العقد الاجتماعي الجديد سلاحنا المرجو للنجاة بالوطن

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

umsalsadig@gmail.com

 

تحتاج المجتمعات الانسانية الى سلطة سياسية تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين كضرورة طبيعية واجتماعية بحسب بن خلدون وغيره من علماء الاجتماع والسياسة. وتنادي نظرية العقد الاجتماعي التي تبلورت في عصر التنوير(منتصف القرن السابع عشر حتى التاسع عشر) بأن الأفراد يقبلون طوعا التخلي عن بعض حرياتهم ويخضعوا لسلطة الحاكم او قرار الأغلبية مقابل حماية بقية حقوقهم من أمن ومكتسبات تحميها الدولة من اعتداء الآخرين وحقوق أخرى مثل حق العمل والتعليم والعيش الكريم والصحة وسواها من خدمات .
وقد أخذ المصطلح اسمه من كتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو. يختلف منظرو العقد الاجتماعي كمفهوم فلسفي على تفسير الحاجة لعقد اجتماعي: هل هي بسبب أن الطبيعة الانسانية انانية ومتعدية لذلك تحتاج لضبط السلطة السياسية وهيمنتها ( هوبز وآخرين) أم أن السبب هو أن الانسان بعد مفارقة الحالة الطاهرة بسبب تطور عوامل الانتاج وتقسيم العمل التي أدت الى ظهور قيم جديدة :مثل الخجل والحسد والفخر و الملكية الخاصة و مثل الجشع،المنافسة ،و عدم المساواة الشيء الذي أدى لضرورة قيام سلطة سياسية وبالتالي عقدا اجتماعيا بين الحاكم والمحكومين بحسب روسو وآخرين.
ويشير مفهوم العقد الاجتماعي- ضمن الفلسفة السياسية الى ذلك العقد المبرم بشكل فعلي او افتراضي بين طرفين كالحكومة والشعب لتحديد الحقوق والواجبات.أو قد تطلق العبارة على ما يندرج تحت خانة النظرية السياسية بحيث يمثل اتفاقا محددا بين مجموعة من الأشخاص الذين يسهمون في وضعه وصياغته .
و بعيدا عن تعقيدات الفلسفة نحن هنا معنيون بالتعريف الذي يشمل الاتفاق المحدد بين مجموعة من الأشخاص يسهمون في وضعه وصياغته مع استصحاب ما قاله الفيلسوف الحكيم ارسطو أن الفضيلة وسط بين رزيلتين فسأله تلامذته :كيف نعرفها؟ أجابهم جِدوا حكيما واتبعوه .. نرى ضرورة الأخذ بتلك الحكمة الناصحة . بالطبع يمكن أن يكون العقل الجمعي بديلا عن اتخاذ الأفراد لمثل تلك المهمة الخطيرة كما يمكن أن يتخذ هذا العقل الجمعي صفة جراب الرأي أو الثينك تانك.
في سودان اليوم نحظى بكنز لو كان في أمة أخرى لما تردد أحد في طوع نصحه ولا شك أن مميزات مثل الحنكة والخبرة العملية والعلمية والقومية والقراءة المتوازنة البعيدة عن المصالح الخاصة أو الحزبية الضيقة للامام الصادق المهدي ترشحه لاحتلال هذا الموقع كألمعي يريك الرأي كأن قد رأى أوقد سمعا.
قال أحد ناشطي الفيسبوك ساخرا:انتظر ما يقوله الصادق المهدي، اشتمه بسبب ما قال ..ثم اتبع كلامه حذوك النعل بالنعل! (طبعا بدون أي ذكر لحقوق ملكية فكرية) ،ويمكننا ايراد أمثلة كثيرة تثبت هذا القول لكننا سنكتفي بمثالين يعبران تماما عن تلك الكوميديا السوداء.
في يناير من العام 2005 قام نظام المؤتمر الوطني المباد بتوقيع اتفاق مع الحركة الشعبية السودانية أسماه اتفاقية السلام الشامل. وفي ابريل من ذات العام أصدر الحبيب الامام كتيبا بعد دراسة مستفيضة للاتفاقية والدستور الملحق بها عنوانه: اتفاقية نيفاشا والدستور في الميزان، رحب فيه بالايجابي من وقف لاطلاق النار لكنه نفى عن الاتفاقية عنوانها، إذ لن تحقق سلاما كاملا ولا شاملا. وعدد النقاط التي تحمل بذرة فشلها، وتقديمها لوحدة طاردة بدلا عن الجاذبة، وأن الحرب لن تقف بها بل قد يستعر أوارها بصورة أكبر ..
كان نقد نيفاشا في ذلك الوقت من عمر الزمان منكرا ومحرما من قبل طرفيه. وقد روجوا لأن نقد نيفاشا خيانة عظمى! لكن الحبيب الامام لم يهتم بموزعي أنواط الوطنية واشتغل بما يليه من واجبٍ وطنيٍ تمليه عليه المسئولية الوطنية.
مثلما توقع بعد فترة اتضح للناس عماذا كان يتحدث ود المهدي، وللأسف تحقق ما تكهن به بصورة كاملة، ففقدنا بسبب نيفاشا وقلة عقلها جزءً عزيزا من الوطن، وانفصل الجنوب. ثم فتح باب نقد نيفاشا على مصراعيه من قبل أطرافها أنفسهم ، بل صار نقدها من لوازم الوطنية الحقة!
