العيد ما بين غربتي ودرديق الشبيكي

 


 

 

[١]
عندما كنا صغارا كان العيد مهرجانا للفرح والتسوق والحلوى والعطور والألعاب والجلاليب ..نلهو كما الفراشات نتقافز من نفاج إلى آخر دون حواجز نتلقى الحلوي والمبالغ الزهيدة التي تساوي عندنا قلب الدنيا حينها ونتدارى من العيون خلف جدار كجدار الخضر نحسبها ونرمق بتربص كل من يقترب طبقاً إلى نظرية المؤامرة..والعيد لغة عتاب جميلة (العيد الجاب الناس لينا ما جابك).

[٢]
وأنا بعيد عن بلدي (المشرتم ) قسراً لبست في كسل جلبابي ووضعت عطري في تؤدة ساهياً إلى أين المصير ياغربة..أتفحص في الوجوه من جنسيات مختلفة لوحة للتسامح .. ويمر علي شريط مهيب من الذكريات بدأ عندما قالت أم لهيج سكر (جانا العيد وإنت بعيد )..عندها تذوقت طعم الكعك القوي بكل رجولة والخبيز الناعم والشعيرية في الفطور والنعيمية وبعض من بقايا حلو تغيرت قليلاً رائحته عند صالون أبي ..جرت العادة أن يتوافد الأهل والجيران وعابروا الطريق بعد الصلاة في جو حميمي(هات زيادة ملاح ياولد)... أذكر مرة عندما أخطأت وضع العطر وطار إلى العين .. إزداد الإحمرار ..طرشق العيد .. كانت العطور البلدية أقوى من مبيدات الحشرات المشهورة بف باف.

[٣]
العيد يتأرجح مابين عتاب وتسامح كما غني المغنون (عارف خصام العيد حرام) ..يصافح السودانيون بعضهم دون اشتراط الإجراءات الإحترازية في عناق وجو محموم يضرب بعرض الحائط كل الأوبئة. وفي آخر عيد بالسودان وأنا أتفحص الوجوه ..فقد قلّ نصاع بياض الجلباب وفقد العطر تركيزه وإزاد السهوم .. طلت الضحكة المملؤة جزعاً وكأن طبيب يحضر حقنة في حركة بهلوانية لطفل يتابع بكل دقة الطبيب (البعبع) .. كم كنت أكره الدكاترة والحقن وحبوب السلفا والكينين وأعشق لصقات الجروح عندما أصاب في مباراة حامية الوطيس وعند الصباح بالمدرسة تحيطك هالات الإعجاب من الأداء وأنت تنظر إلى لزقة الجروح في غبطة إثبات المعركة المفتعلة والزهو يملأ المكان كطاووس لايدري اتجاه الشمال فتردد اغنية (أصابح بكرة كيف العيد وأعايش فرقتك هسع).

[٤]
كما غنى العندليب (عدت ياعيدي بدون زهور) أرثى لحال بلدي ..(بلد النجيمة الحايرة)..وكيف توطد فيها الجاهل وتشرّد العالم ..تفرقت السبل بالأحباب والكفاءات والأسر والعيون الكحيلة والعقول النيرة وغابت البسمة ..وأصبح مختلطاً نابلها بحابلها أو العكس.. اختل توازن الأمور..وقلت المعايير وأصبحت الأشياء (سبهلل) ..وتناقلت السوشيال ميديا أقوال الجاهل تهكماً وصار يستشهد به فضاعت هيبة الجلباب تنقلا بين البلدان تسولاً في أغنى بلاد العالم موارداً بكراً .. إننا في ورطة حقيقية حيث ظهرت نماذج شخصية سودانية متسلقة عوراء الرأي تنتفع علي حساب دم الشهداء.. لاتبالي من أكل التسالي علي جثامين اليفع ، طير الجنة ، الذين دفعوا لؤم الكبار ..أهدي زهرة إلى شهداء الثورة السودانية .

[٥]
وكما غنى الذرّي (يا عيد تعود يا عيد ..بالخير علينا سعيد)..كنا نرددها بين حواري حي العرب وأمدُر العتيقة ..نلتقط ابتسامات الأطفال في موسم الزهور محلقين مبحلقين وحالقين.. هنالك زحمة في صف الحلاقة وعادة أم درمان أن تشتري من دكان فلان وتحلق عند علان والكسرة من فلتكانة بحثا إدارة للجودة وهناك عند عمود قصي وبخط رديء (أحب فلتكانة وشكراً)..تضع لبسة العيد علي يمين الوسادة البالية ويدك اليمني تمثل جداراً برلينياً بين اللبسة واللحاف المهتريء حرصاً على سلامة الممتلكات والنوم في تقطُع وما أن تنحنح والدي حتي قفز القرد .. يجب السير لمسافة طويلة إلى زفة الأقدام تعفراً إلى صلاة العيد ..فتتعالى ضحكاتنا فنُرمَقُ تارةُ بعين حمراء من الكل تأدبا.. تارةً أخرى نلاصق الكتوف في شقاوة فنُزجْر ..صوراُ بهية ..أنظر الآن إلى أبنائي فأتحسّر علي فقدهم كل هذا الجمال ..هم في قفص التكنولوجيا قتلاً لأي براءةٍ وطفولة.

[٦]
لي مع النعام آدم قصة حب بطعم عجوة الشمال (لا شوفتن تبل الشوق) حباً إلى طمبور تليد (مر العيد وفات.. لا شافني لا طراني)..نداءٌ إلى حبيبة ملهمة في عيد الأعياد مداعبة إلى غصن رطيب في عيد الصليب إعلانا لتسامح ديني بقدر مهوى القرط ..مغني إلى ليلى..إلى متى ياغربة تنثال علينا أماني الشوف وكأن الدمع سجين ملهاة إلى درديق شبيكي مبنت في الصدير..و (لناس مرقت علي أصحابها).. بحثاً عن جاهلة بين أضابير الكلام (السبب الحماني العيد هناك أحضرو).

الدوحة أول أيام عيد الفطر ٢مايو ٢٢

amjadnl@yahoo.com

 

آراء