الفسادُ يُجَّز في منشأه
مؤيد شريف
20 December, 2011
20 December, 2011
sharifmuayad@gmail.com
كثيرة هي قضايا الفساد المالي وإستغلال النفوذ والتعدي على الحق العام التى تكشفت تفاصيلها بالوثائق، وتيقن الرأي العام من صدقية الإتهامات، وثبوت وقائع التجاوز فيها.
ومن نافل القول أن جهات نافذة في السلطة أو أفرادا نافذين غالبا ما يكونوا على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بقضايا الفساد وتجاوز الصلاحيات والتعدي على الحق العام أو الخاص .
وعلى قلة أو ندرة نماذج من قضايا مشابهة، تواصلت فيها التحقيقات، وإنتهت لمسائلةٍ قضائية شفافة ومعلنة، فالمسألة برمتها لا تخرج عن تصفية حسابات داخلية وخاصة بأطراف نافذة ومتنفذة في السلطة، تتقاطع مصالحها وتتعارض منافعها في سبيل المنافسة والتسابق على حصد المنافع والتكسُب من وراء المشروعات والطروحات المالية الحكومية أو الإستثمارية، فيلجأ أحدهما لتسريب الوثائق والتشهير بالطرف الآخر المنافس بغرض إزاحته من "تراك"
التسابق على الولائم الحكومية المليارية والإنفراد بالمنافع.
والواضح أن صحافتنا وما أن "تتسلم باليد" وثائق قضايا فساد حتى تهرع للكشف عنها ونشرها في الصفحات الأولى واللأكثر قراءة بنوايا قد تكون طيبة وتهدف لمحاربة الدوائر الفاسدة في السلطة والإضطلاع بأدوار الصحافة المعروفة في المراقبة والرصد وتنوير أصحاب الحق "الشعب" بكل معاملة فساد وتجاوز تضر بمصالح البلاد وتحرف الحقوق عن مساراتها الطبيعية .
هنا تكون الصحافة - بوعي منها أو على غفلة - طرفا في صراع التسابق على المفاسد، وجزءا من لعبة المصالح الدائرة بين جماعات من النافذين والمسؤولين ورجال أعمال السلطة الحاكمة، وتُستخدم الصحافة كأداة في يد طرف من السلطة لتدمير وإزاحة الطرف الآخر.
وجب التنبُه هنا وأخذ الحذر، والبحث بإستقصاء عن أصل وتفصيل وثائق الفساد والإفساد التى تصل الصحف طائعة ومختارة وبسهولة غير معهودة في قضايا مشابهة.
يكون العمل الصحفي المحترف والمثالي: ليس في التسرع وكشف الوثائق وأدلة قضايا الفساد بمجرد ورودها أو تسلمها، إنما التروي في النشر ومحاولة الغوص عميقا في طبيعة الوثائق والجهات ذات الصلة بسابقة الفساد والأطراف المنافسة إن وجدت وتتبع كل هذه الخيوط للوصول إلى الحقائق كاملة وغير مجتزأة ومن ثم طرح كل الحقائق المتحصلة أمام الرأي العام والسلطات العدلية والقضائية المختصة من غير إقتطاع لحقائق أو تلوين أو إيحاء .
المهم في الأمر أن يخرج العمل الصحفي من دائرة "الإشتراك" – عمدا أو عن غفلة – في سباق التنافس المحموم بين رجال السلطة ودوائر مصالح رجال أعمال السلطة، والتركيز على الجوهر - وليس العَرض - في قضايا الفساد لجَزّها من منشأها والوصول إلى الفاعلين الأساسيين أو المنتفعين الحقيقيين من قضايا الفساد .
الأخبار