الفريق إبراهيم عبود أو ذاك عبود البطل
فيصل بسمة
17 November, 2023
17 November, 2023
بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
المشهد الأول:
المغنية الشعبية السودانية حوآء جاه الرسول و المشهورة بإسم (حَوَّة الطَّقطَاقَة) المتخصصة في غنآء البنات و الدَّلُوكَة و في إحيآء حفلات الأعراس الخآصة تقف تتقدم صفوف جماهير الشعوب السودانية التي تقاطرت في صبيحة اليوم الأول من يناير ١٩٥٦ ميلادية للإحتفال بإستقلال جمهورية السودان من الإستعمار (الإحتلال) البريطاني و الذي كان قد أعلن من داخل البرلمان في التاسع عشر (١٩) من ديسمبر ١٩٥٥ ميلادية ، و قد وثقت تلك اللحظات و الأحداث وحدة أفلام السودان في شرآئط تسجيلية تظهر الجموع و حَوَّة الطَّقطَاقَة تغني و تلوح بيدها و هي مرتدية علم جمهورية السودان القديم ذا الخطوط الزرقآء و الصفرآء و الخضرآء كثوب تلف به جسمها...
حاشية:
و الطقطاقة إسم مشتق من الفعل طَقَّ و تصريفه يَطِّقُّ طَقّاً فهو طَآقٌّ ، و إسم المبالغة هو طَقَّاق و طَقطَاق ، و الطق يفيد إحداث الصوت و الفرقعة و يعني أيضاً النقر و الضرب ، و الطقطاقات في لسان أهل السودان هن المغنيات الشعبيات اللاتي يضربن الدَّلُوكَة (الدفوف) و يغنين في المناسبات و الأعراس حيث ترقص العرآئس على إيقاعات و نغمات غنآءهن ، و كانت الطقطقات قديماً و قبل تبدل الأزمان و الأحوال مصنفات فنياً في درجاتٍ هي أقل بكثير من درجات الفنانين من المغنين و المطربين...
المشهد الثاني:
حزب الأمة يترأس حكومة الآئتلاف في السودان المستقل ، و الإستقلال لم يبلغ عامه الثاني بعد و السيد عبدالله خليل بك رئيس وزرآء جمهورية السودان و القآئد الأعلى للجيش و زعيم حزب الأمة يقوم بتسليم زمام الحكم إلى قآئد أركان الجيش الفريق إبراهيم عبود في السابع عشر (١٧) من نوڨمبر ١٩٥٨ ميلادية بمباركة راعي حزب الأمة و زعيم طآئفة الأنصار السيد عبدالرحمن محمد أحمد الفحل (المهدي) ، و كانت الحجة في التسليم هي الخوف من تآمر/نية/عزيمة مصر على إبتلاع كل القطر السوداني و إعلان الإتحاد بين مصر و السودان...
المشهد الثالث:
الشعوب السودانية لا تحتج على تسلم الفريق إبراهيم عبود و المجلس العسكري المركزي لزمام السلطة و تولي الحكم ، و كانت غالبية الشعوب السودانية ما بين السكوت و القنوع و الخنوع و المباركة ، و حينها كان السكوت من علامات الرضا و التأييد الصامت...
و قد واجهت النظام الجديد العديد من العقبات و التحديات ، و كان أعقدها التصدي لحركة التمرد العسكري المنادية بإنفصال المديريات الجنوبية الثلاث: الإستوآئية و بحر الغزال و أعالي النيل إلا أن النظام الجديد و حكومته و جهازه التنفيذي و رغم التمرد العسكري و الصعوبات الأخرى و قصر فترة الحكم فقد أفلحوا في تحقيق إنجازات تنموية كبيرة ، مما جعل الإقتصاد السوداني يستقر و يزدهر ، و مما جعل الشعوب السودانية في المدن و القرى و البوادي تحس و تعيش تحسن ملحوظ في المعيشة و مستواها ، فقد تم إنشآء المدارس و المستشفيات و المصانع و المشاريع الزراعية و قامت المدن الجديدة ، و ازدهرت الفنون و الآداب و الرياضة ، و توثقت علاقات السودان الخارجية و اتسمت بالتوازن و عدم الإنحياز ، و حازت على التقدير و الإحترام في جميع المحافل الدولية...
المشهد الرابع:
و يبدوا أن المغنية الشعبية حَوَّة الطَّقطَاقَة كانت و إلى جانب غنآء البنات و الدلوكة تعشق الغنآء السياسي و الأجوآء المصاحبة ، فقد ظهرت بقوة في الإعلام من جديد ، و وثقت لها الإذاعة السودانية إحتفآءها بالفريق إبراهيم عبود و مجلسه المركزي بأغنية (عَجَبُونِي) التي تمجد ما قامت به جماعة النظام الجديد و الحكومة من بنآء و إنجازات فشدت مغنيةً:
عَجَبُونِي القَامُو سَوَّا...
على البلد النُّورَها ضَوَّا...
عجبوني أولاد الحِيشَان...
المَلَصُو البدل و القمصان...
التَّرَسُو البحر خِيرَاصَان...
فقد عَجَبَ (أسر و أفرح) حوة ، و الكثير من الشعوب السودانية ، ما قام به الفريق إبراهيم عبود و صحبه في المجلس العسكري المركزي في نشاط و همة حيث أنهم (مَلَصُو البدل و القمصان) و انشغلوا/انخرطوا في البنآء و التعمير ، فقد أقاموا السد الكبير على مجرى النيل الأزرق (تَرَسُو البحر خِيرَاصَان) عند مدينة الرُّوصِيرِص و أنتجوا الكهربآء (البلد النُّورَها ضَوَّا)...
و لم تنفرد حَوَّة الطَّقطَاقَة المغنية الشعبية وحدها بالإحتفآء بالفريق إبراهيم عبود و مجلسه العسكري و حكومته فقد تغنى لهم أيضاً الفنان محمد عثمان وردي صاحب الميول اليسارية الإشتراكية الثورية الغير مخفية حين شدا مغنياً:
في سَبعطَاشَر هب الشعب طرد جلادو...
في سبعطاشر ولى الظلم الله لا عادوا...
في سبعطاشر بُعِثَت ثورتنا السلمية...
لا ضماير تتباع...
لا سادة لا رعاع...
أفرح وطني و هلل و كبر في يوم الحرية...
