العقاد معلماً في ذكراه!!
د. ابوبكر يوسف
15 March, 2014
15 March, 2014
في 12 مارس مر ت ذكري رحيل الكاتب والشاعر والمفكر الكبير عباس محمود العقاد – رحمه الله – هادئة .. شبه صامتة إلا من همسات ولفتات في الصحافة وأجهزة الاعلام ، ابتدرها الكاتب الراقي د. محمد وقيع الله على هذه الصفحة، وإلا من بعض الأزهار على مثواه فوق تلك الربوة من أسوان، مدينته التي يرقد في ثراها منذ رحيله في شتاء عام 1964.
عاش العقاد قرابة خمسة وسبعين عاماً بين مولده في 28/يونيو/1889 ووفاته في 12/ مارس/ 1964،فملأ الدنيا وشغل الناس- كما قيل عن المتنبيء في سالف الزمان- وتواصلت كتابته أكثر من ستين عاماً في الأدب والسياسة والتاريخ والدين والفلسفة والقصة والفن والشعر، وفي كل مغقول ومنقول من المعارف الانسانية.
ولبث حياته رمزاً للمثقف والمفكر الاسلامي العربي العالمي الثقافة والتفكير، الموسوعي العلم، والمطلع أولاً فأول على كل جديد يضاف إلى الثقافة العالمية، فضلاً عن الثقافة العربية التي كان على رأس العاملين في سبيل تجديدها وإثرائها ونفض الغبار عن تراثها، وربط الاصالة فيها بالمعاصرة ، والدفاع عنها عند خصومها ، وبيان الحقائق الخافية حولها. لقد كان العقاد في طليعة الكتاب الذين استنار بهم الأجيال السابقة، من القراء في مصر والعالم العربي ، وهو يمتاز عن كثيرين من مشاهير الكتاب في عصره بأنه ناضل طويلاً في صفوف الحركة الوطنية المصرية،فحاول العقاد أن يصل بين القراء وبين الفكر الأوروبي المتقدم في ذلك الحين بقدر ما اتسع له ذراعه، فخدم بذلك جمهوراً واسعاً من طلاب المعرفة أكثر مما خدمتهم الكتب الدراسية الرسمية، وكانت تتمثل فيه ”القوة التي هي أكبر من قيود البحث ومراسم الدراسة" على حد تعبيره في مقالة له عن جورجي زيدان منشيء مجلة الهلال في مصر.
في العقدين الأخيرين من حياته وقف العقاد جهوده على التأليف في تاريخ الاسلام والعروبة ، والدفاع عن اللغة العربية وعلومها وآدابها، فوجدت كتاباته في هذا المجال أصداء واسعة في العالمين الاسلامي والعربي . ويكفينا أنه صاحب العبقريات، تحية للعقاد في ذكراه المتجددة، يؤديها إليه العرفون بفضله الذي يكثر العارفون به من عام إلى عام.
من أقوال العقاد:
- (ليس هناك كتابا أقرأه و لا أستفيد منه شيئا جديدا ، فحتى الكتاب التافه أستفيد من قراءته ، أني تعلمت شيئا جديدا هو ما هي التفاهة ؟ و كيف يكتب الكتاب التافهون ؟ و فيم يفكرون)
- (القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب).
- (أنا لا يهمني كم من الناس أرضيت .. ولكن يهمني أي نوع من الناس أقنعت).
- (كن شريفا أمينا، لا لأن الناس يستحقون الشرف والأمانة، بل لأنك أنت لا تستحق الضعة والخيانة).
- (رُبَّ رجلٌ وسيمٌ غير محبوب ، ورُبَّ رجل وسيم محبوب غير مهيب ، ورُبَّ رجل وسيم يحبه الناس ويهابونه وهو لا يحب الناس ولا يعطف عليهم ولا يبادلهم الوفاء ، أما محمد عليه السلام فقد استوفى شمائل الوسامة والمحبة والعطف على الناس . فكان على ما يختاره واصفوه ومحبوه ، وكان نعم المسمى بالمختار) .
- ( إذا فاجأني الموت في وقت من الأوقات ، فإنني أصافحه و لا أخافه ، بقدر ما أخاف المرض ، فالمرض ألم مذل لا يحتمل ، لكن الموت ينهى كل شيء !..)
- كلا .. لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لازداد عمراً في تقدير الحساب .. وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الانسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.
- (لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة .. ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني .. ومهما يأكل الانسان فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة، ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غير جسد واحد، ومهما يتنقل في البلاد فإنه لن يستطيع أن يحل في مكانين. ولكنه بزاد الفكر والشعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات في عمر واحد، ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله كما يتضاعف الشعور بالحب المتبادل، وتتضاعف الصورة بين مرآتين)..
الآ رحم الله العقاد رحمةً واسعة بقدر ما تعلمنا منه وبقدر ما أعطى وأهدى لأمة الاسلام.
نقلاً عن جريدة الصحافة