الفيتوري : دُم بصحة وعافية

 


 

 

abdallashiglini@hotmail.com



(1)
مولده.. حين اصطدام النيزك بفوهة بُركانٍ في الأرض، عندما اهتزت في علا الأفلاك نجمة من شجن. فهمدتْ أرواح كائنات الأرض حين صرخ بالشعر صرخته الأولى . تدرب في أقبية الطفولة  وعرف  وهج اللغة  ونيرانٌ تحُف بالجالسين توقِد الفِكَر . ثم أزهرت أشواكه  ، ونبتت من الإبط برعماً ، وتقـوّى الزغب أجنحةَ نَسرٍ تقافز إلى أن طار من أعشاش الطفولة  إلى الفضاء السحيق .
(2)
لن تجد في ملف البيت الأول أو عش النسور بعضاً من أثر . لا تقرأ التاريخ ، أو المولد والنشأة ، لكن .. أنظر الأجنحة التي ضربت الريح وسلكت دروب الشهب وأنوار السماء . هناك في مسبح الكون أكبر من قضية تنتظرْ . وهنالك على ضفاف الينابيع أغنية عطشى تنتظر الرُبان ليُقْلِع  . فخرج أسى التاريخ وخرجت أحماض الزمن ، من باطن النفس  وأصبح سيدنا شاعراً  وباحثاً ومُترجماً.
(3)
إفريقيا عرفناها مولد الإنسانية ...من شعره . فقد سبق الذين نحتوا الأرض وفتشوا طبقاتها ابتغاء المعرفة ، وتغنى الشاعر قبلهم للأم الأولى . ها هو سيدنا قد حمل الشُعلة وأضاء العتمة وعبر الدروب الشائكة  إلى السفر ، ملتحفاً جلد النَّمر وعصاه  قصيدة ،أطول من مقام القداسة في بطون الجبال .عرف الشاعر" الحجر الفيروزي الكريم " ، وزيت مصباح العقائد .  تحسس خميرة الأرض ، وثعابين الآكام ، وذئاب الشجر المُلتف بالسحر موطناً لأشباح الماضي وأبطال يراهم ناهضين إلى المستقبل . مسح المدائن حافياً يلاحق جينة تفرق دمها بين القبائل و سَمِع نبضها في الشِعر . تغنى للوطنية أعذب السهل الممتنع من الشِعر، فقبض على وجدان العامة قبل الخاصة . ركب قارباً مجدولاً من حبال المحبة ، ونزل به البحر حتى ذاب في الأفق .تدلّتْ من السماء قصيدة تصرخ :
يا أخي في الشرق ، في كل سكنْ
يا أخي في الأرض ، في كل وطنْ
أنا أدعوك .. فهل تعرفني ؟
يا أخاً أعرفه .. رغم المحنْ
إنني مزّقت أكفان الدّجى
إنني هدمت جدرانَ الوهنْ
لم أعُد مقبرة تحكي البلى
لم أعد ساقية تبكي الدمنْ
لم أعد عبد قيودي
لم أعد عبد ماض هَرِم عبد وثنْ
أنا حي خالدٌ رغم الردى
أنا حرٌ رغم قضبان الزمنْ
(4)
" لا برق يخطف عينيكَ ولا مطر"
وكما كتبت عن " أبوالطيب المتنبي " ، نكتُب عنكَ .نهضتَ أنتَ بماضينا ، وانقشعت شمسك عن كل السحائب واعتليت القمم إلى العُلا. مددتَ أشرعتك ومَخرتْ سفائنك بحر القصيد منذ كلمة البدء الأولى ، وفي مسيرها الطويل أغنياتٍ حزينة ، وفرحة كتُوم . الروح  تمشي على صراط واهنٍ مُرتخي ، تعبر المراحل والسنين ،والعمر قبضةً من تجربة تلظت بنيران الحياة وصخبها . تدعُونا سيرتك المكتوبة في قصائدك ، أن نتوقف برهة ونهبط من قاطرة الحياة المتعجلة ،لنتعرف على عوالمك الخفيّة ، وأشجانك الحفيّة ، وبساتينك النضيرة .فهاجَرنا لدواخل النصوص لنعرف محبتك للإنسانية وقُبلتك في مواضع الجبين. نعُمت سيدي خالداً فينا ، تُضيء حياتنا بوهجك النابض. فالبيت الشعري الواحدة أيقونة تَعدلُ كتاباً . يسافر القصيد سفر الشرايين في مجرى الدم ، ناراً للوعي موقدة . فلتدُم بإذن مولاك في نعيم الصحة والعافية . تمشي في فُسحة  وجداننا  أنّا يكون لك التجوال. تملأ الرئة بأكسيد الحياة ، مثلما نتنفس رياحينك التي سدت الآفاق  .


عبد الله الشقليني
30/4/ 2012 م

 

آراء