و قد تغني للنظام الجديد أيضاً مطرب آخر هو المطرب عبدالعزيز محمد دآؤود ، و الذي يعد من ضمن تيار الفنانين الوطنيين العام الغير مصادمين و الملتزمين بحكمة الخَوَّاف ربى عيالو عبر العهود السياسية ، فشدا قآئلاً:
ذاك عبود البطل...
و صحابو كالأمل...
كما تغنى مطرب شعبي قآئلاً:
عبود يا جبل الحديد...
يا صاحب الرأي السديد...
و هذا بعضٌ مما وثق عن الإحتفآء الشعري/الفني/الغنآئي بعهد الفريق إبراهيم عبود و إنجازاته ، و كان النظام قد إتخذ شعار:
(أحكموا علينا بأعمالنا)
رمزاً لتصميمهم على العمل و تحقيق التنمية في بلاد السودان ، و كانوا قد أوسعوا لذلك الشعار حيزاً ثابتاً في صحفيتهم الرسمية اليومية المسماة (الثورة) ، و التي من كبر حجمها و رخص سعرها أسمتها الجماهير (البِرِش بِقِرِش)...
حاشية:
و البرش حصيرة تجدل من سعف النخيل ، أما القرش فوحدة صغيرة من العملة السودانية و تساوي عشرة (١٠) ملاليم...
المشهد الخامس:
حَكَمَ الفريق إبراهيم عبود و مجلسه العسكري المركزي جمهورية السودان حقبة من الزمان بلغت حوالي الست أعوام ، فقد إمتد الحكم من السابع عشر (١٧) من شهر نوڨمبر ١٩٥٨ ميلادية إلى الحادي و العشرين (٢١) من شهر أكتوبر ١٩٦٤ ميلادية و ذلك عندما أطاحت به و نظامه ثورة شعبية ، و كانت شرارة الثورة ندوة سياسية عن الحرب الأهلية في جنوب السودان في داخليات طلبة جامعة الخرطوم ، و قد قامت قوات الشرطة بفض الندوة بقوة السلاح ، و جرآء ذلك التدخل العنيف سقط صريعاً برصاص قوات الشرطة الطالب الجامعي أحمد القرشي ، و كانت تلك هي الشرارة التي أشعلت الثورة و أدت إلى إشتعال المظاهرات في كل أنحآء بلاد السودان التي نددت بالفريق إبراهيم عبود و المجلس العسكري و نظام حكمه ”القمعي“ و طالبت برحيله و عودة العسكر إلى الثكنات ، و قد تصاعدت الإحتجاجات و درجات القمع فسقطت أعداد من القتلى ، تعد على أصابع اليد ، في العاصمة و عدة مدن فما كان من الفريق إبراهيم عبود إلا أن تنحى عن السلطة في مشهد معبر وثقته وحدة أفلام السودان...
المشهد السادس:
الرئيس إبراهيم عبود يتشاور مع أركان المجلس العسكري المركزي ، و وحدة أفلام السودان توثق وقوفه في قاعة في القصر الجمهوري يعلن التنحي (التنازل) عن الحكم ، و قد وثق أنه قال حينئذ:
(نِحنَا جِينَا لخدمة الشعب... فإذا الشعب لا يرغب أن نخدمه فعلينا بالتنحي...)
و قد ذكرت الروايات أنه و عندما بلغه رفض الشعوب السودانية لحكمه أيضاً قال:
(طالما أن الشعب لا يريدنا فنحن كذلك لا نريد أن نحكمه... خلاص نمشي... و مع السلامة...)
و هكذا يعلن الفريق إبراهيم عبود التنحي/التنازل عن الحكم و حل المجلس العسكري المركزي و تسليم السلطة لحكومة آئتلاف مدني أطلق عليه مسمى (جبهة الهيئات السياسية) ، و قد تكونت الجبهة من النقابات و الأحزاب السياسية ، و جبهة الهيئات هي الجهة التي قامت بتعيين مجلس سيادة من خمسة أعضآء و مجلس وزرآء برئاسة سياسي مستقل هو السيد سرالختم الخليفة...
المشهد السابع:
تسآءل بعضٌ من المراقبين عن هل كان حكم الفريق إبراهيم عبود تسليم و تسلم أم إنقلاب أم ثورة؟...
- سياسياً:
سيطر الفريق إبراهيم عبود و مجلسه العسكري المركزي على السلطة و تولى الحكم (بأمر) من رئيس الوزرآء المنتخب آنذاك السيد عبدالله خليل ، و بهذا يكون الأمر هو قرار (تسليم) السلطة من السيد عبدالله خليل بحكم منصبه كرئيس للوزرآء و قآئد أعلى للجيش و أمره قآئد أركان الجيش الفريق إبراهيم عبود بـ(تسلم) زمام السلطة و من ثم حكم البلاد...
و مما يدعم ذلك الإعتقاد موافقة و تأييد زعامات سياسية و طآئفية في حزب الأمة و من جماعة الأنصار للتسليم و (الإنقلاب) على الوضع الشرعي و الدستور و تسليم السلطة للعسكر بحجة حماية البلاد من التآمرات التي تحاك لضم السودان إلى مصر...
- إدارياً/قانونياً:
موافقة الفريق إبراهيم عبود على إستلام السلطة من الحكومة المدنية المنتخبة و تولي الحكم يعد و ببساطة (إنقلاب) على الشرعية السياسية المنتخبة و الدستور ، و ما تلى ذلك من إلغآء لبعض القوانين و التشريعات مثل وقف العمل بالدستور و تقييد حريات المعارضين السياسيين يعتبر قانونياً (إنقلاب) غير شرعي على الشرعية الدستورية...
- عملياً:
إن نظام الفريق إبراهيم عبود في السابع عشر من نوڨمبر ١٩٥٨ ميلادية كان عملية تسليم و تسلم للسلطة و آليات الحكم و إدارة البلاد...
- وجهة نظر:
يمكن إعتبار ما حدث (تغيير) ، و التغيير في نظر الكثيرين ثورة ، و النظام ثورة هذا إن كانت الثورة تعني الخروج على الوضع الراهن و التطلع إلى غدٍ أفضل ، و معلومٌ أن من شروط الثورة و أهدافها الأساسية هو التغيير الكامل أو الجزئي ، و الثورة تقوم بها (جماعة) أو (فئة) أو (طآئفة) تربطها مصالح مشتركة ، و قد تكون المصالح أيدلوجية أو إقتصادية أو دينية أو عرقية أو مهنية ، و كان الفريق إبراهيم عبود و (جماعته) من (فئة/مهنة) العسكر توافقت مع (طآئفة) الأنصار الدينية/الإجتماعية...
