القرارات الفضيحة .. والدبلوماسية الكسيحة !!
ماذكرت الخارجية السودانية والا قفزت الى الذاكرة الجمعية لدى قطاع واسع من الشعب السوداني أسماء كانت يوما تاجا فوق رأس تلك الدبلوماسية التي يبدو أنها حصلت اليوم - في عهد الانقاذ المأزوم – على تأشيرة خروج بلا عودة !! ولكن الى أين ؟؟ .. الى بلاد
لا أحد يعرف لها موقعا على الخارطة ولا ملامح لسكانها أو طبيعة الحياة فيها .
الخارجية السودانية التي كانت في الماضي القريب واجهة مضيئة في سجلات الدبلوماسية الاقليمية والدولية يجلس اليوم على رأسها رجل هو واحد من رجالات الدفاع الشعبي سيئ السمعة الذي أسسه النظام لا للدفاع عن شعبه – كما يوحي بذلك الاسم - ولكنه جسم هلامي التشكيل واضح المقاصد والأهداف غير المعلنة وعلى رأسها المحافظة على الكرسي واستخدامه سيفا بتارا لكل من تسول له نفسه الخروج يوما معارضا للنظام أو سياساته العرجاء متى ما دعت الظروف الى ذلك وإدلهمت الخطوب وضاق الخناق على من يدعون انهم حماة الوطن والشعب معا .
وما ورد اسم ( الدبلوماسية السودانية ) كواجهة حضارية للوطن أمام دول العالم ومؤتمراته وكافة تجمعاته الا ورقص على حواشي الخاطر والزمن معا أسماء كثيرة مرت على ساحة تلك الواجهة التي تقف اليوم حائرة عند بوابة وزارة الخارجية السودانية تائهة بلا بوصلة أو دليل
دون أن يأخذ بيدها أحد ممن عرفتهم وخبروها .
من بين تلك الكوكبة المجيدة مثلا : محمد أحمد المحجوب ومبارك زروق وجمال محمد أحمد و منصور خالد ومأمون سنادة وسيدأحمد الحسين ومحمد توفيق .. الخ تلك القائمة التي تشرف بها العمل الدبلوماسي قبل ان يتشرفون بها .. كوكبة تشربت علما وعملا ووعيا وحنكة ورفعت اسم السودان عاليا في كافة المحافل والملمات .
واليوم - في عهد الاسلامويين الانقلابيين وعلى مدى أكثر من عشرين عاما – صارت الخارجية ملاذا لدبلوماسيين كافة مؤهلاتهم هي الولاء لحزب مغتصب للسلطة وسارق لارادة شعب، ومادام الحديث هنا عن( القرارات الفضيحة والدبلوماسية الكسيحة ) فانه يمكنني أن أستشهد - للتدليل على ذلك - بمثلين فقط من عشرات الأمثلة التي تعكس فضحا مخزيا لقرارات غبية من دبلوماسية لا تعرف قيمة لأهل السودان ولا معنى لتصريحات أو قرارات ربما يكون ثمنها حياة فرد أو جماعات من أولئك الذين رمت بهم الأقدار في درب المصائب والمحن .. درب يكون فيه الموت مخيم في ظروف غير طبيعية أو الاختفاء القسري دون علم بالمكان !!.
المثل الاول هو قرار غبي كان قد أصدره بحقي شخصيا – وكنت وقتها مشرفا على أول صفحة علنية للمعارضة خارج السودان وذلك بجريدة الخليج الاماراتية - أصدر اللواء الراحل( الزبير محمد صالح ) في مطلع التسعينيات - كان وقتها نائبا للرئيس ووزيرا للداخلية بالانابة – قرارا يحتوي – كما جاء فيه عبر السفير السوداني بأبوظبي الراحل (على نميري ) – على أمور ثلاثة:
الأول : حجز جواز المواطن ( خضرعطا المنان)
ثانيا : عدم مغادرة المذكور للسودان .
ثالثا : على جميع الجهات المعنية تنفيذ القرار اعتبارا من تاريخه .
