العنوان: كيف نجحوا هم و فشلنا نحن، هل احزابنا بحاجة إلى درس عصر؟!

 


 

 

ظل العسكر لفترات طويلة من عمر السودان متشبثين بالسلطة في السودان. وقد ألحق هذا التسلط الكثير من الدمار و الهلاك للسودان. و بالرغم من مرور السودان بعدة انتفاضات، إلا ان النصر كان دائما ما يكون حليف العسكر، فكيف نجحوا كل مره و فشل من ينادي بالمدنية و الديمقراطية؟ أليس من المفترض أن ينتصر الحق على الباطل، لا العكس!؟ هذا المقال مجرد محاولة متواضعة لفهم الراهن السياسي في السودان و كيف انتقلنا من "تسقط بس" إلى واقع مرير يعاش من قبل كثير من مواطني هذا البلد بعد مضي اكثر من ثلاثة اعوام من عمر الثورة. و اقول الكثير لا الجميع لان هناك من من مصلحته فعلًا بقاء الوضع على ما هو عليه. و انوه ان الإشارة إلى العسكر في هذا المقال لا تعني العسكر بشكل عام، فهناك امثال محمد صديق و غيرهم من الضباط الأحرار الذين لا يرتضون ما يحصل اليوم في السودان. وأضيف أن هذا المقال قد يكون ثقيل على قلوب جماعات من دعاة المدنية ترى نفسها ممثلة فيه، ولكن حيث أن لا مجال للمجاملات و لرغبتي و كثيرين من ابناء شعبي في التخلص من مأزق السودان الحالي و المضيء قدما نحو الحلم الشعبي "حرية، سلام، و عدالة” فلابد إذآ من كتابة هذا المقال في محاولة ارجو ان لم تكن صائبة في المجمل فعلى الأقل تسلط الضوء على امور هامة.
فلننظر في بادئ الامر إلى العسكر في السودان و الذين احترفوا الاصطياد في الماء العكر. وأما عن الماء العكر، فقد كان منذ ما يسمى باستقلال البلاد! يتمثل في ممارسة الاحزاب السياسية في السودان. و هي مزيج بين المراهقة السياسية والانانية والنظرة الضيقة، حيث لا ترى من بينهم (إلا من رحم ربي) من يستوعب متطلبات الوضع السياسي في السودان. فلابد إذن للاحزاب السياسية في السودان، سواء كانت احزاب يمين أو يسار، ان تدرك اننا في السودان نقف على أرض هشة و ما زلنا في مرحلة ما قبل الدولة!
الحكم العسكري المتتالي في السودان هو ثمرة التشاكس فيما بين الأحزاب و شق الصف الذي دائما ما ينصب في مصلحة العسكر. و أقرب مثال لذلك هو قحت ١ و قحت ٢. و قد برهن التاريخ هذا الأمر مرارًا، فكان نميري و البشير و من ثم كان البرهان و حميدتي، جميعهم نتاج ضعف و تشتت الاحزاب التي لا ترى الهدف الأسمى المتمثل في التحول الديمقراطي و سيادة القانون، بل ترى فقط مصالحها الشخصية و كيفية إقصاء الاخر، فيلقى العسكر فرصته و يضيع الحلم في سودان ديمقراطي حر.
إذا لم توجد قوة مدنية حقيقة في السودان تعي تماما ماذا يعني السودان وماذا يعني التنوع و خصوصية هذا الوطن، ولا تعرف الفرق بين الاستراتيجية (الآن) و الهدف (المستقبل)، سيعود العسكر ألف مرة و في كل مرة اشرس من التي قبلها. الاستراتيجية في فن السياسية تستدعي أن يعمل حزب من أقصى اليمين مع حزب من أقصى اليسار دون إقصاء و التوحد للوصول إلى الهدف الذي ينبغي أن يكون اكبر منهم جميعا و هو ديمقراطية مستدامة و تداول سلمي للسلطة. و هذا ما لا يستوعبه أصحاب التطرف الحزبي الذين يتوجب عليهم اعادة النظر في هذا الامر و مراجعة ردود افعالهم. فليس من العدل ان تترك الامور كلها على كاهل الشباب الثائر وحده، فهذا الشباب الذي أظهر بسالة نادرة في مواجهة العسكر و القمع و الدكتاتورية يجب أن يكون للاحزاب دور إيجابي يسانده في الحراك الثوري. فالمثل المعروف يقول اليد الواحدة لا تصفق!
