العام الأشد حزنا

 


 

د. حسن بشير
2 January, 2011

 


     الأعوام الحزينة كثيرة في المسار التاريخي لهذا الوطن، الا أن هذا العام 2011م يعتبر الأكثر حزنا من غيره . الأسباب في ذلك كثيرا، لكن أهمها علي الإطلاق هو نهاية الفترة الانتقالية التي أعقبت توقيع اتفاقيات السلام الشامل والتي ستشهد نهايتها اجراء الاستفتاء الذي سيقرر مصير السودان بانشطاره الي جزئيين ربما يكونا متناحرين، غير متحابين. هل يوجد سببا للحزن علي أي شخص يحب وطنه ويتمني له الخير اكثر من هذا المصير المعتم؟ اذا تجاوز الإنسان السوداني خيبات لا نهاية لها متمثلة في الفشل الكبير في تحقيق التحول الديمقراطي السلمي وإرساء الحريات وحكم القانون واستعادة الديمقراطية ووضع دعائم لإقامة نظام المؤسسات والتداول السلمي للسلطة والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، اذا تجاوز المواطن موجات الغلاء المتلاحقة التي محقت رزقه وجعلت معاناته لا تطاق، اذا تجاوز معدلات الفقر المرتفعة ومستويات البطالة الكارثية ورداءة الخدمات العامة او انعدامها، اذا تجاوز تلوث المياه وانقطاعها وانهيار خدمات الصحة والتعليم، اذا تجاوز كل تلك المحن وغيرها الكثير من لا تستطيع الكثير من شعوب الأرض تجاوزه فكيف لهذا الشعب ان يتجاوز تقسيم وطنه بلا داع لذلك التقسيم، او وفي أسوا الحالات الفشل في إيجاد العديد من البدائل التي تحافظ علي ربط جزئي البلاد في روابط مشتركة تحافظ علي المصالح المشتركة وتضمن شروط الترابط والتقدم والتنمية والتطور وعدم إهدار الموارد في نزاعات وحروب وكوارث لا متناهية.
      اذا كان انفصال الجنوب من الحقائق التي لا يمكن هضمها للكثيرين او لا يمكن تبريرها لآخرين بالرغم من كونها أصبحت امرأ واقعا لا مفر منه فمن الاصوب تجنب ان يتحول هذا الحدث المهول الي كارثة علي طرفي البلاد. ظهرت كثير من بوادر الاسترخاء السياسي بعد موجات التصعيد والوعيد ويبدو ان طرفي نيفاشا عند اصطدامهما بالأمر الواقع بدأ يدركان ان من مصلحتهما لملمت أطراف النزاع والبحث عن أرضية مشتركة للتعاون والوفاق. ظهر ذلك بعد (ليلة القضارف) وتصريحات الغزو للشمال والتهديد بالجيوش الرابضة في أطراف السودان الشمالي ومهاجمة بعض المناطق المتنازع عليها وبعد اعتبار الانفصال فتحا مبينا. ظهرت موجات التهدئة من خلال إجراءات مراقبة الاستفتاء وإمكانية إيجاد فرص للتكامل بين الدولتين المفترضتين والتعاون علي حفظ الأمن والاهم، المحافظة علي مصادر البترول وسلامة انسياب إنتاجه وتصديره، باعتباره عصب الحياة الاقتصادية في الشمال ومسألة حياة او موت للجنوب والكثير غير ذلك من مظاهر الاسترخاء السياسي. هذه الأشياء يفرضها الواقع وضرورة ضمان عيش الدولتين الجديدتين وسلامتهما واستقرارهما، اذ لا يمكن ان تستقر إحداهما في ظل تزعزع أمن الاخري، اذن  نتمني عودة الوعي لطرفي نيفاشا. من مظاهر الاسترخاء والتهدئة أيضا قناعة حكومة الجنوب بضرورة قيام حكومة قومية ودعوة المؤتمر الوطني لأحزاب المعارضة للمشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة، هذه الأشياء غض النظر عن الرأي المتكون حولها الا أنها لم تكن من طبائع التعاطي السياسي في السودان. من هنا يمكن السير الي الأمام بدلا من المكابرة وتعقيد الأمور والبحث عن المستحيل.
     اذا ما عاد الرشد للقرار السياسي يمكن إيجاد الحل لأعقد المشاكل ويمكن التغني مرة أخري في العام القادم ب(أصبح الصبح...) اما هذا العام فقد كان الحزن ( نابعا من كل قلب) في بلادي. لم ترفرف هذا العام أجنحة الفجر فرحا ولم تكن هناك ينابيع للفرح بالعام الجديد بالرغم من المحاولات التي خففت من الآسي والتي تشبه التقاطر علي بيوت العزاء. بالرغم من ذلك فقد كانت الاحتفالات هادئة بشكل استثنائي رغم كثافة الحشود الزاحفة الباحثة عن الأمل، الشرطة هذا العام، والحق يقال كانت صديقة للشعب خلال احتفالات رأس السنة بل شهدنا تبادل القفشات بينها وبين الشباب من الجنسين ومنهم من كان يرتدي ملابس (سهرة)، هذه بشارة خير ومن خصال الشعب السوداني التي اعتقد الكثيرون أنها قد اندثرت وهي علامات علي أن الأمل لازال موجودا وان الخير لم يفارق ارض السودان. لا نبسط من الأشياء ولا نقلل من المخاطر والتحديات الا أن التفاؤل يقود الي الخير والأمل دائما موجود في مكان ما فقط يجب البحث عنه وإحيائه. ونتمنى ان يكون هذا العام الحزين عام خير علي السودان وان يكون اخر سنوات الحزن وان يكون القادم أفضل وكثر إشراقا حتي يهتف الناس العام القادم (.. فرحة نابعة من كل قلب يا بلادي).
    قبل اغلاق ملف (رأس السنه) نذكر الشباب السوداني من الجنسين بان البرازيل، التي اصبحت في السنوات الاخيرة من اكبر الشركاء الاقتصاديين للسودان قد تم فيها نقلا للسلطة بشكل ديمقراطي وقد تسلمت الرئاسة السيدة ديلما  روسيف خلفا للرئيس الرائع صاحب الشعبية الجارفة لولا دا سيلفا. حول هذا الرئيس بلاده الي دولة عظمي و (رقم لا يمكن تجاوزه) حقا وحقيقة، وبالرغم من عظمة انجازاته الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، بل وحتي الرياضية ، اذ ان بلاده ستنظم كأس العالم للعام 2014م  والاولمبياد للعام 2016م،(بالمناسبة لم يتم التهليل لهاذين الحدثين المهمين في البرازيل كما حدث في "عالمنا العربي" الذي ينبهر لاي شيء لمعاناته من مركب النقص)، بالرغم من كل ذلك وبمجرد انتهاء فترة رئاسته تنحي وافسح المجال لرفيقة له لتمثل حزبه، وبمجرد فوزها قام الجميع بتهنئتها وتم نقل السلطة بشكل طبيعي سلس، دون مظاهرات ولا تشبث مريض بكرسي الرئاسة ودون دعاوي بتزوير ارادة الشعب، هنيئا لتلك الشعوب بحكامها، ولكم في الشركاء اسوة حسنة، اللهم الحقنا بركب الشركاء الصالحين.تأملوا ايها الشباب في هذه التجارب الانسانية الايجابية وقارنوها بغيرها لاستلهام الدروس وطلب الحكمة.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء