القاتل الخفيّ لماذا فشلت الثورات ونجحت الانقلابات؟

 


 

 

بـهدوووء-
أسئلة تتردد أكثر من مرّة في وعي الشعوب السطحي أو في وعيها الباطن: لماذا تقدّم الآخرون وبقينا نحن في ذيل الأمم؟ لماذا لا تنجح الثورات ولماذا تفشل الإصلاحات ولماذا لا يُزهر غير الانقلاب والاستبداد في بلادنا ؟
كانت هذه الأسئلة وكثيرة أخرى متفرعة عنها الشغلَ الشاغل لأجيال من الباحثين والدارسين والمصلحين لفهم سبب الانحطاط الذي وصلت إليه الأمة وشعوبها منذ عقود طويلة. تباينت الأجوبة والأطروحات واختلفت القراءات والمقاربات ومشاريع التحرر من الإسلامي إلى القومي إلى اليساري إلى اللبرالي إلى غيرها من المشاريع والرؤى والتصورات. لكنّ القاسم المشترك بينها أنها ركّزت على الجوانب الموضوعية المتعلقة بالمجتمع والاقتصاد والسياسة في الداخل أو الجوانب الخارجية المتعلقة بالتدخلات الأجنبية في البلاد العربية.
لقد أتاح سياقُ الثورات وما أعقبها من ردّة انقلابية استهدفت تصفيتها دورةً تاريخية مكتملة لطور من أطوار التغيير الاجتماعي والسياسي الفاشل. أي أنّ السنوات العشر من عمر الربيع العربي تمثل حقبة تاريخية صغرى قابلة للتفكيك والقراءة عساها تجيب عن السؤال المركزي في سبب تخلف الأمة.
صحيح أن هذا الاستفهام يمثل جزءا من الإجابة فقط لأنه يستبطن الاعتراف بفشل الثورات في حين ترى مقاربات كثيرة أن الإقرار بالفشل مقولة نسبية إذ تقتصر على الإقرار بعجز الحراك الشعبي عن تحقيق مطالب الجماهير في المدى القريب. في حين أن قراءة التغيرات الاجتماعية على المدييْن المتوسط والبعيد وما أحدثته من رجّة عميقة في بنيان النظام الرسمي العربي تُقرّ بأنّ التحركات المجتمعيّة لا يمكنها أن تحقق النجاح المطلق إلا عبر موجات متعاقبة تراكم خلالها الشعوب الوعي بأسباب الفشل لكي تتجاوزها ما دامت شروط الثورة قائمة.
قراءات أخرى ترى أن الثورات قد أُفشلت بتحالف الداخل والخارج أمام جماهير ونخب تفتقد للخبرة اللازمة لإنجاح مساراتها نحو التحرر والانعتاق. كما أنّ انعدام الوعي بشراسة النظام الرسمية وتشعباتها العميقة في مفاصل الدولة وأجهزتها ساهم بقوّة في تخبط القائمين على المسارات الانتقالية وسرّع من وتيرة الانقلابات.
فشلت الثورات إذن في تحقيق مطلب الحرية على المدى القصير لكنها نجحت في تحقيق رصيد ضخم من الوعي الجمعي بتفاصيل مكونات المشهد العربي وبطريقة اشتغال الفواعل داخله. هذا الوعي الجديد هو أعظم نجاحات الثورات وهو الذي سيكون محور التحركات القادمة ومحركها الأساسي لأن عمر الاستبداد الحقيقي والافتراضي لا يمكن أن يطول فشروط الانفجار لا تزال قائمة بل لقد ازدادت حدّة.
ما تطرحه هذه المقاربة القصيرة هو قراءة فاعل ذاتي لا يتعلق بأسباب الفشل الموضوعية اجتماعية كانت أم سياسية أم اقتصادية بل يتمحور حول الإنسان نفسه في بنيته السلوكية وفي ردود أفعاله. يتأسس هذا الموقف على جرد ذاتي لمواقف النخب والجماهير خلال الثورات وبعدها وخاصة في ذروة الفعل الانقلابي سواء في السودان مصر أو في سوريا أو ليبيا أو تونس.
ظهرت داخل المجتمعات انقسامات حادّة تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية أو الفكرية أو السياسية إلى مواقف ذاتية تتعلق بالسلوك والأخلاق وقواعد العيش المشترك في بيئة مسلمة محافظة أو متحررة. لقد كانت مذابح سوريا ومجازر مصر وليبيا والسودان درسا في توحش الانقلاب وتغوّل النظام العربي لكنها من ناحية أخرى أبانت عن سلوكات فردية عربية صادمة.
لا يقتصر الأمر هنا على التقاتل الأهلي لأسباب طائفية كما حدث في سوريا ولكن المثال السوداني خاصة يكشفا عن الخلل الكبير في بنية الشخصية وسلوكها. كيف يمكن أن نفهم طبيعة المجازر التي حدثت هناك في بيئة اجتماعية موحّدة عقائديا وطبقيا ؟ لماذا هذا التشفي في الآخر المختلف والدعوة إلى إبادته وتحليل قتله وحتى حرقه ؟ من أين خرجت هذه السلوكات المرضيّة والأحقاد الفردية ونزعات الانتقام الدموي والفرح بإبادة الأخ والجار والصديق؟
في السودان إن مررت سريعا على منابر الفلول الإعلامية او صفحات التواصل الاجتماعي تكتشف بجلاء لا غبار عليه أن الشخصية السودانية بالأخص تعاني من مرض قاتل ومن انحراف سلوكي لا يمكن أن يصدر عن شخصية مسلمة سويّة. إن انتشار خطاب الكراهية والعنف والدعوة إلى الانتقام والقتل لمجرد الاختلاف في الرأي أو في التصوّر إنما هو أمر مؤذن بنتائج خطيرة على المستويين القريب والبعيد.