المثال الثاني نشهده اليوم : منذ لحظة اختيار حزب الأمة القومي برئاسة الصادق للجهاد المدني سبيلا لمعارضة النظام المباد نبه الناس لضرورة التفكير في تغيير النظام الذي يشمل الاسقاط وايجاد البديل بدلا عن الاكتفاء باسقاطه فقط ثم الوقوع في فخ ثورات الربيع العربي التي نجحت في اسقاط النظم الحاكمة لكنها عجزت عن ايجاد بديل يقود بلدان ثورات الربيع العربي الى بر الأمان: فكانت نماذج ليبيا ومصر مقابل تونس التي استطاعت الترتيب لما بعد سقوط بن علي فتمكنت من النجاة بالثورة، فهاج القوم مثل العادة إثر ذلك النصح واتهموه وحزبه بممالأة المؤتمر المسمى وطني وأنه انما أراد الابقاء على ذلك النظام مع بعض تعديل!
واليوم بعد سقوط النظام المباد بالطريقة التي عايشناها جميعا وقد فوجيء الجميع بسقوط النظام ولم يتم الاعداد لبرنامج مسبق يمكّننا من العبور الآمن نادى الصادق وحزبه بضرورة تقديم بديل يتوافق حوله الناس وضرورة تطوير اعلان الحرية والتغيير الى ميثاق يحّول التحالف الذي نجح في اسقاط النظام الى جسم فاعل يؤدي دور حاضنة سياسية مسئولة تعين الحكومة التي أتت بها ونادى الحزب بهيكلة جسم التحالف لاصلاحه وابعاده عن سيطرة بعض صناع الضجيج بلا طحين..
في 26 مارس من عام 2020 قدم حزب الأمة القومي مشروعا أسماه نحو عقد اجتماعي جديد أمل في أن يكون مخرجا آمنا للدولة السودانية وعرضه على كافة ألوان الطيف السوداني من حكومة ومجلس سيادة وزملائه في الحرية والتغيير ولكافة المعنيين بقضايا السودان من المجتمع الدولي :
أتى في مقدمة المشروع أن اسقاط النظام يكون بالثورة وهو عمل يكتمل بوجود قيادة في مركز القرار وبرنامج لإقامة نظام بديل:
كما ورد فيه سرد مختصر لكيفية سقوط النظام بالضغط الشعبي وتضحياته وانحياز اللجنة الأمنية للتغيير مما عمل على منع مزيدا من نزيف الدم السوداني الغالي ثم عرج لوصف تفكك الشرط القيادي للثورة بسبب عدم الالتزام ببعض ما اتفق عليه (مواقف حزبية سادرة واتجاه مجلس السيادة لتفاهم منفرد مع بعض مكونات الحرية والتغيير).لابد من مجابهة ذلك ببرنامج محدد المعالم:
-مدنية الدولة.
-الالتزام بمنظومة حقوق الانسان ومباديء الحكم الراشد-نظام اقتصادي يكفل السوق الاجتماعي الحر.
-السلام العادل الشامل بمنهج سليم.
-الاهتمام بالمكون العسكري كشريك حقيقي في التغيير ليلتزم العسكريون بتوحيد المؤسسة العسكرية وبميثاق حماية الكيان المدني والفصل التام بين العسكرية والسياسة.
-مشاركة القوى السياسية والمدنية التي شاركت في معارضة أدت لسقوط النظام المباد(مثل لجان المقاومة والقوى المدنية التي انسلخت من النظام في وقت مبكر).
-علاقات خارجية تقام على التوازن العربي والافريقي الاسلامي والدولي.
- احسان ادارة التنوع.
-العمل على إزالة الغبن وإزالة التمكين.
ثم مهام عاجلة: تكوين المفوضيات، منهج محدد للسلام ،تكوين المجلس التشريعي،جدولة انتخابات التحول الديمقراطي، المؤتمر الاقتصادي.
تلافي فجوات الوثيقة الدستورية بالتوافق على تشريع دستور انتقالي.
قدم حزب الأمة القومي رؤيته لاصلاح الحرية والتغيير متحّملا تحامل البعض عليه وما رموه به من أوصاف ثم أتى زمن تحول فيه معظم حكي الناس عن ضرورة اصلاح الحرية والتغيير، فنرجو أن يثمر ذلك خيرا في المؤتمر الأساس أو التداولي المزمع نهاية الشهر الجاري وأن يمضي فيه التحالف المعافىّ نحو تبني مشروع العقد الاجتماعي الجديد بعد نقاشه باستفاضة للعبور بالدولة السودانية من مرحلة الثورة الى مرحلة الدولة وبر الأمان خاصة ونحن نشهد كيف أن إدارة ملف السلام بدون منهج قد أوقعنا في تنطع ومزايدات بعض الحركات المسلحة وقيام حروب في مناطق متفرقة من الوطن وإدارة للملف بذات عقلية النظام المباد التي لن تلد سلاما ولن تخلف خيرا.
وكيف أن إدارة ملف الاقتصاد بدون اتفاق كان سيوفره المؤتمر الاقتصادي أوقعنا في براثن بعض المتغولين على الثورة..الخ أحزان عدم اتباع منهج سليم.
وسلمتم

////////////////////////

 

آراء