القصة الكاملة لأبيي وغلوطياتها ؟

 


 

ثروت قاسم
1 November, 2013

 




Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com


غلوطية أبيي ؟

تحتوي قضية  منطقة أبيي  ( 10546 كيلومتر مربع ) على عدة غلوطيات ، كما سنحاول توضيحه في النقاط الآتية :  

أولاً :

1-     غلوطية دينق الور ؟

في يوم الثلاثاء 18 يونيو 2013 ، كون الرئيس سلفاكير لجنة من خمسة أعضاء برئاسة القاضي جون قاتويك لول ، رئيس اللجنة القومية لمحاربة الفساد ، للتحري في موضوع السيد دنق الور ، وإتهامه بتحويل 8 مليون دولار   من الخزينة العامة  في جوبا لحساب شركة دافي للإستثمار في بنك باركليز في نيروبي ، مقابل توريد خزائن حديدية وهمية .   . وتم إعفاء دينق الور من مهامه الوزارية .

في يوم الأربعاء 4 سبتمبر 2013 ، قدمت اللجنة تقريرها للرئيس سلفاكير .

وجدت اللجنة السيد الور مذنباً في تهمة تحويل مبلغ 8 مليون دولار بغير وجه حق ، ووصت بتقديمه للمحاكمة أمام محكمة جنائية .

حفظ   الرئيس سلفاكير ملف  لجنة التحري  ولم  يقدم دينق الور للمحاكمة  ، ربما  ليرسل إشارة لل 75 مختلس الذين اختلسوا  ( 2012 )  4 مليارات من دولارات الجوعى  ،  لكي يرجعوا هذه المليارات دون خوف من الملاحقة .

بعدها عيّن الرئيس سلفاكير السيد دينق الور رئيساً للجنة العليا للإستفتاء في أبيي بدرجة وزير مركزي .
ونسي الجميع تقرير لجنة التحري ، وإدانة السيد دينق الور في إختلاس 8 مليون دولار .
هذه القصة تؤكد قوة نفوذ أولاد أبيي في حكومة جوبا  ، وتشرح مواقف  الرئيس سلفاكير  المتناقضة حول استفتاء أكتوبر 2013  .

هذه غلوطية من غلوطيات أبيي ؟

ثانياً :

2    -  غلوطية تمويل إستفتاء أكتوبر الشعبي ؟

كلفت عملية الإستفتاء الشعبي أكثر من 5 مليون دولار .  
قٌُسمت أبيي إلى 19 مركز إنتخابي  وتم تجهيزها لتسجيل أكثر من 60 الف ناخب وتصويتهم  ، وتم طبع أكثر من 100 ألف بطاقة إنتخابية ، وتجهيز  أكثر من 300 صندوق إنتخابي ، وحبر خاص تم إستيراده من بريطانيا خصيصاً للإستفتاء  ، وأكثر من 500 موظف للإشراف على عملية  الإستفتاء ، ولجنة عليا للإستفتاء  .

لا يمكن أن نصدق أن تمويل عملية الإستفتاء الشعبي  ( 5 مليون دولار )  كانت من موارد شعبية ، لأن معظم سكان أبيي من الفقراء والمعدمين .

موّلت حكومة جوبا عملية الإستفتاء  من الألف إلى الياء ؛ ولكنها تكرر وتعيد بأنها لا تعترف بعملية الإستفتاء  ، في عملية تذاكي غير ذكية .

غلوطية أخرى من غلوطيات أبيي .

ولكن الغلوطية الأكبر أن زعماء المسيرية أكدوا إنهم بصدد تنظيم إستفتاء مماثل تشارك فيه قبيلة المسيرية فقط ،  في شمال أبيي . ولكن من أين لهم التمويل اللازم لتنظيم هذا الإستفتاء ، الذي ربما استغرق التجهيز له أكثر من 3 شهور وليس أياماً كما يدعى ، جهلاً ، البعض ؟

3-      غلوطية  الإجازات المفتوحة مدفوعة الأجر ؟

أعطت حكومة جوبا إجازة مفتوحة ومدفوعة الأجر لكل العاملين في الدولة من أقليم أبيي ، ليتمكنوا من الرجوع إلى أبيي والمشاركة في عملية الإستفتاء . وبعد إعلان حكومة جوبا عدم إعترافها بعملية الإستفتاء ، لم تطلب من العاملين في الدولة الرجوع إلى مقار أعمالهم ومغادرة أبيي فوراً !

تقول حكومة جوبا الشئ وتفعل عكسه  في أبيي ؟

غلوطية أخرى ؟  

4-    مجلة الإيكونمست ؟

في يوم السبت 26 أكتوبر 2013 ، نشرت مجلة الإيكونمست البريطانية تقريراً عن عملية الإستفتاء في أبيي  ، مما يؤكد أهميتها .