- رأي آخر:
إن ما حدث ربما كان في الأساس إنقلاباً و ثورةً في ذات الوقت بحكم أنه قد حدث تغيير و خروج على ما سبق من نظام حكم/سلطة أو كيان دولة...
- ختاماً/إجمالاً:
إن ما حدث كان إبتدآءً (تسليم و تسلم) إداري و ربما قانوني ، تم من خلاله تثبيت أركان نظام جديد عسكري غير منتخب بـ(إنقلاب) تآم/واضح على الشرعية الدستورية المنتخبة بمعرفة و تواطؤ و مبادرة رئيس الوزرآء المنتخب و المدعوم سياسياً براعي حزب الأمة الذي يشغل في ذات الوقت منصب زعيم طآئفة الأنصار الدينية البالغة النفوذ الإجتماعي و ذات القاعدة الجماهيرية الكبيرة/العريضة ، و قد يضيف بعض/كثير من المراقبين أنه قد أعقب ذلك (تغيير و ثورة) تنموية موثقة و مؤكدة الدلآئل و الشواهد و الآثار إنتظمت جميع ربوع بلاد السودان...
المشهد الثامن:
قام نظام الفريق إبراهيم عبود بإنجاز الكثير من المشاريع التنموية الضخمة في سنوات عمر حكمه القصير بمقاييس الزمان و البالغ ستة أعوام ، فقد انتظمت بلاد السودان ، خلال ذلك العهد ، مشاريع التنمية العديدة الناجحة في التعليم و الصحة و الصناعة و الزراعة و النشاطات المجتمعية و الثقافة و الفنون و الرياضة ، و ازدهر الإقتصاد القومي و ارتفعت الدخول ، و انتقل أفراد و أسر و جماعات إلى أعلى السلم الإجتماعي و الإقتصادي ، و انتعشت التجارة و امتلأت الأسواق بالسلع ، و ازدهرت مجتمعات في الحضر و البادية و بانت عليها آثار الرفاهية في المسكن و المأكل و الملبس و المسلك ، و توسعت المدن و القرى و انتعشت الفنون و الرياضة ، كما ازدهرت و نمت علاقات السودان الخارجية و توثقت مع العديد من الدول تحت مباديء التوازن و عدم الإنحياز...
المشهد التاسع:
دخلت بلاد السودان ، فعلياً و عملياً ، في مرحلة إزدهار إتسمت بالتخطيط و العمران ، و كانت الإنجازات البآئنة في التعليم و الصحة و الزراعة و الطاقة و التصنيع و الثقافة و الرياضة و العمران السكاني ، فكانت الأمثلة:
أ- خزانات سدود و إنتاج الكهربآء و مشاريع الري:
- خزان الرُّوصِيرِص
- خزان خَشْمْ القِرْبَة
- مشروع كهربآء خزان سنار
- محطة كهربآء بري الحرارية
ب- المدن الجديدة:
- مدينة ٢٤ عبود (٢٤ القرشي لاحقاً)
- مدينة خشم القربة (حلفا الجديدة)
ت- المشاريع الزراعية:
- إمتداد مشروع المناقل الزراعي
- مشروع خشم القربة الزراعي
- مشاريع الزراعة الآلية في مناطق الدَّالِي و المَزمُوم و أَقَدِي
ث- مركز الأبحاث البيطرية في سُوبَا
ج- المصانع:
- مصانع السكر: الجِنِيد و حَلفَا الجديدة و مَلُّوط
- مصانع تعليب الفواكه: وَاو و كَرِيمَة
- مصنع كرتون أَرُومَا
- مصنع ألبان بَابَنُوسَة
- مصنع تجفيف البصل في كَسَلا
- مصانع النسيج في: أَنزَارَا و النسيج السوداني في الخرطوم بحري
- مصنع صك العملة
- مصانع الدوآء
- مصانع القطاع الخآص العديدة
ح- مناشير الأخشاب في جنوب السودان
خ- النقل و المواصلات:
- الخطوط الجوية السودانية و الخطوط البحرية السودانية
- مد خطوط السكك الحديدية جنوباً حتى مدينة واو ، و غرباً حتى مدينة نيالا و إحلال قاطرات الديزل مكان القاطرات البخارية
- الطريق المسفلت الرابط بين مدينتي ود مدني و الخرطوم ، و هو جزء من المعونة الأمريكية المقدمة للحكومة السودانية
- كبري شَمبَات
- إضافة أجنحة جديدة في كبري النيل الأبيض القديم
د- التربية و التعليم و البعوث:
- مجانية التعليم
- إنشآء المدارس الأولية و المتوسطة و الثانوية و الصناعية
- آنشآء كليات التعليم الفني و التدريب المهني
- البعوث التعليمية و التدريبية إلى العديد من دول العالم في الغرب و الشرق
ذ- إنشآء البنوك:
- بنك السودان المركزي
- البنك التجاري
- البنك الصناعي
- البنك الزراعي
- البنك العقاري
ر- مشروعات الإسكان في العاصمة المثلثة:
- المساكن الشعبية في بحري
- مدينة الثورة في أم درمان
- الإمتدادات و حي العمارات في الخرطوم
- شبكة مجاري مدينة الخرطوم و مشروع الحزام الأخضر
ز- الإمتدادات السكنية الجديدة في الكثير من المدن السودانية
س- إنشآء الساحات و الحدآئق العامة في مختلف المدن (جناين عبود) و تطوير المدن كالإنارة و الطرق و المياه ، هذا عدا الإحتفالات و الكرنڨالات التي لم تشهدها/تشاهدها البلاد من قبل
ش- إنشآء تلڨزيون السودان القومي في مدينة أم درمان بمنحة من الحكومة الألمانية
ص- بنآء المسرح القومي أم درمان و مسارح الأقاليم
ض- الإهتمام بالرياضة و تخصيص وزارة لذلك الغرض و إنشآء العديد من الملاعب و مراكز الشباب ، و الزيارات الراتبة لفرق كرة القدم الأجنبية و الفرق الفنية و الشخصيات الأدبية للسودان
ط- تطوير الخدمات الصحية و إنشآء المستشفيات الجديدة و المراكز الصحية و الشفاخانات:
- مستشفيات الشعب و مستشفى سوبا الجامعي و مستشفى بحري الريفي كأمثلة ، هذا غير العنابر الجديدة في المستشفيات القديمة و المراكز الصحية الجديدة و الشفاخانات في مختلف المدن و القرى
ع- تشجيع العمل الخآص و التجارة
و قد عكست الأعمال و المشاريع الكثيرة و العلاقات الواسعة الجيدة التي رسخها النظام الجديد في تعامله الموزون و الغير منحاز مع الدول حول العالم ثورة البنآء و التنمية و التعمير التي إنتظمت بلاد السودان حتى أطلقت الجماهير على نظام الفريق إبراهيم عبود إسم ثورة سبعطاشر نوڨمبر...