ها قد أصبح المشهد اليوم أكثر تعقيدا. فقد أصبح في السودان دويلات داخل الدولة، كل يحمل السلاح في انتظار ساعة الصفر لقيام حرب اهلية شاملة! و المستفيد في نهاية المطاف أيضا هم العسكر. أضف إلى ذلك وجود مصالح دولية من قوى إقليمية و اخرى دولية لا ترى غير امنها و ازدهار اقتصاداتها، وبالتالي فإن هذه الدول دائما ما تهدف إلى إقامة علاقات منفعة مع السودان، لامكان لسيادة الدولة السودانية فيها. فيكون الجواب لهم هو العسكر. نعم، فالعسكر على أتم الاستعداد لفعل كل شيء من أجل البقاء في السلطة، و قد وصل ذلك من قبل الى حد فصل جنوبنا الحبيب مقابل بقائهم، مدفوعين آنذاك بجماعة التيارالاسلاموي، هذا و بالإضافة إلى نظرتهم الدونية للمدنية بشكل عام. كيف لا و هم يرون انهم الأحق و الأجدر بحكم هذه البلاد ولا يوجد في مخليتهم مكان للحكم المدني في السودان.
لذلك نحن بحاجة الى بديل حقيقي. فالواقع بحاجة إلى رجال سياسة بحجم الكارثة و حجم المرحلة و حجم التعقيد. فلا مكان للمراهقة السياسية، و لن يجدي التهافت الفردي لبعض الاحزاب أو ضمن مجموعات صغيرة ليس لها أي ثقل سياسي حقيقي للوصول للسلطة، فتلك سلطة مهما كانت مؤقته و غير مبنية على أسس سليمة و مصيرها الزوال و العودة بنا مرة أخرى إلى حكم العسكر. لذلك قبل أن يفكر أي حزب في الوصول إلى الحكم يجب أن يعمل و يدفع لتقام الدولة على اساس قوي، ومن ثم الوصول إلى السلطة يكون بالطريقة السليمة و الآمنة.
و الطريقة السليمة هي الانتخابات النزيهة، حيث يضع كل برنامجه السياسي، و تتم منافسة شريفة و يتخذ الشعب رأيه في من يحكم السودان. و أما الآمنة، فهي دولة مؤسسات تحترم سيادة القانون، كل مستقل بسلطته عن الاخر، سواء القضائية اوالتشريعية او التنفيذية، و هذا النهج يضمن ان لا يعود مثل البرهان أو غيره. والأهم استدامة الديمقراطية، و تلك مرحلة أصعب ولها متطلبات اخرى يمكن ان نتحدث عنها في حال اجتاز السودان اولاً النفق المظلم متجها إلى مرحلة الدولة.
ذلك لا يأتي بالتمني ولا في ظل وجود قوة مدنية هزيلة. لن يأتي مالم توجد غاية و هدف و صدق. لابد للأحزاب السياسية والآن، بحكم الأمر الواقع، الحركات المسلحة المختلفة وضع مصلحة الوطن فوق كل شيء. هذا اذا كانوا فعلا هم حريصون على الوطن و ليسوا من اصحاب العمالة للخارج! فهكذا نجحت الهند مثلا بالرغم من التنوع الثقافي و الديني و العرقي، حيث وضع جميعهم الهند فوق كل شيء، فهل نضع نحن السودان فوق كل شيء؟!
يجب ان نتذكر أن كل شهيد يموت من أجل نعيش نحن، و كل جريح يزيد نزيف هذا الوطن الذي ظل ينزف منذ نشأته و ما زال! الشارع لم يقصر والثورة مستمرة و الشعب قدم و سيقدم التضحيات و لا مكان لليأس، فاليأس كما يقال في حد ذاته ثورة مضادة! و قد مات اليأس فعلًا داخل كل وطني غيور في ديسمبر ٢٠١٨، و لكن يا ترى هل ستعي الاحزاب السياسية الدرس؟! هل سيعلو صوت الحكمة ؟ أم ستعود كل مره تفرش للعسكر الأرض ورد؟!
و في الختام ادعو ربي ان يرحم شهدائنا جميعاً الذين قدموا إليه، وحلوا ضيوفاً بجواره تاركين الأهل والمال والولد مدافعين عن الحق.

awouda_88@yahoo.com

 

آراء