القراءة الرغائبية .. التغيير الجذري بين الرومانسية والراديكالية !

 


 

 

salahidris@hotmail.com
استوقفت هيجل فكرة زينون الايلي عن ماهية الباطل وطرق دحضه .. وجوهر فكرة زينون في ان الباطل يجب ان يبرهن علي انه باطل ليس لانه ضد الحق بل في نفسه اي من داخل الباطل نفسه .
قدمت التجربة السياسية التاريخية المنصرمة اشكالا عديدة من التحالفات السياسية واثبتت التجربة السياسية السابقة في الدولة السودانية تقاعس وفشل القوي السياسية النخبوية التي قادت تلك الفترة منذ الاستقلال وحتي ثورة ديسمبر ٢٠١٨ في عدم انجاز المهام الوطنية الديموقراطية المناط عليها انجازها بسبب تنكرها وعدم الالتزام بالمواثيق والبرامج المتفق عليها وفضلت الاستئثار بالسلطة ونتيجة لذلك لم تنتج اي نظم ديموقراطية مستقرة ومستدامة ولم تعمل علي اقامة اي نوع من التنمية للدولة السودانية لان الطبيعة الطبقية المسيطرة للسلطة السياسية و ما تحصلت عليه من امتيازات التمثيل السياسي والتفوق الاقتصادي والاجتماعي الموروث في السودان ، تعارضت مصالحها مع مصالح الجماهير وبرامجها واجهضت اي مشروع للنهضة والتطور الوطني الديمقراطي للمجتمع السوداني .
ما ان تم الاعلان بواسطة قوي التغيير الجذري عن ميثاقها حتي تصدت له مجموعة من الاقلام ذات توجهات مختلفة ولكن ما يميز تلك الكتابات هو خاصية مفارقتها للقراءة والبحث والاجتهاد المعرفي داخل الميثاق وقضاياه لتنتج نقدا بناءا ولقد تم نعته بالكثير من الصفات التي لا علاقة لها بمحتواه ، تارة بالرومانسية واخري بالماركسية وثالثة بالراديكالية والاشتراكية وغيرها فمن كتبوا ذلك اما انهم لم يقرأوا الميثاق او قرأوه قراءة رغائبية لا علاقة لها بالميثاق .. وذهبت رئيسة تحرير احدي الصحف في انتظار الحزب الشيوعي ليفتح معسكرات التدريب العسكري وهل يوجد تسطيح وتغبيش اكثر من ذلك ! ولم تجتهد في البحث حتي لتعرف شعار المؤتمر السادس الاخير لذلك الحزب وهو حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب و اضافة لذلك خرجت عضوية ذلك الحزب في يناير ٢٠١٨ في مسيرة سلمية داخل العاصمة وشعارها سليمة سليمة ضد الحرامية ..لهذا كانت معظم قراءاتهم معطوبة ذات تأويل رغائبي صنفوا المصدر الذي في اذهانهم وتركوا الجوهر ! .
التغيير الجذري بالنظر الي اصوله البنيوية ( العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ) ومقاربة ماهو مصاغ او مطروح مع الواقع الذي انتجه وملامسته بصورة منهجية ومساهما في تغيير تلك الطريقة في التفكير وادارة الازمة السياسية السودانية وقضاياها . مفارقة النهج السياسي السابق الذي راكم هذا الفشل وانتجه والتخلص من الاسباب التي تعيد انتاج الازمة السياسية المزمنة .
المرجعية السياسية للميثاق الجذري هي مؤتمر اسمرا للقضايا المصرية ٩٥ ، البديل الديمقراطي ٢٠١٢، اعادة هيكلة الدولة السودانية ٢٠١٦ واخيرا اعلان الحرية والتغيير ٢٠١٨ وتراث ثورتي اكتوبر وابريل وهذه كلها كما هو معروف برامج لقوي سياسية واسعة من اقصي اليمين الي اقصي اليسار توافقت علي ذلك البرنامج .
الدولة المدنية الديمقراطية .. دولة المواطنة واحترام مواثيق حقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة في نظام سياسي حزبي متعدد
هي من سمات وخصائص ونتائج الدولة والثورة البرجوازية وموجودة في كل دول العالم الرأسمالي.