المشهد العاشر:
في عهد الفريق إبراهيم عبود كان القضآء مستقلاً على الرغم من تكبيل الحريات السياسية ، و كانت الخدمة المدنية مستقلة و فعالة و نزيهة و منضبطة ، و كان هنالك توسع في سلطات الحكم المحلي ، و في السياسة الخارجية إتبع النظام سياسة عدم الإنحياز ، و كان للسودان سياسات متوازنة و علاقات خارجية جيدة و إيجابية مع العديد من الدول في كل أرجآء العالم الرأسمالي في المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و مع المعسكر الشرقي و العالم الإشتراكي بزعامة الإتحاد السوڨيتي و جمهورية الصين الشعبية...
و نتيجة لتلك السياسات الموزونة كان للسودان علاقات جيدة و متوازنة مع كل الدول الفاعلة في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة المتحدة (بريطانيا) و جمهورية ألمانيا الإتحادية (الغربية) و الإتحاد السوڨيتي و جمهورية الصين الشعبية ، و تشهد بذلك الزيارات المتبادلة العديدة التي قام بها الفريق إبراهيم عبود إلى: الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة المتحدة و ألمانيا و الإتحاد السوڨيتي و جمهورية الصين الشعبية و جمهورية يوغوسلاڨيا ، و قدوم العديد من ملوك و روؤسآء و وفود البلدان إلى السودان مثل زيارات: الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا و الرئيس السوڨيتي ليونيد بريجنيف و شوان لاي رئيس وزرآء جمهورية الصين الشعبية و الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو و غيرهم...
المشهد الحادي عشر:
لم تكن كل حقبة حكم الفريق إبراهيم عبود دوماً (وردية) فقد رصدت لنظامه العديد من الإخفاقات مثل:
- الفشل في معالجة مشكلة الجنوب بل المساهمة في إزكآء نيران الحرب الأهلية بسبب سياسات القمع العسكري و التعريب و الأسلمة
- الفساد السياسي و قمع المعارضين
- إتفاقية مياه النيل المجحفة مع مصر
- إتفاقية حلفا و السد العالي و الموافقة على قيام بحيرة السد داخل الأراضي السودانية
- تهجير سكان حلفا القديمة و المناطق المتأثرة ببحيرة السد إلى خشم القربة (حلفا الجديدة)
- مشكلة الكونغو و الإتهام بالتواطؤ في إزاحة و إغتيال الزعيم بياتريس لوممبا رئيس الوزرآء المنتخب
المشهد الثاني عشر:
كل تلك الإنجازات الهآئلة و السياسات الخارجية المحايدة ، الموزونة و المتزنة لم تشفع لنظام الفريق إبراهيم عبود لما تعاظم القمع السياسي و الأمني فكانت ثورة الحادي و العشرين (٢١) من أكتوبر ١٩٦٤ ميلادية...
المشهد الثالث عشر:
بعد زوال نظام الفريق إبراهيم عبود جآءت إفادات و شهادات عديدة من خصومه السياسيين من جبهة الهيئات السياسية التي إستلمت منه السلطة:
فقد خط السياسي و القيادي الإتحادي المرموق السيد سيد أحمد الحَسِين ، الذي شارك في ثلاث تجارب ديمقراطية ، و تولى مناصب حزبية و تنفيذية مهمة ، تعليقات أمينة عن الفريق إبراهيم عبود و عهده جآء فيها:
(رغم أنه حكم عسكري إلا أنه كان حكم عقلآء ، حكم شرفآء ، أياديهم نظيفة ، لم يفسدوا إطلاقاً ، و لم يخرجوا عن المألوف)
و علق الصحافي المخضرم ذو الميول اليسارية الأستاذ محجوب محمد صالح و الذي خدم لفترة في نظام الطاغية جعفر محمد نميري:
(الفريق إبراهيم عبود من الشخصيات التي لم تغيرها السلطة ، دخلها كرجل بسيط و ضابط منضبط و عسكري مهني عاش بنفس صفاته تلك إبان حكمه ، لم يحاول أن يبحث عن أضوآء أو أن يفرض نفسه أو يدعي شيئاً ، عاش حياة بسيطة حتى وفاته)
و أدلى الأستاذ المربي و الإعلامي المعروف محمد سعيد معروف بشهادته فقال:
(إحترم الرئيس إبراهيم عبود إستقلالية الخدمة المدنية ، لذلك كان التشريد و الفصل في عهده أقل ما يمكن بالنسبة لكل العهود ، لم يتدخل مطلقاً في الخدمة المدنية أو في القضآء ، فظل القضآء محافظاً على إستقلاله و على دوره القيادي)
و جآءت شهادة السياسي منصور خالد الذي أفنى عمره في خدمة: الطاغية جعفر محمد نميري و المتمرد العقيد جون قرنق دي مبيور و الطاغية عمر البشير و النظام الجديد في جمهورية جنوب السودان:
(كان قرار الرئيس إبراهيم عبود بالتنحي عن الحكم هو قرار الرجل السوداني الكبير الذي يدرك معاني التراحم ، فقد أبى أن يكون البقآء على أجداث الرجال)
المشهد الرابع عشر و الأخير:
ذلك هو الفريق إبراهيم عبود (البطل) الذي خاطبته الجماهير ، بصدق و عفوية ، بينما هو يتجول متسوقاً بنفسه في زنك الخضار و اللحمة في سوق الخرطوم و ذلك بعد عزله بسنوات:
ضَيَّعنَاك يا ريس و ضعنا وَرَاك...
ذلك هو عبود البطل الذي (أعجب) به صاحبنا و كثيرون إعجاباً عظيماً و ذلك لوطنيته و صدقه و نزاهته و إنجازاته العديدة و إنسانيته و إنحيازه إلى مصلحة الشعوب السودانية ، ذلك هو عبود (البطل) و ذلكم أصحابه (الأمل) الذين لم تفسد غالبيتهم إغرآءات: السلطة و النفوذ و المال ، و الذين (ملصوا البدل و القمصان) و ساهموا مساهمة كبيرة و فعالة في البنآء و العمران (ترسوا البحر خيراصان) ، فللبطل و صحابه التحية و الإحترام و التقدير ، و عليهم رحمة واسعة من الله و رضوان...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
المشهد الأول:
المغنية الشعبية السودانية حوآء جاه الرسول و المشهورة بإسم (حَوَّة الطَّقطَاقَة) المتخصصة في غنآء البنات و الدَّلُوكَة و في إحيآء حفلات الأعراس الخآصة تقف تتقدم صفوف جماهير الشعوب السودانية التي تقاطرت في صبيحة اليوم الأول من يناير ١٩٥٦ ميلادية للإحتفال بإستقلال جمهورية السودان من الإستعمار (الإحتلال) البريطاني و الذي كان قد أعلن من داخل البرلمان في التاسع عشر (١٩) من ديسمبر ١٩٥٥ ميلادية ، و قد وثقت تلك اللحظات و الأحداث وحدة أفلام السودان في شرآئط تسجيلية تظهر الجموع و حَوَّة الطَّقطَاقَة تغني و تلوح بيدها و هي مرتدية علم جمهورية السودان القديم ذا الخطوط الزرقآء و الصفرآء و الخضرآء كثوب تلف به جسمها...
حاشية:
و الطقطاقة إسم مشتق من الفعل طَقَّ و تصريفه يَطِّقُّ طَقّاً فهو طَآقٌّ ، و إسم المبالغة هو طَقَّاق و طَقطَاق ، و الطق يفيد إحداث الصوت و الفرقعة و يعني أيضاً النقر و الضرب ، و الطقطاقات في لسان أهل السودان هن المغنيات الشعبيات اللاتي يضربن الدَّلُوكَة (الدفوف) و يغنين في المناسبات و الأعراس حيث ترقص العرآئس على إيقاعات و نغمات غنآءهن ، و كانت الطقطقات قديماً و قبل تبدل الأزمان و الأحوال مصنفات فنياً في درجاتٍ هي أقل بكثير من درجات الفنانين من المغنين و المطربين...
المشهد الثاني:
حزب الأمة يترأس حكومة الآئتلاف في السودان المستقل ، و الإستقلال لم يبلغ عامه الثاني بعد و السيد عبدالله خليل بك رئيس وزرآء جمهورية السودان و القآئد الأعلى للجيش و زعيم حزب الأمة يقوم بتسليم زمام الحكم إلى قآئد أركان الجيش الفريق إبراهيم عبود في السابع عشر (١٧) من نوڨمبر ١٩٥٨ ميلادية بمباركة راعي حزب الأمة و زعيم طآئفة الأنصار السيد عبدالرحمن محمد أحمد الفحل (المهدي) ، و كانت الحجة في التسليم هي الخوف من تآمر/نية/عزيمة مصر على إبتلاع كل القطر السوداني و إعلان الإتحاد بين مصر و السودان...
المشهد الثالث:
الشعوب السودانية لا تحتج على تسلم الفريق إبراهيم عبود و المجلس العسكري المركزي لزمام السلطة و تولي الحكم ، و كانت غالبية الشعوب السودانية ما بين السكوت و القنوع و الخنوع و المباركة ، و حينها كان السكوت من علامات الرضا و التأييد الصامت...
و قد واجهت النظام الجديد العديد من العقبات و التحديات ، و كان أعقدها التصدي لحركة التمرد العسكري المنادية بإنفصال المديريات الجنوبية الثلاث: الإستوآئية و بحر الغزال و أعالي النيل إلا أن النظام الجديد و حكومته و جهازه التنفيذي و رغم التمرد العسكري و الصعوبات الأخرى و قصر فترة الحكم فقد أفلحوا في تحقيق إنجازات تنموية كبيرة ، مما جعل الإقتصاد السوداني يستقر و يزدهر ، و مما جعل الشعوب السودانية في المدن و القرى و البوادي تحس و تعيش تحسن ملحوظ في المعيشة و مستواها ، فقد تم إنشآء المدارس و المستشفيات و المصانع و المشاريع الزراعية و قامت المدن الجديدة ، و ازدهرت الفنون و الآداب و الرياضة ، و توثقت علاقات السودان الخارجية و اتسمت بالتوازن و عدم الإنحياز ، و حازت على التقدير و الإحترام في جميع المحافل الدولية...
المشهد الرابع:
و يبدوا أن المغنية الشعبية حَوَّة الطَّقطَاقَة كانت و إلى جانب غنآء البنات و الدلوكة تعشق الغنآء السياسي و الأجوآء المصاحبة ، فقد ظهرت بقوة في الإعلام من جديد ، و وثقت لها الإذاعة السودانية إحتفآءها بالفريق إبراهيم عبود و مجلسه المركزي بأغنية (عَجَبُونِي) التي تمجد ما قامت به جماعة النظام الجديد و الحكومة من بنآء و إنجازات فشدت مغنيةً:
عَجَبُونِي القَامُو سَوَّا...
على البلد النُّورَها ضَوَّا...
عجبوني أولاد الحِيشَان...
المَلَصُو البدل و القمصان...
التَّرَسُو البحر خِيرَاصَان...
فقد عَجَبَ (أسر و أفرح) حوة ، و الكثير من الشعوب السودانية ، ما قام به الفريق إبراهيم عبود و صحبه في المجلس العسكري المركزي في نشاط و همة حيث أنهم (مَلَصُو البدل و القمصان) و انشغلوا/انخرطوا في البنآء و التعمير ، فقد أقاموا السد الكبير على مجرى النيل الأزرق (تَرَسُو البحر خِيرَاصَان) عند مدينة الرُّوصِيرِص و أنتجوا الكهربآء (البلد النُّورَها ضَوَّا)...
و لم تنفرد حَوَّة الطَّقطَاقَة المغنية الشعبية وحدها بالإحتفآء بالفريق إبراهيم عبود و مجلسه العسكري و حكومته فقد تغنى لهم أيضاً الفنان محمد عثمان وردي صاحب الميول اليسارية الإشتراكية الثورية الغير مخفية حين شدا مغنياً:
في سَبعطَاشَر هب الشعب طرد جلادو...
في سبعطاشر ولى الظلم الله لا عادوا...
في سبعطاشر بُعِثَت ثورتنا السلمية...
لا ضماير تتباع...
لا سادة لا رعاع...
أفرح وطني و هلل و كبر في يوم الحرية...
و قد تغني للنظام الجديد أيضاً مطرب آخر هو المطرب عبدالعزيز محمد دآؤود ، و الذي يعد من ضمن تيار الفنانين الوطنيين العام الغير مصادمين و الملتزمين بحكمة الخَوَّاف ربى عيالو عبر العهود السياسية ، فشدا قآئلاً:
ذاك عبود البطل...
