن للاقتصاد وتقدم ثلاثتهم على فترات مختلفه للالتحاق بجامعة الخرطوم وتم رفضهم بحجة وجود هذا القانون من العصر الحجرى والذى ليس هو الا وجه آخر من أسلحة جيل الكنكشه التى تستخدمه لابعاد هؤلاء الشباب, والأدهى والامر أن الرد الذى أتانى من مكتب مدير جامعة الخرطوم كان مخجلا ويشبه الى حد كبير مفهوم (العذر الأقبح من الذنب) حيث ذكر لى (السيد المسؤول) بأنه يمكن استثناء (أصحابى) اذا رغبوا, فى حين أنى كنت أتناول الداء وهو القانون البالى بينما تتناول ادارة جامعة الخرطوم أعراض ذلك الداء بالمعالجه كعادة ونهج جيل الكنكشه وهذا هو أساس المعضله الذى يمنع الكثير من مؤسساتنا من استيعاب هذا الكم الهائل من السودانيين المؤهلين بالخارج.
ليست لدى أى معلومه مسبقه عن أسباب ودوافع هجرة المذيع الطيب عبد الماجد سواء كانت عن رغبه أو مدفوعا الى الخارج بواسطة (جيل الكنكشه) ولكن على كل, فهذا المبدع يمثل اضاءه واضافه حقيقيه للحقل الاعلامى على وجه الخصوص ولنا كمهنيين عموما نفتخر به ونعتز به رغم عدم سابق معرفتى به ونبراسا يمكن الاهتداء به من قبل جيله والجيل الذى يليه فى الحقل الاعلامى الذى يعج بالجيد وغير الجيد والطموح الذى يتوق الى الجوده. تعاونه مع القنوات السودانيه رغم تواجده بالامارات فيه فرصه لتلاقح ونقل للخبرات المكتسبه بين المجموعتين المتواجده بالسودان والخارجيه وهو يلقى ببعض الضوء على نهج فكرى متقدم من جانبه ومحاوله لنقل تجاربه التى اكتسبها من خلال وجوده فى وسط متقدم اعلاميا وتقنيا وهو دلاله أخرى على رقى وتطور فكرى يتمتع به هذا المبدع وهو شئ نتمنى له أن يتواصل.  المتتبع لبعض كتاباتى يلحظ انى أولى أوجه القصور الادارى والتخطيط الاستراتيجى وشأن المال والتنميه الاقليميه الكثير من اهتمامى ونقدى الشديد بغرض الاصلاح والتقويم للمصلحه العامه ولكن ذلك الاهتمام المتعاظم بأمور الحياه لايمكن أن يكون سببا فى تجاهل مبدعى بلادى وخصوصا فى المجال الفنى الذى أتذوقه فقط ولا (أتفقه) فيه كثيرا لكن تقدير الفن يدخل فى صميم تطور الأمم ورقيها وأمه لاتحترم وتقدر الفن فلن تكتمل صورة نهضتها وتظل مبتوره وباهته ناقصه, وتكريم مبدعينا فى كل المجالات هو أقل مايمكن أن نقدمه فى سعينا لتطوير ورقى وطننا. للطيب عبد الماجد ولكل (طيب عبد الماجد آخر) كل تقديرنا وفخرنا به وباقرانه بلا حدود والله المستعان.
 

 

آراء