“العنصر المفقود” في طلب البرهان التفويض!!

 


 

عيسى إبراهيم
9 September, 2020

 


ركن نقاش

استنفد اليسار الثقليدي فرصته في الانقلابات، كما استنفد اليمين المؤدلج (الحزبسكري) فرصته الانقلابية كذلك، أما انقلاب الفريق عبود فقد كان تسليماً وتسلماً من السلطة الحاكمة؛ عبدالله خليل (حسب تقديراته - بعد اعلانه "الدواس" لطرد المصاروة من مثلث حلايب – أن هناك تدخلاً سافراً من مصر في شؤون السودان بتقريبها بين شيخ علي - المؤتلف مع حزب الأمة في الحكومة – والأزهري كحلف جديد لاسقاط حكومة خليل)، وفي رأي محللين ومراقبين أن عسكر الوثيقة الدستورية وفق قراءتهم لمخاطبات البرهان لقياداته العسكرية بأن في الأفق اعدادات لانقلاب رابع على الانتقالية (البرهان غازل مكونات ثورة ديسمبر قائلاً بأنهم – أي العسكر – سيكونون شوكة حوت لمن يريدون سرقة الثورة، وكان قد هاجم في خطابه قوى الحرية والتغيير) حكومة ثورة الشعب السوداني الذي أسقط أعتى دكتاتورية حكمت السودان لثلاثين عاماً هي حكومة "الكيزان"، محققاً بذلك اسقاطه الثالث لثلاثة أنظمة عسكرية؛ في أكتوبر 64 وأبريل 85 وديسمبر 2018!!..

السودان بين محورين:
السودان الشامخ ما قد كان وما سيكون متجاذب الآن بين محورين؛ محور ما يسمى بالمهادنة: "السعودية الامارات مصر"، ومحور ما يسمى بالمقاومة: "قطر وإيران وحزب الله اللبناني وسوريا وتركيا"، كلا المحورين يعمل سراً وعلانية لتحقيق أجندته، والصراع محتدم بين المتشاكسين، والأنفاس لاهثة والزيارات متقاطعة، والفرصة بدت سانحة بعد تنازع الشريكين المدني والعسكري حول شركات الشريك العسكري المهيمنة على الاقتصاد السوداني في الفترة الانتقالية وعزم العسكر على لسان البرهان بحماية شركاتهم وظهر بذلك رأسان مخلقان يقودان الفترة الانتقالية، وهنا زادت تحركات المحورين لاغتنام فرصة التصعيد؛ والسؤال: لمن تكون الغلبة لأحد المحورين؟، أم لثوار ديسمبر؟!..

تعقيدات الموقف ومدى التنازع:
الصادق المهدي (المتعود على اختراق الثورات الشعبية السودانية وحرفها عن مسارها الصاعد)، عمل بشتى السبل لزعزعة استقرار الثورة الشعبية مهدداً بانتخابات مبكرة، وجمَّع حوله فلول "الكيزان" لمناطحة الثورة، أرسلت له الامارات طائرة خاصة حملته اليها مع مريم "المنصورة"، ويبدو أنه تمت "فرمتته" ضد "الكيزان"، الفريق أول حميدتي الذي دعم محور السعودية الامارات مصر لجستياً في حرب اليمن هو رجل الامارات بلا منازع، أما البرهان (رجل في الطوف ورجل في المركب)، فهو بين البينين، لا إلى هنا ولا إلى هناك، ولعله يكون منازعاً "لشوشتو" ليحدد بوصلة اتجاهه، ولعل قوة تيار محور المهادنة تجبره ليركب معها في مركبها ويخلع رجله من الطوف!!..

هل في الأفق صراع عسكري؟:
اللجنة الأمنية للمخلوع التي انحازت (تكتيكياً أم استراتيجياً لا أدري – ولعل في التغيير الدراماتيكي السهل الممتنع الذي تم باستبدال ابنعوف بالبرهان في سرعة وبدون قولة "بغم" بما يشي أن في الأمر سراً باتعاً بين أعضاء لجنة أمن المخلوع)، إلى ركاب ثورة ديسمبر المجيدة، أصبحت شذر مذر بفعل الزمن المتطاول والزمن – في العادة – يغير كل شيئ، لقد تناولنا في الفقرة السابقة مواقف الغرماء المتشاكين المتصالحين على المصلحة، "شيلني وأشيلك"، ولا مستحيل في عالم السياسة، خاصة إذا كان هناك من يملك المعلومات الشخصية عن الأفراد المقصودين، والمعلومات الاستراتيجية عن البلد المستهدف، خاصة والأرض السودانية مستباحة استخباراتيا، بلا ضابط ولا رغيب، وأجهزة التصنت محتكرة للعسكر في السودان، ونقول بامكانية أن يتفق الغرماء – في المرحلة – ولا تحدث مناوشات أو يحدث صراع عسكري في السودان، ويكون الأمر تحت السيطرة والهدف تغيير الانتقالية التي انتهجت سياسات مبنية على مصالح السودان، وقالت لا في وجه من قال نعم، إذن تذهب الانتقالية ويحل محلها من؟، وبأي مواصفات؟!..