و صحابو كالأمل...
كما تغنى مطرب شعبي قآئلاً:
عبود يا جبل الحديد...
يا صاحب الرأي السديد...
و هذا بعضٌ مما وثق عن الإحتفآء الشعري/الفني/الغنآئي بعهد الفريق إبراهيم عبود و إنجازاته ، و كان النظام قد إتخذ شعار:
(أحكموا علينا بأعمالنا)
رمزاً لتصميمهم على العمل و تحقيق التنمية في بلاد السودان ، و كانوا قد أوسعوا لذلك الشعار حيزاً ثابتاً في صحفيتهم الرسمية اليومية المسماة (الثورة) ، و التي من كبر حجمها و رخص سعرها أسمتها الجماهير (البِرِش بِقِرِش)...
حاشية:
و البرش حصيرة تجدل من سعف النخيل ، أما القرش فوحدة صغيرة من العملة السودانية و تساوي عشرة (١٠) ملاليم...
المشهد الخامس:
حَكَمَ الفريق إبراهيم عبود و مجلسه العسكري المركزي جمهورية السودان حقبة من الزمان بلغت حوالي الست أعوام ، فقد إمتد الحكم من السابع عشر (١٧) من شهر نوڨمبر ١٩٥٨ ميلادية إلى الحادي و العشرين (٢١) من شهر أكتوبر ١٩٦٤ ميلادية و ذلك عندما أطاحت به و نظامه ثورة شعبية ، و كانت شرارة الثورة ندوة سياسية عن الحرب الأهلية في جنوب السودان في داخليات طلبة جامعة الخرطوم ، و قد قامت قوات الشرطة بفض الندوة بقوة السلاح ، و جرآء ذلك التدخل العنيف سقط صريعاً برصاص قوات الشرطة الطالب الجامعي أحمد القرشي ، و كانت تلك هي الشرارة التي أشعلت الثورة و أدت إلى إشتعال المظاهرات في كل أنحآء بلاد السودان التي نددت بالفريق إبراهيم عبود و المجلس العسكري و نظام حكمه ”القمعي“ و طالبت برحيله و عودة العسكر إلى الثكنات ، و قد تصاعدت الإحتجاجات و درجات القمع فسقطت أعداد من القتلى ، تعد على أصابع اليد ، في العاصمة و عدة مدن فما كان من الفريق إبراهيم عبود إلا أن تنحى عن السلطة في مشهد معبر وثقته وحدة أفلام السودان...
المشهد السادس:
الرئيس إبراهيم عبود يتشاور مع أركان المجلس العسكري المركزي ، و وحدة أفلام السودان توثق وقوفه في قاعة في القصر الجمهوري يعلن التنحي (التنازل) عن الحكم ، و قد وثق أنه قال حينئذ:
(نِحنَا جِينَا لخدمة الشعب... فإذا الشعب لا يرغب أن نخدمه فعلينا بالتنحي...)
و قد ذكرت الروايات أنه و عندما بلغه رفض الشعوب السودانية لحكمه أيضاً قال:
(طالما أن الشعب لا يريدنا فنحن كذلك لا نريد أن نحكمه... خلاص نمشي... و مع السلامة...)
و هكذا يعلن الفريق إبراهيم عبود التنحي/التنازل عن الحكم و حل المجلس العسكري المركزي و تسليم السلطة لحكومة آئتلاف مدني أطلق عليه مسمى (جبهة الهيئات السياسية) ، و قد تكونت الجبهة من النقابات و الأحزاب السياسية ، و جبهة الهيئات هي الجهة التي قامت بتعيين مجلس سيادة من خمسة أعضآء و مجلس وزرآء برئاسة سياسي مستقل هو السيد سرالختم الخليفة...
المشهد السابع:
تسآءل بعضٌ من المراقبين عن هل كان حكم الفريق إبراهيم عبود تسليم و تسلم أم إنقلاب أم ثورة؟...
- سياسياً:
سيطر الفريق إبراهيم عبود و مجلسه العسكري المركزي على السلطة و تولى الحكم (بأمر) من رئيس الوزرآء المنتخب آنذاك السيد عبدالله خليل ، و بهذا يكون الأمر هو قرار (تسليم) السلطة من السيد عبدالله خليل بحكم منصبه كرئيس للوزرآء و قآئد أعلى للجيش و أمره قآئد أركان الجيش الفريق إبراهيم عبود بـ(تسلم) زمام السلطة و من ثم حكم البلاد...
و مما يدعم ذلك الإعتقاد موافقة و تأييد زعامات سياسية و طآئفية في حزب الأمة و من جماعة الأنصار للتسليم و (الإنقلاب) على الوضع الشرعي و الدستور و تسليم السلطة للعسكر بحجة حماية البلاد من التآمرات التي تحاك لضم السودان إلى مصر...
- إدارياً/قانونياً:
موافقة الفريق إبراهيم عبود على إستلام السلطة من الحكومة المدنية المنتخبة و تولي الحكم يعد و ببساطة (إنقلاب) على الشرعية السياسية المنتخبة و الدستور ، و ما تلى ذلك من إلغآء لبعض القوانين و التشريعات مثل وقف العمل بالدستور و تقييد حريات المعارضين السياسيين يعتبر قانونياً (إنقلاب) غير شرعي على الشرعية الدستورية...
- عملياً:
إن نظام الفريق إبراهيم عبود في السابع عشر من نوڨمبر ١٩٥٨ ميلادية كان عملية تسليم و تسلم للسلطة و آليات الحكم و إدارة البلاد...
- وجهة نظر:
يمكن إعتبار ما حدث (تغيير) ، و التغيير في نظر الكثيرين ثورة ، و النظام ثورة هذا إن كانت الثورة تعني الخروج على الوضع الراهن و التطلع إلى غدٍ أفضل ، و معلومٌ أن من شروط الثورة و أهدافها الأساسية هو التغيير الكامل أو الجزئي ، و الثورة تقوم بها (جماعة) أو (فئة) أو (طآئفة) تربطها مصالح مشتركة ، و قد تكون المصالح أيدلوجية أو إقتصادية أو دينية أو عرقية أو مهنية ، و كان الفريق إبراهيم عبود و (جماعته) من (فئة/مهنة) العسكر توافقت مع (طآئفة) الأنصار الدينية/الإجتماعية...