ذكرت المجلة  أن مشكلة  أبيي  بين دولتي  السودان  تحاكي  مشكلة جزيرة قبرص بين اليونان وتركيا   ، التي لم يتم حلها منذ إشتعالها   في عام 1974  ، ولا تزال دون حل  .

وعرفنا من  المجلة أن أبيي ليست بذلك الإمتلاء النفطي كما يتصور البعض ؟

وخلصت المجلة إلى أن أبيي ستظل خميرة حرب بين دولتي السودان عاجلاً أو آجلاً ؟

يمكنك مراجعة تقرير الإيكونمست على الرابط أدناه :


www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21588431-border-dispute-dangerous-ever-big-fight-over-small-place

خامساً :

5-     نبذة تاريخية   ؟

في السودان الخديوي ( 1820- 1885 ) ، كانت أبيي تتبع لمديرية بحر الغزال ، بعمودياتها التسعة ( دينكا نقوك ) .

استمرت أبيي تتبع لمديرية بحر الغزال خلال فترة الدولة المهدية ( 1885 – 1899 ) .

في عام 1905 وخلال فترة الحكم الثنائي طلب مواطنو أبيي من الدينكا نقوك ضم عمودياتهم التسع إلى مديرية كردفان  ، وتم ذلك بقرار إداري بين مديري كردفان وبحر الغزال  .

صارت أبيي جزءاً من مديرية كردفان من عام 1905 وحتى تاريخه ... 108 سنة .

في عام 2005 ، أحتوى بروتوكول أبيي في إتفاقية السلام الشامل  بين دولتي السودان على فقرة تطلب عقد إستفتاء لمواطني أبيي في يناير  2011 ليقرروا إنضمام منطقتهم  للسودان أو جنوب السودان . لم يتم عقد الإستفتاء لعدم التوافق على من يحق له المشاركة في الإستفتاء  .  

ولا يزال الوضع معلقاً في الهواء دون حل  ...  من يحق له المشاركة في عملية الإستفتاء ؟

سادساً :  

6-    بداية المشاكل ؟

لمدة 78 عاماً ، من عام 1905 وحتى عام 1983 ، عاش دينكا نقوك والمسيرية في  منطقة أبيي في  علاقة ودية ...  بل تداخل بشري   وقبلي ومعيشي وأسري  .

ثم بدأت المشاكل بين القبيلتين في عام 1983 عندما تم تكوين الحركة الشعبية ، وبدأت عملياتها  العسكرية ، وإستمرت حتى عام 2005 عند  توقيع  إتفاقية السلام الشامل  .

انضم جزء من دينكا نقوك من قاطني أبيي للحركة الشعبية ، وإنضم جزء من المسيرية قاطني أبيي لحكومة الخرطوم ، وشاركوا في الحرب بين الحركة الشعبية وحكومة الخرطوم لمدة 22 عاماً ( 1983- 2005 ) .

ولكن الغلوطية أن منطقة أبيي الجغرافية لم تطالها الحرب الأهلية طيلة هذه ال 22 عاماً ( 1983 – 2005 ) ، رغم مشاركة  بعض  سكانها من دينكا نقوك والمسيرية في الحرب الأهلية  خارج منطقة أبيي  .

كانت منطقة أبيي الجغرافية واحة سلام في بحر مضطرب أثناء الحرب الأهلية  .

بعد اتفاقية السلام الشامل بين دولتي السودان ( 2005 ) إنتقلت الحرب  بين دولتي السودان وبين الدينكا نقوك والمسيرية إلى داخل منطقة أبيي الجغرافية .

أستولدت إتفاقية السلام  الحرب  بمنطقة أبيي  في غلوطية كافكاوية مثيرة للتعجب ؟

خلال فترة ال 8 سنوات من 2005 وحتى 2013 ، بدأت المناوشات   داخل منطقة أبيي  بين دينكا نقوك وجيش الحركة الشعبية من جانب والمسيرية والجيش السوداني من الجانب المقابل  . مات في هذه المناوشات المئات ، وجُرح وتشرد الآلاف .

ويحدث ذلك لأول مرة في التاريخ المكتوب ، وللمفارقة بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل .

في مايو 2011 ، أحتلت القوات السودانية منطقة أبيي ،  وغادرت تحت ضغط دولي .


في 27 يونيو 2011 وحتى تاريخه  ( حوالي سنتين و4 شهور  ) ، تحفظ السلام في منطقة أبيي  قوات حفظ سلام أممية ( يونسفا ) مكونة من 21 دولة  وحوالى 4 ألف جندي أثيوبي ( قرار مجلس الأمن 1990 )  ...  وذلك لأول مرة في التاريخ المكتوب !