مصر تتصالح مع الاسلامويين الانقاذيين بعلم:
اعتادت مصر أن تجد مصالحها ميسرة وبلا رهق مع الحكومات العسكرية التي حكمت السودان في عهد عبود، وفي عهد نميري، وفي عهد المخلوع الاسلاموي، والسياسة الخارجية لأي دولة تحكمها المصالح لا الأيدلوجيات، والسودان الـ "محلك سر" أفضل آلاف المرات من أي حكومة تضع نصب أعينها مصلحة السودان معياراً لسياستها الخارجية، ويمكن لمصر أن تقنع جارتيها في الحلف بأن الأمور في السودان تحت حكومة طيعة تنفذ مصالح الحلف وإن كانت اسلاموية، والانقاذ كانت تلعب "بلوتيكا" مع مصر باستضافتها جماعة الأخوان المسلمين بعد الاطاحة بـ (محمد مرسي) وحكومته الاسلاموية على يد السيسي في مصر، وقامت الانقاذ – في عهدها – بتسليم بعض متشددي الاسلامويين لمصر واحتفظت بالودعاء منهم!!..

البرهان والنموذج السيسوي:
الأمور بين عسكر مصر وعسكر السودان تمضي – مصلحياً – على قدم وساق؛ فمسلخ العسكر يذبح ويجهز ويرسل في ثلاجات مكتوب على أرقامها "عبور"، حتى لا يعترضها أحد، وتصل البضاعة إلى مصانع اللحوم الحديثة في مصر فتجهزها حسب المواصفات العالمية وتضع عليها ديباجتها: "صنع في مصر" ويا دار ما دخلك شر، والعمولات بين الطرفين لا يعكر صفوها معتكر، يحلم البرهان بالسيسية في السودان ولا يعلم العنصر المفقود في المعادلة الانقلابية القادمة!!..

ملاسنات بلا ردود فعل غاضبة:
حينما قال البرهان أنهم سيرفعون علم السودان على حلايب وشلاتين، تصدى له ابن حسني مبارك المقيم بأبو ظبي: "بلاش نفخة كدابة دي حلايب وشلاتين أراضي مصرية منذ العام كذا"، ومرت بالونة الاختبار بلا رد فعل مضاد!!..

العنصر المفقود في المعادلة الانقلابية:
العنصر المفقود هو سبر أغوار الشخصية السودانية المتفردة التي لا تقبل الضيم والتي تقدم حريتها وعزتها وكرامتها على الحصول على لقمة العيش بأي سبيل، والمتميزة بالنجدة والكرم والنفير والأجاويد واغاثة الملهوف وتؤثر الآخر على نفسها ولو كانت بها خصاصة، ومن قصص الاعتداد بالنفس وعدم قبول الضيم قصة الضابط البريطاني الذي أمر العمدة بان ينزل من حماره (وهو على صهوة حصانه) لاصلاح تثرب مائي اثناء تفتيشه للمزارع فما كان من العمدة إلا أن يطرح الضابط الانجليزي أرضا ويوسعه ضربا ولا يبالي عاقبة فعله (وردت القصة في كتاب "مذكرات جمهوري" للمرحوم الأستاذ مجذوب محمد مجذوب)، وهذا مكون رئيس في الشخصية السودانية، وهي خصيصة سودانية لا مثيل لها في شعوب الجوار، وذكر كثيرون أن السودان لم يستعمر قط؛ بمعنى أن الاستعمار لم يتوغل في مكونات النسيج الاجتماعي السوداني وكان قشرة خارجية تطلب الثروة لا غير، وبذا حافظت الشخصية السودانية على تفردها واعنزازها بحريتها، ولماذا نمشي بعيداً وأمام ناظرينا إنقلاع ثلاثين مليون سوداني في (كنداكات وشفاتة) في هبة مصممة – في أرجاء السودان المختلفة - اقتلعوا بها نظام الانقاذ الباطش، ومن هنا ينبغي أن يحسب لها (لتلك الشخصية المتفردة) المغامرون ألف حساب!!، فالسودانيون لا شبيه لهم على ظهر الأرض!!..

eisay1947@gmail.com

 

آراء