- رأي آخر:
إن ما حدث ربما كان في الأساس إنقلاباً و ثورةً في ذات الوقت بحكم أنه قد حدث تغيير و خروج على ما سبق من نظام حكم/سلطة أو كيان دولة...
- ختاماً/إجمالاً:
إن ما حدث كان إبتدآءً (تسليم و تسلم) إداري و ربما قانوني ، تم من خلاله تثبيت أركان نظام جديد عسكري غير منتخب بـ(إنقلاب) تآم/واضح على الشرعية الدستورية المنتخبة بمعرفة و تواطؤ و مبادرة رئيس الوزرآء المنتخب و المدعوم سياسياً براعي حزب الأمة الذي يشغل في ذات الوقت منصب زعيم طآئفة الأنصار الدينية البالغة النفوذ الإجتماعي و ذات القاعدة الجماهيرية الكبيرة/العريضة ، و قد يضيف بعض/كثير من المراقبين أنه قد أعقب ذلك (تغيير و ثورة) تنموية موثقة و مؤكدة الدلآئل و الشواهد و الآثار إنتظمت جميع ربوع بلاد السودان...
المشهد الثامن:
قام نظام الفريق إبراهيم عبود بإنجاز الكثير من المشاريع التنموية الضخمة في سنوات عمر حكمه القصير بمقاييس الزمان و البالغ ستة أعوام ، فقد انتظمت بلاد السودان ، خلال ذلك العهد ، مشاريع التنمية العديدة الناجحة في التعليم و الصحة و الصناعة و الزراعة و النشاطات المجتمعية و الثقافة و الفنون و الرياضة ، و ازدهر الإقتصاد القومي و ارتفعت الدخول ، و انتقل أفراد و أسر و جماعات إلى أعلى السلم الإجتماعي و الإقتصادي ، و انتعشت التجارة و امتلأت الأسواق بالسلع ، و ازدهرت مجتمعات في الحضر و البادية و بانت عليها آثار الرفاهية في المسكن و المأكل و الملبس و المسلك ، و توسعت المدن و القرى و انتعشت الفنون و الرياضة ، كما ازدهرت و نمت علاقات السودان الخارجية و توثقت مع العديد من الدول تحت مباديء التوازن و عدم الإنحياز...
المشهد التاسع:
دخلت بلاد السودان ، فعلياً و عملياً ، في مرحلة إزدهار إتسمت بالتخطيط و العمران ، و كانت الإنجازات البآئنة في التعليم و الصحة و الزراعة و الطاقة و التصنيع و الثقافة و الرياضة و العمران السكاني ، فكانت الأمثلة:
أ- خزانات سدود و إنتاج الكهربآء و مشاريع الري:
- خزان الرُّوصِيرِص
- خزان خَشْمْ القِرْبَة
- مشروع كهربآء خزان سنار
- محطة كهربآء بري الحرارية
ب- المدن الجديدة:
- مدينة ٢٤ عبود (٢٤ القرشي لاحقاً)
- مدينة خشم القربة (حلفا الجديدة)
ت- المشاريع الزراعية:
- إمتداد مشروع المناقل الزراعي
- مشروع خشم القربة الزراعي
- مشاريع الزراعة الآلية في مناطق الدَّالِي و المَزمُوم و أَقَدِي
ث- مركز الأبحاث البيطرية في سُوبَا
ج- المصانع:
- مصانع السكر: الجِنِيد و حَلفَا الجديدة و مَلُّوط
- مصانع تعليب الفواكه: وَاو و كَرِيمَة
- مصنع كرتون أَرُومَا
- مصنع ألبان بَابَنُوسَة
- مصنع تجفيف البصل في كَسَلا
- مصانع النسيج في: أَنزَارَا و النسيج السوداني في الخرطوم بحري
- مصنع صك العملة
- مصانع الدوآء
- مصانع القطاع الخآص العديدة
ح- مناشير الأخشاب في جنوب السودان
خ- النقل و المواصلات:
- الخطوط الجوية السودانية و الخطوط البحرية السودانية
- مد خطوط السكك الحديدية جنوباً حتى مدينة واو ، و غرباً حتى مدينة نيالا و إحلال قاطرات الديزل مكان القاطرات البخارية
- الطريق المسفلت الرابط بين مدينتي ود مدني و الخرطوم ، و هو جزء من المعونة الأمريكية المقدمة للحكومة السودانية
- كبري شَمبَات
- إضافة أجنحة جديدة في كبري النيل الأبيض القديم
د- التربية و التعليم و البعوث:
- مجانية التعليم
- إنشآء المدارس الأولية و المتوسطة و الثانوية و الصناعية
- آنشآء كليات التعليم الفني و التدريب المهني
- البعوث التعليمية و التدريبية إلى العديد من دول العالم في الغرب و الشرق
ذ- إنشآء البنوك:
- بنك السودان المركزي
- البنك التجاري
- البنك الصناعي
- البنك الزراعي
- البنك العقاري
ر- مشروعات الإسكان في العاصمة المثلثة:
- المساكن الشعبية في بحري
- مدينة الثورة في أم درمان
- الإمتدادات و حي العمارات في الخرطوم
- شبكة مجاري مدينة الخرطوم و مشروع الحزام الأخضر
ز- الإمتدادات السكنية الجديدة في الكثير من المدن السودانية
س- إنشآء الساحات و الحدآئق العامة في مختلف المدن (جناين عبود) و تطوير المدن كالإنارة و الطرق و المياه ، هذا عدا الإحتفالات و الكرنڨالات التي لم تشهدها/تشاهدها البلاد من قبل
ش- إنشآء تلڨزيون السودان القومي في مدينة أم درمان بمنحة من الحكومة الألمانية
ص- بنآء المسرح القومي أم درمان و مسارح الأقاليم
ض- الإهتمام بالرياضة و تخصيص وزارة لذلك الغرض و إنشآء العديد من الملاعب و مراكز الشباب ، و الزيارات الراتبة لفرق كرة القدم الأجنبية و الفرق الفنية و الشخصيات الأدبية للسودان
ط- تطوير الخدمات الصحية و إنشآء المستشفيات الجديدة و المراكز الصحية و الشفاخانات:
- مستشفيات الشعب و مستشفى سوبا الجامعي و مستشفى بحري الريفي كأمثلة ، هذا غير العنابر الجديدة في المستشفيات القديمة و المراكز الصحية الجديدة و الشفاخانات في مختلف المدن و القرى
ع- تشجيع العمل الخآص و التجارة
و قد عكست الأعمال و المشاريع الكثيرة و العلاقات الواسعة الجيدة التي رسخها النظام الجديد في تعامله الموزون و الغير منحاز مع الدول حول العالم ثورة البنآء و التنمية و التعمير التي إنتظمت بلاد السودان حتى أطلقت الجماهير على نظام الفريق إبراهيم عبود إسم ثورة سبعطاشر نوڨمبر...