ما مطروح في الميثاق حول البرنامج الاقتصادي هو برنامج اقتصادي مختلط ( قطاع عام + قطاع خاص ) الانتقال من اقتصاد ريعي تابع الي اقتصاد وطني تنموي يلعب فيه القطاع العام الدور الريادي ورأسمالية وطنية تدير القطاع الخاص وفق علاقات اقتصادية تنموية تساعد علي النهضة في القطاعين الزراعي والصناعي مع الاحتفاظ بعلاقات مع المؤسسات المالية الدولية من صندوق نقد وبنك دولي وغيرها بما يمنح الاستقلال الاقتصادي لدولة السودان ويساعد علي تقوية وبناء اقتصاد وطني سوداني مستفيدا من موارده الذاتية الضخمة بعيدا عن التبعية ونهب الموارد وموجها نحو تنمية مستدامة …وهذا ايضا برنامج اقتصادي راسمالي .
ازالة سلطة التمكين ازالة كاملة في الخدمة المدنية والمؤسسة العسكرية واصلاح المؤسستين بصياغة قوانين جديدة تعالج الممارسات الخاطئة والعمل علي اصلاح المؤسسة العسكرية واخضاع شركاتها الي وزارة المالية وحل وتسريح ودمج المليشيات المسلحة وتكوين جيش قومي واحد يخضع للحكومة المدنية .
قضايا العدالة واصلاح الاجهزة العدلية والقضائية والعمل علي تنفيذ العدالة الجنائية لكسر دائرة العنف والافلات من العقاب المستمرة التي تشجع علي استمرار العنف وتقديم كل الذين شاركوا في هذه الانتهاكات والتجاوزات والابادة الجماعية الي العدالة .
قضية السلام تحل ضمن قضية الازمة السودانية الكاملة وليس بمعزل عنها وسقطت كل الاتفاقات السابقة واخرها سلام جوبا بسبب الطريقة في التعامل مع قضية السلام وعدم اشراك جماهير النازحين واللاجئين و أصحاب الشأن في هذه القضية وتم الركون الي الحلول الفوقية ولهذا لم ولن تتوقف الحرب ولا الابادة حتي الان ومستمرة بصورة افظع مما كان عليه في السابق .
هذه بعض عموميات القضايا التي يطرحها ميثاق قوي التغيير الجذري ، تساؤلي اين هنا مما سبق ذكره اعلاه الراديكالية والماركسية واين الرومانسية وغيرها من الصفات التي أمتلأت بها الاسافير والصحف في نعت الميثاق الثوري المفتري عليه ؟ يمكنك الا تتفق معه وهذا مشروع ولا خلاف عليه .. يا تري هل يفقهون ما يقرأون ؟ انهم يمارسون الدجل والتغبيش !
اتمني ان يعيدوا القراءة مرة اخري !
ثورة ديسمبر ثورة لم تكتمل بعد وعندما نرمز لها مجازا بالثورة لسيرورتها وعظمتها وتميزها حتي انتصارها المرتقب .. فالثورة هي انتقال السلطة من طبقة الي طبقة اخري وهو الدليل علي نجاح واكتمال الثورة …،وانتقال السلطة من البشير اليي لجنته الامنية بقيادة البرهان لا يعدو الا ان يكون تغييرا شكليا ( تغيير احمد بحاج احمد ) .
واحدة من الماثر المميزة والعظيمة لثورة ديسمبر هي تحريك ساكن التفكير السياسي السابق المفضي الي مزيد من الفشل في كل الجبهات والسير بالطريقة الخاطئة ذاتها واعادة الازمة . ثورة ديسمبر انتجت حتي الان اجمل ابنائها لجان المقاومة وازاهيجهم المبدعة وايقونة الشهداء البواسل ومن بعدهم رفاقهم الجسورين الذين يملأون الشوارع كل يوم بمواكبهم المستمرة ومواثيقهم الثورية وهي لاعب اساسي جديد في الساحة السياسية السودانية شكلا وجوهرا ويجب التوقف عندهم والاستماع لهم كثيرا و من السذاجة السياسية التفكير بتجاوزهم في اي تغيير قادم !
حتمية فكرة الصراع هي المدخل الاساسي للتغيير والتطور نحو الارتقاء الانساني الذي ننشده لمجتمعنا وشعبنا . فحاصر حصارك لا مفر …
الثورة مستمرة
صلاح ادريس

 

آراء