القراي وناهد وصالح: ليتني كنت طليقا في سجون الناصرة

 


 

 


من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@yahoo.com

يتعرض هذه الأيام صحافيون ومثقفون امثال الدكتور عمر القراي، فيصل محمد صالح، دكتورة ناهد محمد الحسن، أمل هباني وفاطمة غزالي إلى محاكمات جائرة اثر بلاغات تقدم بها جهاز الأمن والمخابرات "الوطني" ضدهم حول مقالات كتبوها حول حادثة إغتصاب الناشطة صفية أسحق التي اتهمت أفراد من الجهاز المعني باغتصابها. وبدل أن يقوم جهاز الأمن بالتحقق من صدقية هذه الإتهامات الخطيرة، لجأت قيادته إلى الصمت المطبق، ودس الرؤوس في الرمال حتي تنجلي العاصفة والضجة الإعلامية ليقوم لاحقا بفتح بلاغات في مواجهة عدد غير قليل من الصحافيين والمثقفين؛ ومرد هذا الأمر أنهم تعودوا على أن تكون الصحافة سلطة تابعة لا رابعة.
وبحسب دكتور القراي أن وكيل النيابة حينما حقق معه أخبره بأنه سيدرس القضية وإن أستقر رأيه حول رفع الأمر للقضاء سيتم اطلاعه على التهمة الموجهة إليه حتي يخبر محاميه للإستعداد للمثول أمام المحكمة. لكن ما حدث هو أن القضية تم تحويلها إلى قاعات المحاكم دون اطلاع دكتور القراي بالتهم الموجهة إليه؛ وتم التعتيم على الأمر تماما، حتي محاميه  رُدّ طلبه عندما إتصل بالنيابة لمعرفة التهم الموجهة إلى موكله، وتحت أي مواد يُحاكم. هذا الرفض يُمثل خارقا واضحا للقانون الذي يكفل للمتهم معرفة التهم الموجه إليه قبل وقت كافٍ حتي يجهز نفسه ودفوعاته. هذا الإستهتار بالقضاء والقانون لا يحدث إلا في السودان. إذا سلمّنا جدلا بحق جهاز الأمن في مقاضاة أي صحافي أو صحافية يرى أنهم أساءوا لسمعته "النظيفة" مثل الصحن الصيني! فبأي قانون يحق له منع المعلومات عن "المتهم"؛ أدناها معرفة لماذا تتم محاكمته، وتحت أي مادة أو مواد تتم هذه المحاكمة.
لا تقوم بهذه الممارسات سوى جهة مرتعبة ومتخبطة وما (ماليه يدها) من القضية المعنية. وكما هو واضح للعيان، القضية في مجملها مسيسة قٌصد منها اسكات الصوت الديمقراطي المعارض، الذي لا يتفق مع ممارسات أهل الحكم السياسية والأمنية. الحكومة تريد عبر هذه المحاكمات الجائرة جس نبض القوى الديمقراطية المعارضة والشارع العام، إن مضت هذه المحاكمات دون جلبة وضوضاء سيفتح هذا الأمر شهية المؤتمر الوطني لمحاكمات قادمة تطال السياسيون والناشطون في منظمات المجتمع المدني المعارضة تحت دعاوى كثيرة منها الخيانة العظمي والتآمر مع قوى خارجية لقلب نظام الحكم؛ وهذه أدوات جرّبها النظام من قبل ضد عدد غير قليل من السياسيين المعارضين وقادة منظمات المجتمع المدني الديمقراطية.
علينا أن لا ننخدع بأن هذه المحاكمات المعنيون بها هم الشخصيات التي فُتحت البلاغات في مواجهتها، فهذه ضربة البداية لإنتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ومحاكم التفتيش ومنح (صكوك الغفران) لحزب يرى قادته أن لديهم تفويض إلهي للحكم بإسمه في أرض السودان؛ مما يعني أن الخلاف في الرأي حول أمور دنيوية مع هكذا نظام ستضعك في خانة الكفار، ومن لديه شك في هذه الجزئية عليه مراجعة حوار صحيفة (حكايات) التي أجرته مع  الكاتب الإسلاموي أسحق أحمد فضل بتاريخ الحادى عشر من مايو المنصرم، ونشر في عدة مواقع إلكترونية، حيث قال فيمن يخالف الحكومة وقادة المؤتمر الوطني الرأي: "الإنقاذ شريعة الله ومن رفض شريعة الله فهو كافر ومن يغالط  كتاب الله إن كان صادقاً وبوق ساحات الفداء إن كان الأمر رجالة".
إذاً، أسحق وصحبه يريدون تنصيب أنفسهم وكلاء لله في الأرض لتدشين (الجمهورية الثانية)، لكن هذا الأمر لن يثنينا عن معارضة سياسة حزبه المؤتمر الوطني، ولن نأخذ صكوك الكفر والإيمان من أسحق وصحبه فهم ليسوا في وضع يخول لهم اصباغ وتوزيع صكوك الغفران للبسطاء من أبناء شعبنا، كما كان يفعل القساوسة في أوربا من قبل. ولسنا في مجلس كرادلة حتي نبصم بالعشرة على سياسات حزبه الخرقاء التي فصلت الجنوب وتسعي لتقطيع أوصال ما تبقي من شمال السودان، حيث تجري إنتهاكات واسعة النطاق في دارفور وأبيي وأقصي شمال ووسط السودان، وبإسم الإسلام!.
عليه، قمنا في إتحاد الصحافيين السودانيين مع مجموعة من منظمات المجتمع المدني بصياغة بيان يندد بهذه المحاكمات الجائرة، وأرسلناه للمسؤولين الأميركيين في الجهازين التشريعي والتنفيذي لفضح ممارسات المؤتمر الوطني في ما تبقي من خيمة شمال السودان.
والذين اختار النظام تقديمهم للمحاكمات يتمتعون بمواقف صلبة، ولن ترهبهم هذه المحاكمات؛ وحتي إن ادخلوا السجن ظلما. فهم ينطبق عليهم قول  الهمباتي الراحل الطيب ود ضحوية، رحمه الله: " من الفيها ما بزح وان تزحزح مره .. وان حيين نعود ان طال زمنا ومره ..والزين ما بدوم والزول بموت فد مره".

* من قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش

 

آراء