المشهد العاشر:
في عهد الفريق إبراهيم عبود كان القضآء مستقلاً على الرغم من تكبيل الحريات السياسية ، و كانت الخدمة المدنية مستقلة و فعالة و نزيهة و منضبطة ، و كان هنالك توسع في سلطات الحكم المحلي ، و في السياسة الخارجية إتبع النظام سياسة عدم الإنحياز ، و كان للسودان سياسات متوازنة و علاقات خارجية جيدة و إيجابية مع العديد من الدول في كل أرجآء العالم الرأسمالي في المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و مع المعسكر الشرقي و العالم الإشتراكي بزعامة الإتحاد السوڨيتي و جمهورية الصين الشعبية...
و نتيجة لتلك السياسات الموزونة كان للسودان علاقات جيدة و متوازنة مع كل الدول الفاعلة في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة المتحدة (بريطانيا) و جمهورية ألمانيا الإتحادية (الغربية) و الإتحاد السوڨيتي و جمهورية الصين الشعبية ، و تشهد بذلك الزيارات المتبادلة العديدة التي قام بها الفريق إبراهيم عبود إلى: الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة المتحدة و ألمانيا و الإتحاد السوڨيتي و جمهورية الصين الشعبية و جمهورية يوغوسلاڨيا ، و قدوم العديد من ملوك و روؤسآء و وفود البلدان إلى السودان مثل زيارات: الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا و الرئيس السوڨيتي ليونيد بريجنيف و شوان لاي رئيس وزرآء جمهورية الصين الشعبية و الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو و غيرهم...
المشهد الحادي عشر:
لم تكن كل حقبة حكم الفريق إبراهيم عبود دوماً (وردية) فقد رصدت لنظامه العديد من الإخفاقات مثل:
- الفشل في معالجة مشكلة الجنوب بل المساهمة في إزكآء نيران الحرب الأهلية بسبب سياسات القمع العسكري و التعريب و الأسلمة
- الفساد السياسي و قمع المعارضين
- إتفاقية مياه النيل المجحفة مع مصر
- إتفاقية حلفا و السد العالي و الموافقة على قيام بحيرة السد داخل الأراضي السودانية
- تهجير سكان حلفا القديمة و المناطق المتأثرة ببحيرة السد إلى خشم القربة (حلفا الجديدة)
- مشكلة الكونغو و الإتهام بالتواطؤ في إزاحة و إغتيال الزعيم بياتريس لوممبا رئيس الوزرآء المنتخب
المشهد الثاني عشر:
كل تلك الإنجازات الهآئلة و السياسات الخارجية المحايدة ، الموزونة و المتزنة لم تشفع لنظام الفريق إبراهيم عبود لما تعاظم القمع السياسي و الأمني فكانت ثورة الحادي و العشرين (٢١) من أكتوبر ١٩٦٤ ميلادية...
المشهد الثالث عشر:
بعد زوال نظام الفريق إبراهيم عبود جآءت إفادات و شهادات عديدة من خصومه السياسيين من جبهة الهيئات السياسية التي إستلمت منه السلطة:
فقد خط السياسي و القيادي الإتحادي المرموق السيد سيد أحمد الحَسِين ، الذي شارك في ثلاث تجارب ديمقراطية ، و تولى مناصب حزبية و تنفيذية مهمة ، تعليقات أمينة عن الفريق إبراهيم عبود و عهده جآء فيها:
(رغم أنه حكم عسكري إلا أنه كان حكم عقلآء ، حكم شرفآء ، أياديهم نظيفة ، لم يفسدوا إطلاقاً ، و لم يخرجوا عن المألوف)
و علق الصحافي المخضرم ذو الميول اليسارية الأستاذ محجوب محمد صالح و الذي خدم لفترة في نظام الطاغية جعفر محمد نميري:
(الفريق إبراهيم عبود من الشخصيات التي لم تغيرها السلطة ، دخلها كرجل بسيط و ضابط منضبط و عسكري مهني عاش بنفس صفاته تلك إبان حكمه ، لم يحاول أن يبحث عن أضوآء أو أن يفرض نفسه أو يدعي شيئاً ، عاش حياة بسيطة حتى وفاته)
و أدلى الأستاذ المربي و الإعلامي المعروف محمد سعيد معروف بشهادته فقال:
(إحترم الرئيس إبراهيم عبود إستقلالية الخدمة المدنية ، لذلك كان التشريد و الفصل في عهده أقل ما يمكن بالنسبة لكل العهود ، لم يتدخل مطلقاً في الخدمة المدنية أو في القضآء ، فظل القضآء محافظاً على إستقلاله و على دوره القيادي)
و جآءت شهادة السياسي منصور خالد الذي أفنى عمره في خدمة: الطاغية جعفر محمد نميري و المتمرد العقيد جون قرنق دي مبيور و الطاغية عمر البشير و النظام الجديد في جمهورية جنوب السودان:
(كان قرار الرئيس إبراهيم عبود بالتنحي عن الحكم هو قرار الرجل السوداني الكبير الذي يدرك معاني التراحم ، فقد أبى أن يكون البقآء على أجداث الرجال)
المشهد الرابع عشر و الأخير:
ذلك هو الفريق إبراهيم عبود (البطل) الذي خاطبته الجماهير ، بصدق و عفوية ، بينما هو يتجول متسوقاً بنفسه في زنك الخضار و اللحمة في سوق الخرطوم و ذلك بعد عزله بسنوات:
ضَيَّعنَاك يا ريس و ضعنا وَرَاك...
ذلك هو عبود البطل الذي (أعجب) به صاحبنا و كثيرون إعجاباً عظيماً و ذلك لوطنيته و صدقه و نزاهته و إنجازاته العديدة و إنسانيته و إنحيازه إلى مصلحة الشعوب السودانية ، ذلك هو عبود (البطل) و ذلكم أصحابه (الأمل) الذين لم تفسد غالبيتهم إغرآءات: السلطة و النفوذ و المال ، و الذين (ملصوا البدل و القمصان) و ساهموا مساهمة كبيرة و فعالة في البنآء و العمران (ترسوا البحر خيراصان) ، فللبطل و صحابه التحية و الإحترام و التقدير ، و عليهم رحمة واسعة من الله و رضوان...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com