في ذلك  اليوم  تم  إكتمال تدويل قضية أبيي .

سابعاً :  

7-    بترول أبيي ؟

يجب أن لا ننسى أن بترول منطقة أبيي ، على قلته ، قد ألهب الأطماع المحلية، والسياسية، والدولية. ودلق الزيت على الحرب في أبيي ، فزادت إشتعالاً .

ثامناً :

8-    تدويل قضية أبيي ؟

تعامل نظام الإنقاذ مع قضية أبيي تعاملاً احادياً بدلاً من التعامل القومي ، ولم يُشرك الأحزاب السياسية الشمالية والجنوبية ولا قبيلتي الدينكا والمسيرية في حلها ، شأنه في ذلك كما في بقية القضايا الوطنية .  ومن أهم  سلبيات  هذا النهج  تحويل نزاع أبيي إلى حرب  دينية  مقدسة تحكمها عوامل غيبية ووراثية مما عمّق شرخ النزاع ووسع قاعدته إقليمياً ودولياً ، ودفع السودان ثمناً باهظاً   لهذا النهج الأحادي  الديني المدمر .

تاسعاً :

9-    القس دانفورث ؟

في سبتمبر 2001 ،  عين الرئيس بوش  القس دانفورث كممثل  ومبعوث خاص له للسودان .

كتب القس دانفورث بروتوكول أبيي ، الذي تم تضمينه  ، فيما بعد ،  كملحق لإتفاقية السلام الشامل .


بموجب بروتوكول أبيي ، تم  تكوين لجنة خبراء   ، عقّدت بتقريرها المشكلة بدلاً من حلها  (  14 يوليو  2005  ) .

بعدها لجأت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية  إلى هيئة التحكيم الدولية التابعة لمحكمة العدل الدولية  في لاهاى  ( 2008 ) . فاكتملت حلقات التدويل  لقضية أبيي .

عاشراً :

10 -  حكم محكمة العدل الدولية ؟

درست هيئة التحكيم الدولية التابعة لمحكمة العدل الدولية ملف أبيي وتوصيات لجنة الخبراء ، ووصت ( 22 يوليو 2009 )   بإعطاء جل مناطق انتاج النفط للشمال . وإعطاء  المراعي والمشارع في بحر العرب والرقبة الزرقاء للجنوب.

وهى توصية  غير ملزمة  وجدت ترحيباً حاراً لدى الدينكا نقوك ، ولكن خيبة أمل لدي الحركة الشعبية.

الحركة الشعبية معتمدة اعتماداً كبيراً على إيرادات النفط  ، ولم  تقبل الحرمان من نفط منطقة  أبيي  ؟

كما وجدت التوصية  ترحيباً لدي حكومة الخرطوم ، ولكن خيبة أمل لدي المسيرية.

المسيرية لم  يقبلوا الحرمان من منطقة بحر العرب والمراعي  ، وهي حقوق وجودية بالنسبة لهم  ، لا يمكن التفريط فيها  .  

رغم أن قرار  اللجنة  يحمل ثقلاً دولياً  ، فإن الأطراف الأربعة لم يلتزموا بتطبيقه  وتفعيل  بنوده   ، خصوصاً في جو عدم  الثقة والإستقطاب والإحتقان بين الأطراف الأربعة .

يصر الدينكا نقوك  على ضم  كامل أقليم أبيي إلى دولة جنوب السودان  ، وطرد المسيرية من أبيي  .

وتصر  المسيرية على إستمرار بقاء أقليم أبيي في دولة السودان  ليضمنوا حقوق الرعي .

إتفاقية السلام الشامل تُلزم دولتي السودان بإعتماد الحدود بينهما كما كانت في أول يناير 1956 .

في ذلك  اليوم  كانت أبيي تقع في دولة السودان .

أحد عشر :

11 – إستفتاء أكتوبر 2013 ؟

في يوم الخميس 31 أكتوبر 2013 ، صوت دينكا نقوك  في إستفتاء شعبي لضم إقليم أبيي لدولة جنوب السودان بنسبة  أكثر من   99% .

لم تعترف قبيلة المسيرية ، ولا حكومتي الخرطوم وجوبا ، ولا الإتحاد الأفريقي ولا مجلس الأمن بنتيجة الإستفتاء .

وهددت قبيلة المسيرية  ، لفظياً ،  بعقد إستفتاء شعبي مماثل في شمال أبيي ، تشارك فيه قبيلة المسيرية حصرياً .

وأول الحرب ... إستفتاء غير متفق عليه من كافة الأطراف .

لا تزال المشكلة قائمة ، بل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة .

إنتظروا  الفرج ، إنا معكم  منتظرون  !

 

آراء