وهنا تتجلى فضيحة كبرى وتدل على أن قرارات مصيرية في عهد الانقاذ الانقلابي ربما تصدر من أناس إما أنهم لا يعرفون طبيعة عملهم أو انهم لا يقرأؤون ما يوقعون عليه كمسؤولين .. اذ كيف يتم منعي من السفر خارج السودان وكيف للجهات المعنية القيام بتنفيذ ذلك القرار غير القانوني وأنا أعيش أصلا خارج السودان وفي بلد آخر ( دولة الامارات العربية المتحدة) فضلا عن نقطة غباء أخرى هنا .. وهي أن جواز السفر - والمرتبط بالضرورة بالجنسية – هو حق دستوري وليس منحة من حاكم أو ملك أو أمير .
وهكذا أصبحت منذ ذلك الزمان (غير سوداني !!!) مما دفعني للتوجه – متظلما – للأمم المتحدة – التي قبلتني على الفور لاجئا سياسيا .. مما حدا بي – وأنا بلا هوية سودانية – أن أغادر تلك الديار التي أحببتها بزعيمها الفلتة حكيم العرب (الشيخ زايد) وبشعبها المضياف المهذب متوجها لأوروبا حيث غربة أشد مرارة وأكثر ايلاما في بلاد ماكنت أحلم يوما بالمرور فوق سمائها ناهيك عن الحصول على جنسيتها ( الحق المصان ) والعيش على ترابها ( وطنا بديلا !)..
الأمر الذي حرمني من واحد من حقوق المواطنة التي لا يمكن لأحد ان ينازعني فيها كما حرمني من أهلي وعشيرتي وأصدقائي وجيراني وزملاء دراسة أوعمل كانوا - جميعا - بالنسبة لي مدفأة في زمهرير الأيام وغيمة في هجيرها .. وكنت – وأنا في القرب الجغرافي بدول الخليج – أرى صورهم في عيون كل قادم من وطني واشتم رائحتهم في كلمة سلام أتبرك بها من بني وطني في ذلك البلد الحبيب الذي شكل عملي الأعلامي في ربوعه النبيلة نقطة تحول في مسار حياتي العملية والمهنية ..وعلمني كيف تكون واحدا من الشعب وانت في بلد غير بلدك .. وهذا ما افتقدته في أوروبا ومن ثم كندا ولا أزال . انها واحدة من غباءات الدبلوماسية السودانية التي تستهدف مواطنا في المهجر وهو فقير لا يملك سوى قلم وورقة وفكر ورؤية ورأي كأي ابن لوطن كادت ملامحه تضيع في زحمة الأيام !!.. حيث كان من الأجدر والمنطقي أن تكون تلك السفارة ملاذا لي أو ملجأ حينما أفقد الملاذ أو الملجأ وأنا في المهجر.. لا مطاردا من قبلها أو ملاحقا من نظام تمثله !!!.
أما المثل الثاني للدبلوماسية الكسيحة و الغبية هو ماورد مؤخرا من محاولة رخيصة من حكومة الخرطوم للزج بحركة العدل والمساواة المناضلة الجسورة وبعض منتسبيها في اعمال العنف التي كانت – ولا تزال – تجتاح ليبيا .. وقد تحولت لاحقا لثورة شبابية كاسحة تسعى لخلع زعيم مجنون ظل جالسا على سدة الحكم لأكثر من أربعين عاما .. والمؤسف حقا ان يصل الفجور في الخصومة بالاسلامويين في الخرطوم هذا الحد من الصفاقة والدناءة والغباء الدبلوماسي بأن يضعوا أكثر من نصف مليون من رعاياهم تحت مرمى النيران العشوائية التي تجتاح ليبيا دون رقيب أو حسيب ولا ضابط أو رابط وفي ظل غياب تام لأي نظام أو حكومة مسؤولة !!.
ولو أن أمرا هكذا حصل في دولة تحترم نفسها لتم محاسبة كل من كان وراء هكذا قرار أو تصريح حتى لو كان منتخبا من شعبه !!.. كما أن مثل هذه الأمور تكشف عورة النظام القائم في الخرطوم وكيف انه يعد نظاما غير مسؤول وغير جدير بادارة دولة أو حكم شعب ..أليس كذلك؟.
Khidir2008@hotmail.com