العقاد: شذى زهرٍ ولا زهرُ

 


 

 

 

 
العقاد: شذى زهرٍ ولا زهرُ

شذى زهرٍ ولا زهرُ :: فأين الظل والنهرُ
ربيع رياضنا ولى .. أمن أعقابك النشرُ
وهذا النَورُ يبسم لي .. عن الدنيا ويفترُ

عباس محمود العقاد
(1)
استل عبد الكريم الكابلي من سيوف العقاد، التي تنام في غمدها هانئة منذ زمانٍ. وتجول بها، وموسقها، وأوسعها تطريباً، حتى بانت لغير عشاق الشعر دُرة احتواها البرُ قبل البحر. جزء من تاجه الذي يوزعه علينا  كل فينة وأخرى. كأن القصيدة تُكذب الكارهين لشعر العقاد، تنضو مشرقة شمسها، فاقعة كأنها في موسم الشتاء، يستدفئ فيها المُبترد ، كأن حنو عذوبتها، بركة المتوكل، التي وصفها البحتري قبل أكثر من ألف عام، فخلُدت القصيدة وإن انقضى نحب البركة:
تنصبُّ فيها وفودُ الماء مُعجِلةً ..كالخيلِ خَارِجةً مِن حبلِ مُجريها
كَأنَّما الفضَّةُ البيضاءُ سائلةً .. مِن السبائكِ تجري في مجاريها
إذا النجومُ تراءت في جوانبها .. ليلاً حسبتَ سماءً رُكّبت فيها

(2)

ما قالهُ النقّاد :
بايعه "طه حسين" بإمارة الشعر بعد موت شوقي، وحافظ إبراهيم، قائلا: ضعوا لواء الشعر في يد العقاد، وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء، فقد رفعه لكم صاحبه.
ويقول عنه أيضاَ : تسألونني لماذا أومن بالعقاد في الشعر الحديث وأومن به وحده، وجوابي يسير جدا، لماذا؟ لأنني أجد عند العقاد مالا أجده عند غيره من الشعراء... لأني حين أسمع شعر العقاد أو حين أخلوا إلى شعر العقاد فإنما أسمع نفسي وأخلو إلى نفسي. وحين اسمع شعر العقاد إنما اسمع الحياة المصرية الحديثة وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث .
*
 وأما الناقد اللبناني" مارون عبود" فقد قال :‏ طالعت دواوين ثلاثة " للعقاد" أنفق علي تحبيرها برميل حبر وقنطارا من الورق وغابة من الأقلام‏.‏ تحسبه سمسارا يصدر شعرا في دواوين وبضاعته أشكال وألوان‏،‏ فكأنه دكان قرية فيه جميع حوائج البيت‏،‏ وليس الذنب ذنب الأستاذ‏،‏ فهو عارف بأصول الفن،,‏ ولكن الكلام يستعصي عليه،,‏ نفسه تطلب ومعدته لا تقطع،,‏ فيقعد ملوما محسورا،,‏ خذ هذا العنوان الرائع (عيد ميلاد في الجحيم‏).‏ فماذا تري في هذه القصيدة وهي خير ما في ديوانه وحي الأربعين؟ بيانا دون الوسط‏،‏ وشعرا أجش، تغلب عليه صنعة النثر وصبغته‏، وعلي ضوء قوله إنما الشاعر يشعُر ـ بفتح الياء وضم العين ويشعر ـ بضم الياء وكسر العين. رحت أفتش في جحيمه ولا نور يهديني،‏ فما وجدت خيالا يرضيني‏،‏ ولا شعورا يسليني‏،‏ فعدت بخيبة أردد‏:‏ مالي لا أري الهدهد‏! .. القصيدة غراء فرعاء أي طويلة ممشوقة مصقول ترائبها أي ناعمة الصدر ولكنها مقعدة تخلو من الاهتزازات والنبرات والصدى البعيد‏،‏ أنكون في جهنم ونبرد؟ أنحضر عيدا‏..‏ ونحزن؟ ثم نقول‏:‏ إن الشاعر من يشعُر ويشعِر؟‏‏ " ، ومعلقا على هذه الأبيات للعقاد من ديوان( عابر سبيل ) فيما نصّه : " مقفرات مغلقات محكمات كل أبواب الدكاكين علي كل الجهات تركوها‏...‏ أهملوها يوم عيد عيدوه ومضوا في الخلوات البدار‏...‏ ما لنا اليوم فرار أي صوت ذاك يدعو الناس‏...‏ من خلف جدار أدركوها‏...‏ أطلقوها ذاك صوت السلع المحبوس‏...‏ في الظلمة ثار" ، قال: " ماذا نقول؟ أما في مصر عاقل ينصح هذا الرجل؟ المروءة يا ناس‏!‏ أنقذوا أخاكم‏، وكفوا عنا شعروركم ".
*
أما الشاعر السوداني " مصطفى بطران "، وهو شاعر الزجل السوداني المعروف بشعر حقيبة فن " صلاح أحمد محمد صالح "( اترك الأحلام يا جميل وأصحى..) و( دمعة الشوق). فقد قال إن العقاد يتقن بحور الشعر، والقصيدة عنده مُتقنة الوضوح، سليمة من عيوب الشعر واللغة، ولكن مع ذلك لا تحس في شعره انفلات الشعر، ولا خروج عصافيره إلى الفضاء، حتى تصيبها رجوم الشهب، فيظل يحبو طائره الشعري، لا يستطيع الطيران. في نظره أن "عباس محمود العقاد" ناثر، ليس الشعر ساحة بيانه، لا يستطيع شعره أن يطير، وإن طار، إلا أن يطير عبر الفيافي والغفار الموحشة، لا الجنان المورقة بأزهارها ورياحينها.
*
شعره
أول دواوين العقاد حمل عنوان "يقظة الصباح" ونشر سنة 1916 وعمر العقاد حينها 27 سنة. وقد كتب العقاد في حياته عشرة دواوين. وقد ذكر العقاد في مقدمته لكتابه "ديوان من دواوين" أسماء تسعة دواوين له مرتبة وهي: يقظة صباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، وأشجان الليل، ووحي الأربعين، وهدية الكروان، وعابر سبيل، وأعاصير مغرب، وبعد الأعاصير. ثم كتب آخر دواوينه وهو "ما بعد البعد". في عام 1934 نظم العقاد نشيد العلم. وقد غني نشيده هذا واذيع في الراديو في حينها. و قد لحنه الملحن عبد الحميد توفيق زكي.

عبدالله الشقليني
15 أكتوبر 2019


alshiglini@gmail.com

 

آراء