القومسيون الطبي السوداني وحمار كلثوم

 


 

محمد الربيع
22 August, 2022

 

لأن الخيل قد قلّت تحلّت - حمير الحي بالسرج الأنيقِ
إذا ظهر الحمار بزي خيلٍ - تكشف أمره عند النهيقِ
،،،، فاضل أصفر ،،،،

✍️قصة حمار كلتوم، قصة معروفة وموثقة في الثقافة السودانية. تقول الرواية بأن السيدة كلتوم بت محمود سِبِل (بكسر السين والباء) المولودة بحي الناظر في مدينة القضارف شرقي السودان كانت بائعة لبن مشهورة في حقبة سنوات الأربعينيات وعندها حمار معروف تحمل عليه اللبن لتوزعه في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر، فتاتي مثلاً لساحة أو ميدان في وسط الحي وتوقف حمارها ثم تبدأ في توزيع الحليب لسكان الحي ثم تتحرك ألي الحي المجاور وهكذا ! المشهور عن حمارها بأنه لا يتحرك أبداً من مكان وقوفه حتي تكمل كلتوم مهمة التوزيع ثم تسوقه للحي المجاور وتوقفه هناك أيضاً في مكانٍ معلوم والجميع يعرفون هذا الحمار (الهادي المسكين المطيع) لسيدته!! وفي أثناء الحرب العالمية الثانية أغارت بعض الطائرات الحربية الإيطالية في بداية سنوات الأربعينيات لتضرب معسكراً للقوات البريطانية داخل السودان، فضربت إحدي القذائف الطائشة حمار كلتوم والذي كان بالمصادفة في تلك الأثناء يقف أمام مستشفي القضارف وقُتِل الحمار المسكين وإضيفت إلي (خسائرنا الفادحة جراء العدوان الغاشم)!! فظهرت أغنية مدرسية توثّق هذا "الحدث التاريخي"ثم غنتها لاحقاً الفنانة عائشة الفلاتية تقول بعض كلماتها
يا حاجّة لا والله ليّا - الليمون سقايتو عشية
طيارة جاتنا تحوم …. يا حاجّة لا …..
جات تضرب الخرطوم - ضربت حمار كلتوم

🔥السودان من أبرز دول العالم التي إشتهرت بعدم إهتمامها بتوثيق تواريخ المواليد حتي يوم الناس هذا !!! وربما حالياً نحن الدولة الوحيدة في العالم ما زالت تعتمد سياسة التسنين "تقدير العمر" علي الرغم من إنتشار الكومبيوتر وكل المعينات المعاصرة التي تساعد علي التأريخ والتوثيق!! وإذا بحثت عن أبرز وأهم الشخصيات الوطنية ستجدهم مولودون بتاريخ الأول من يناير !!! إن هذا التاريخ الذي نال فيه السودان إستقلاله من المستعمر أصبح هو تاريخ ميلاد كل السودانيين في جوازاتهم وأوراقهم الثبوتية بسبب الغباء المركب للقومسيون الطبي السوداني الذي لا يزال مصراً بغباء يحسد عليه في إستخراج كل شهادات التسنين بتاريخ الاول من يناير فقط وظل واقفاً في هذه المحطة منذ فجر الإستقلال وحتي يومنا هذا (كوقوف حمار كلتوم وسط الحي)!!! حتي باتت كل وزارات الداخلية وإدارات الهجرة في الدول الغربية يعرفون هذه الحقيقة ويقولون : الشعب السوداني جميعاً مواليد 01/01 ، وكذلك ساهم السودانيون في تكريس هذا الأمر بشكلٍ مضحك فحتي الذين يصلون عن طريق الهجرة غير الشرعية بدون وثائق ثبوتية إلا أنهم جميعاً يسجلون تواريخ ميلادهم بالأول من يناير!!!!

☀️من المعلوم أن كل المصريين لهم تواريخ ميلاد ثابتة ومعروفة منذ أقدم العصور وحتي قبل عهد الفراعنة لكن يا صديقي سوف (تضحك وتبكي) في آنٍ واحد عندما تبحث عن تاريخ ميلاد الرئيس المصري الجنرال محمد نجيب قائد ثورة يوليو 1952 فلا تجد له تاريخاً دقيقاً أبداً (عنده ثلاثة تواريخ) والسبب لأنه وُلِدَ في السودان لأبٍ مصري وأم سودانية!!! وإذا رجعت إلي أرشيف صحيفة القوات المسلحة بعد يوم او يومين من إنقلاب الإنقاذ عام 1989 حين وردت أسماء كل قادة الأنقلاب بمناطقهم وتواريخ ميلادهم ستجدهم جميعاً مواليد الأول من يناير فمثلاً - العميد عمر حسن أحمد البشير مواليد 01/01/1944 وهكذا!! بالله عليكم أليست هذه فضيحة وطنية بكل معني الكلمة؟؟ إذا بحثت عن أي إسم معروف في أوروبا وأمريكا وغالبية دول آسيا وحتي أفريقيا قبل ألف عام ستجد تاريخ ميلاده بشكل حقيقي!! أين كنا نحن؟ وماذا تفعل وزارة الصحة خاصة إدارة المواليد والوفيات؟!لذلك لا يمكن للاعب كورة قدم سوداني الإحتراف في أوروبا لأنه ببساطة (مجهول تاريخ الميلاد) حتي الآباء من النادر يعرفون تواريخ ميلاد أبناءهم ! حين تسأل أحدهم يقول لك مثلاً : ولدي مولود زمن حكم عبود! أو حكم نميري أو سنة الجفاف!!! نحن دولة عشوائية يقودها رجالٌ عشوائيين!!! دولة بلا توثيق ، بلا ذاكرة ……
أيّ غباءٍ وأيّ بلادةٍ من هذا القومسيون الطبي!!
هل الأول من يناير هذا هو تاريخ إستقلال الوطن من الأجنبي أم إستقلال الأجنّة من أرحام أمهاتهم؟!!
✍️ياااا قومسيون ياااا طبي ياااا سوداني ، أكتب الأعوام كما تريد لكن يجب عليك أن تغيّر تواريخ الشهور والأيام لان عندك 12 شهراً في العام وعندك 30 يوم في الشهر!! لا يمكنك التوقف في مكانك ك (حمار كلتوم أو ربما حمار الشيخ في العقبة)!! إذن نحن بحاجة لقذيفة طائشة أخري ليخلصنا من هذا الكابوس الوطني.
قبل الختام :—
عندما هرب الفيل من الغابة، سألوه : لماذا هربت؟ قال لهم : لأن الأسد قرر إعدام كل الزراف.
قالوا له : لكن أنت فيل وليس زرافة.
قال لهم : أعلم ذلك لكنه كلّف الحمار بالمهمة.

m_elrabea@yahoo.com
//////////////////////////

 

آراء