“الغارديان” البريطانية: السودان في مفترق طرق مع تواصل هدير الانتفاضة

 


 

 

 

 

خاص سودانايل:

قد تبدو القضارف في شرق السودان، مدينة أكثر من عادية بالكثبان السمراء التي تحيط بها. ما يميزها المستودعات الضخمة التي أنشأها الروس لتخزين الغلال، فالمدينة اشتهرت عبر تاريخها بانتاج الذرة والسمم وبكميات. لكن قبل اسابيع اربعة تبدلت المدينة فجأة لتصير مركز انطلاق للانتفاضة المناهضة لنظام البشير الحاكم.
يقول الاهالي أن الاحتجاجات بدأت بمواكب أطفال المدارس ضد أسعار الخبز التي تضاعفت ثلاث مرات. (جوعت الناس .. يا رقاص) هكذا انطلقت الهتافات في اشارة تسخر من البشير الذي اشتهر بالرقص في التجمعات السياسية.
لكن أصوات المتظاهرين سرعان ما اُسْكِتَتْ برصاص القوات الأمنية الحي. شهدت المدينة مصرع عشرة بينهم ثلاثة أطفال، ذلك العنف شكل علامة فارقة، لا لمدينة القضارف فحسب، بل لمجمل انحاء السودان. في اليوم التالي مباشرة خرجت المدينة عن بكرة أبيها لتنتقم. تم حرق مقر المؤتمر الوطني الحزب الحاكم ومقر المخابرات العامة، كرمزين يجسدان السلطة القاتلة. بعدها باسبوع امتدت التظاهرات من القضارف، التي تمثل ريف السودان، الى المدن الكبرى الرئيسية. وبرز للسطح رغبة جارفة، كانت حبيسة الصدور، لوضع حد لنظام حكم البشير الجائر المتسلط.
يقول جعفر خضر أحد أقطاب المعارضة السودانية إن قتل الأبرياء والأطفال فجر ثورة الغضب هذي ضد الحكومة، وإنه يتوقع أن يتم اعتقاله في أية لحظة.
مرت أربعة اسابيع منذ اندلاع الانتفاضة، والحصيلة حتى تاريخ اليوم مقتل أكثر من اربعين شخصا، حسب احصائيات جماعات حقوق الانسان، التي حمَّلت ميلشيات الدعم السريع المسؤولية عن مصرع الكثيرين منهم. أما الذين جُرِحوا فأعدادهم تقدر بالمئات.
تم اعتقال العشرات، وربما المئات، من الناشطين في المدن المختلفة. هؤلاء حملتهم سيارات جهاز المخابرات العامة الى مراكز مجهولة للاستجواب،مما لا يبشر بخير. فالجهاز اشْتُهِر بتاريخ طويل من القمع والتنكيل والتعذيب في مراكزه المجهولة.
اليوم الخميس انتشرت القوات الأمنية في جميع أنحاء العاصمة السودانية، حيث يُنْتَظر أن يقوم المحتجون بتنظيم مسيرة سلمية للقصر الجمهوري تطلب من عمر البشير التنحي. وستتزامن مسيرة الخرطوم مع 11 مسيرة أخرى في مختلف أنحاء السودان، بما في ذلك مدينة عطبرة التي تقاسم القضارف شرف ولادة الانتفاضة.
احتجاجات السودان ليست عشوائية ولا فجائية. فعناصر اختمارها ظلت دوما موجودة. قد يقول قائل، إن البشير تجاوز الكثير من الهزات والاحتجاجات في الماضي، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية الامريكية وضغوط المحكمة الجنائية الدولية، وإن هذه الاحتجاجات سوف لن تختلف عن سابقاتها.
لكن الذي يميز هذه الاحتجاجات هو أن مبعثها مشاكل تمس حياة النخبة المؤيدة لحكم البشير. وليس غريبا أن حدثت تصدعات وتشقاقات في أوساط الحزب الحاكم. أضف لذلك أن ما يميز هذه الاحتجاجات هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة. فالمتظاهرون صوروا ووثقوا كل الجرائم والاعتداءآت بواسطة أجهزة الهاتف والكاميرات كأدلة دامغة تدين النظام محليا ودوليا.
يقول مراقبون إن التظاهرات وحَّدْت بين سائر فصائل المجتمع السوداني قبائلَ وإثنياتْ. حتى المرأة السودانية شاركت بقوة، تتقدم الصفوف رغم العنف والتقتيل. يقول حافظ اسماعيل من Justice Africa Sudan :
" التظاهرات سوف لن تتوقف لسببين: لأن هناك قوة دفع ذاتية ولأن النظام لا يملك حلول يقدمها للناس على الصعيدين السياسي والاقتصادي. نعم سيحاول النظام أن يقدم تنازلات، لكنها ستُرْفَضْ."
ما فاقم مشكلة نظام البشير هو ظهور اتحاد المهنيين، وهو تجمع تصدى لملء الفراغ السياسي الناجم، وكان يخطط لتسليم عريضة للبشير تطالب بزيادة الأجور. يقول محمد يوسف المصطفى الناطق باسم اتحاد المهنيين إن حركة الشارع أجبرتهم على تبني شعار اسقاط النظام.
ماذا سيحدث إذن؟
ستتواصل الاحتجاجات ويتواصل القمع الحكومي. مجموعة الأزمات الدولية طرحت ثلاث خيارات للتغيير (راجع الخيارات في صفحات سودان نايل). وآخرون يقولون أن كل شئ سيعتمد على مدى احساس نظام البشير أن بقاءه في السلطة صار في مهب الريح. عندها يصعب التنبوء بما سيفعل النظام.
https://www.theguardian.com/global-development/2019/jan/17/change-in-peoples-hearts-sudan-crossroads-omar-al-bashir-protests

 

 

آراء