الفجوة بين التخطيط وتنفيذ التخطيط … بقلم: د. طه بامكار
السودان منذ الاستقلال مر بتجارب متأرجحة وغير سارة في التخطيط وتنفيذ التخطيط، مشكلة السودان تكمن في الفجوة بين التخطيط وتنفيذ التخطيط،التنسيق والتواؤم مهم بين التخطيط وتنفيذ التخطيط لتحقيق الأهداف، فبالرغم من الجهود المبذولة لإعداد الخطط الاستراتيجية، فالحال لم يتغير الي الأحسن. فالدول التي انتهجت خطط استراتيجية نفذتها واصبحت دولا يحتذي بها، وماليزيا واحدة من هذه الدول. نحن هنا في السودان قد نكون نجحنا في التخطيط ولكننا فشلنا في تنفيذه. إننا في حاجة إلي مراجعة تنفيذ التخطيط وهذا الامر في غاية الاهمية.ربما تكون تجربة الاستراتيجية القومية الشاملة هي محاولة جادة من حيث التنظير لتخطيط طويل المدي، ومن بعدها جاءت الاستراتيجية القومية ربع القرنية. لكن أحسب أن الخطتين أقرب الي النسخ من التجربة الماليزية في طريقة إعدادهما وفي التصميم. تجربة الاستراتيجية القومية الشاملة أخفقت في تحقيق الرفاهية للشعب السوداني وهذا أمر واضح بل هو واقع نعيش آثاره السالبة في كل انحاء السودان. هذا الفشل كان نتيجة للاخفاق في تنفيذ التخطيط لأن هذه الخطة من حيث التصميم والتنظير معقولة ومقبولة. كانت هذه الاستراتيجية القومية الشاملة نتاج تجربة البرنامج الثلاثي للانقاذ، وهذا البرنامج لم يصاحبه التوفيق لأن التحديات حينها كانت كبيرة ومتعددة. من أكبر التحديات التي واجهت البرنامج الثلاثي للانقاذ هي استمرار حرب الجنوب وانخفاض الدعم الخارجي وارتفاع تكلفة تطبيق الحكم الاتحادي بالاضافة الي الحصار الاقتصادي غير المعلن والهجرة الضخمة من الارياف الي المدن بسبب الفجوة الغذائية وتنامي النزاعات والصراعات في الولايات.
إذا راجعنا المسار في تجربة التخطيط في السودان نجد مخرجاته ونتائجه غير سارة وأن الخلل الكبير ليس في التنظير ولكن الخلل في تنفيذ التخطيط.إذا كان هنالك عقلاء في دست الحكم عليهم أن يراجعوا تجارب تنفيذ التخطيط في السودان. خذوا مثلا ما تقوله ادبيات الاستراتيجية القومية ربع القرنية فيما يخص نتائجها المتوقعة، الهدف العام للاستراتيجية القومية ربع القرنية يستند الي رؤية واضحة تقول (أمة سودانية آمنة موحدة تدير شئونها علي قواعد التعددية السياسية والفيدرالية والتنوع الثقافي والتداول السلمي للسلطة، وتؤسس للاستقرار السياسي بالسلام والوفاق والوحدة الوطنية وكفالة حقوق المواطنة والمساواة للجميع أمام القانون).
السؤال هنا ماهي مخرجات هذه الاستراتيجة في مرحلتها الاولي (2007- 2011 )؟. هل أصبحنا أو إن شئت قل هل إقتربنا من أمة سودانية آمنة موحدة؟ الواقع يقول غير ذلك بل التحديات أصبحت أكبر وأخطر ومتسارعة، والحكومة لا ترغب الا في سماع صدي صوتها.... الحكومة لا تدري ان الذين يمسكون بزمام الملفات الخطيرة أصبحوا غير قادرين علي إبتدار أفكار جديدة، بل أصبح هؤلاء يكررون أفكار قديمة بالية لا تسمن ولا تغني، مخرجات أفكارهم ومبادراتهم مزيد من جبهات القتال والنزاع والصراع غربا وشرقا وجنوب.... للاسف المعطيات كلها تقول ذلك. الجنوب اقرب الي الانفصال رغم انف البرنامج المتعجل للوحدة الجاذبة، وهنا في شمالنا الذي كان متماسكا إشترينا أو قل تسببنا في حرب دارفور وهي أشد وأصعب من حرب الجنوب وهي أقرب الي التدويل. وفي الشمال تراكمت بذور فتن الجهوية والقبلية رغم انف التخطيط الاستراتيجي. وفي شرق السودان بعد أن كدنا نصل الي سلام دائم ظهرت بوادر تململ قد يقود الي تمرد جديد... أرجو ان يجد أمر شرقنا الحبيب حلا دبلوماسيا بدلا من الحسم العسكري الذي لم يسكت البندقية في دارفور. السبب في هذه الحروب كلها هو عدم تنفيذ التخطيط الذي يُنَظِر لعدالة توزيع الثروة والسلطة. يجب ان نواجه الحقيقة، هنالك ظلم واضح في قضايا دارفور وشرق السودان فيما يخص التوزيع العادل للثروة والسلطة. واذا اردتم حلا حاسما عليكم ان تنفذوا ادبيات تنظيركم في الخطة الاستراتيجية القومية ربع القرنية بشفافية. وبعدها يمكن ان تتحقق امة سودانية آمنة موحدة.
Taha Bamkar [tahabamkar@yahoo.com]