لنأخذ مثلا الإخوان المسلمين وعقب الاطاحة بنظامهم في السودان شهد خطابهم واقوالهم حملات شيطنة متوحشة ضد الثورة والثوار خاصة خلال المرحلة الانتقالية وزاد الخطاب وتوحش بصورة واضحة بعد انقلاب البرهان والاطاحة بقحت والشق المدني (الند اللدود للاسلاميين) وبعودة الدولة العميقة تدريجيا للواجهة مرة أخرى، من جهة أولى قد يُفهم ذلك في سياق الخطاب الانقلابي الرسمي الذي يتأسس على شيطنة الخصوم إعلاميا لتبرير الانتقام منهم لكن كيف يُفهم انسياق كمّ جماهيري كبير وراء هذه الدعوات التي تطورت في الحالة الليبية إلى ما يشبه الحرب الأهلية بين شرق البلاد وغربها؟ وكيف يفهم كذلك الأمر بارتفاع درجة الاحتقان بين أبناء الشرق وبقية المكونات الشمالية في السودان مما يجعل نذر الحرب الاهلية غاب قوسين أو ادني .
في السودان اقله لا توجد مبررات طائفية أو جهوية أو عقائدية أو عرقية كافية تبرر هذا الانقسام والنزوع نحو القتل والانتقام بعد ثورة أطاحت بنظام استبدادي. لم يعرف السودان طوال تاريخه هذا المنسوب الخطير من الأحقاد الاجتماعية والنزعات الانتقامية في المجتمع..!!
بعد انقلاب البرهان في 25اكتوبر وما أحدثه من انقسام حادّ بين الداعمين للانقلاب والمعارضين له. كشف الانقلاب عن حجم الخلل الأخلاقي في الشخصية القاعدية حيث غرقت مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية في الثلب والتشويه والتحريض على الانتقام من الخصوم والشماتة في الآخر المختلف.
لا تقتصر خطورة هذه الظواهر المرضية على كونها تمثّل أحد أهم أسباب فشل الثورات بل إنها قادرة على فتح البلاد على الحرب الأهلية مثلما حدث في تجارب أخرى كثيرة. تعاني مجتمعاتنا السودانية من أمراض أخلاقية وسلوكية خطيرة تؤثر على أدائها الاجتماعي والسياسي الفكري وهو خلل عضوي في بنية هذه الشخصية الفقيرة أخلاقيا وقيميا.
من بين الأولويات اليوم هو الترميم الأخلاقي للإنسان الذي شوّهته تراكمات عقود من الاستبداد وحكم الفرد الواحد المتسلط بشكل أقصى كل إمكانية للتعايش السلمي وقبول الآخر بما هو شرط من شروط البناء الحضاري. دون ترميم الشخصية القاعدية سلوكا وأداء وقيما فإن كل الثورات والتغيرات سيكون مصيرها الفشل لأن مدار التغيير وشرط نجاحه هو الإنسان فالأممُ الأخلاق أولا والأخلاق أخيرا.
أخــر الهـدوووء:
لو أخبرتكم أنَّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِي؟؟..، قالوا : نعم ، (ما جرَّبنا عليك كذباً)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولِ جهرٍ بدعوته
!!((براءة صاحب الدعوة من (الكذب) شرطٌ لبراءة الدعوة نفسها
الذي جَرَّب الناسُ عليه الكذبَ في الأقوال والأفعال والعهود والمواثيق ليس أهلاً للدعوة للحوار ولا جديراً بتقديم المبادرات.
ولا الحزن القديم انتي ..
شتاءات مترهلة ، و أوجه فاترة و ذابلة كأنها تخرج من تقارير منظمات الإغاثة ، والمدن غبية إذا صعد رجرجة الناس في شؤون السياسة و الحكم و الدولة ، وانت تعبر جادات أحياء أم در العريقة ، نفحات آذار ، ويُصر وردي على أن يكمل المشهد (يجيني معاك زمن أمتع نفسي بالدهشة ) اكملنا هذا الزمن يا وردي ، أيها الجنتل . أيها اللورد النوبي الأنيق.
وفي النهاية لا الحزن القديم انتي ، مقولة النفي التي تكفي القلب لأن تتناوله سندوتش على عجل ، و تشعل بعدها سيجارة برنجي مختومة ( ابو أصبع) و تتمعن في كل تلك الهيصة و الجوطة ، وتقول في سرك هذه البلد لو حكمها وردي لكان طرد نصف هؤلاء الاغبياء وعلمهم مثل ما علم (عازف الساكسفون) في شن بتقولو اصول المهنة و الحرفة.
لكن كما يقول المعري "و أرى الارض فيها دولة مضرية) و تطفي البرنجي وتلقي بالفلتر في برميل حديد يعود بك الزمان إلى القضارف المدينة التي تحولت بقدرة قادر إلى حفرة لا فرق فيها بين الغربان و سعاة المقاهي ، و تقرر أن تكتفي من( خارجيات وغلط) الامكنة ، و تعود لوردي . وترمقك حسناء (لابسة توب هزاز) بنظرة فتقول في سرك ، طيب مالو لو كان بين الريد و الهوى يا محمد عثمان وردي. يا

mido34067@gmail.com
/////////////////////////////

 

آراء