القوى المدنية السودانية والاتفاق السياسي الإطاري. وما هو موقف اميركا المناقض؟

 


 

 

*Dr. Souad Taj-Elsir Ali*
*Arizona State University*
*Taj_1234@msn.com*

🔸اندهش الكثيرون عندما رأوا بعض الأحزاب، المنظمات، والفعاليات السياسية بما في ذلك كثير من المحسوبين ضمن قوى الثورة وبعض النقابات، اندهشوا عندما رأوا اسماءهم ضمن الموقعين على الإتفاق السياسي الإطاري الموقع بصورة رئيسية بين قوى الحرية والتغيير المركزي والعسكر. فماذا حدث وما هي الأسباب التي دفعت بالكثيرين الإنضمام (للحرية والتغيير) في التوقيع على هذا الاتفاق السياسي الإطاري الغريب؟ *وما هو موقف اميركا المناقض؟*

🔸ظل لفترة من الزمن معظم هؤلاء الذين انضموا للتوقيع ظلوا ينتقدون الحرية والتغيير في تفاوضها مع العسكر واتهموها بخيانة ثورة ديسمبر المجيدة (التي لعبت واتحاد المهنيين دوراً اساسياً ورئيسياً فيها مع كل الفعاليات الاخرى). وواصلوا اتهامها باقذع الألفاظ. فلم تتراجع الحرية والتغيير الجهاز المركزي عن خطها في مواصلة التفاوض مع العسكر وان حاولت ذي بدء نكران ذلك تارةً ووصفه بأنه مجرد مباحثات لا ترقى لمستوى تفاوض، وغير ذلك من تبريرات واهية.
🔸فما هي هذه الأحزاب والفعاليات المعنية هنا؟ ضم ذلك حزب الأمة القومي، الحزب الإتحادي الديمقراطي الاصل، حزب البعث العربي الإشتراكي، حزب المؤتمر السوداني، المؤتمر الشعبي، التجمع الإتحادي، تجمع المهنيين، الحزب الوطني الإتحادي الموحد، الحزب الجمهوري، الحركة الشعبية لتحرير السودان عقار، وغيرها من احزاب والعديد من القوى المدنية والمهنية التي نفى بعضها بعد التوقيع!.
🔸تجدر الإشارة إلى أن الإتفاق الذي وقِع مؤخرا جاء في مراحله إلاولى باسم (التسوية)، ويبدو انه إزاء الرفض الكبير الذي قوبلت به فكرة التسوية مع العسكر، تم تغيير الإسم إلى (اتفاق سياسي إطاري). فهل يا ترى كان لتغيير الإسم دور في القبول الذي حظي به الإتفاق مؤخراً؟ لا أعتقد أن الأمر يمكن ان يكون بهذه السطحية. إذن يبدو، أو كما صرح بعضهم علناً وبوضوح، أن هذه الجهات السياسية من احزاب ومنظمات مدنية قرإت بالفعل مسودة الإتفاق السياسي الإطاري وفندّت بنوده العديدة. اقتنعت بها في سياق انه إتفاقاً إطارياً وليس نهائياً!
🔸فما هي هذه البنود التي حظيت بقبول العديد من تلك الأطراف السياسية الكبيرة والصغيرة؟ احتوى الإتفاق السياسي الإطاري على البنود الرئيسية التالية:
*تسليم السلطة الإنتقالية (المحددة ب 24 شهراً) إلى سلطة مدنية. تتكون السلطة المدنية من مستوى سياسي محدود بمهام شرفية يمثل رأس الدولة وقائد اعلى للأجهزة النظامية.
* تتكون السلطة المدنية أيضا من مستوى تنفيذي برئاسة رئيس وزراء مدني تختاره القوى الموقعة على الإتفاق. إضافة إلى مجلس تشريعي وآخر للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء ويضم قادة الأجهزة النظامية و 6 من حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام جوبا.
*كما جاء المجلس التشريعي في قائمة البنود بمهامه التشريعية؛ وضع دستور دائم للبلاد يمهد لقيام انتخابات حرة.
*كما احتوى الإتفاق على بنود أخرى عديدة منها دور المؤسسة العسكرية عودا إلى ثكناتها دون لعب أي دور سياسي كذلك استثماراتها ونشاطها. كما شمل الإتفاق ملف العدالة والعدالة الإنتقالية. قضايا التهميش وقضايا التنمية، التمكين، الفساد. غير ان كل هذه البنود كتبت بلغة فضفاضة تحمل التإويل هنا وهناك.
🔸وظل الحزب الشيوعي السوداني ثابتاً في موقفه من رفض التسوية او ما سمي لاحقا بالاتفاق الإطاري إضافة الى لجان المقاومة، حزب البعث وجدي صالح وبعض القوى الثورية الاخرى العديدة.
*يبقى السؤال: ان كانت معظم الأحزاب التي كونت الحرية والتغيير قد وقّعت منفردة على حدة، فمن هي (الحرية والتغيير) الموقعة على هذا الاتفاق الاطاري الغريب مع العسكر!؟
🔸غير ان التناقض الكبير في هشاشة وضعف الإتفاق الإطاري سرعان ما تكشّفت بتصريحات المكون العسكري: عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو الاخيرة التي بُثَت سمومها في غير مكان تلفزيونيا، إسفيريا، وفي الصحافة المكتوبة محليا وإقليمياً في تناقض واضح لبنود الاتفاق مما يجعله مجرد حبر على ورق.

*الموقف الأميركي المتناقض*

*🔶بخصوص الموقف الاميركي، نجد ان المفارقة أن الولايات المتحدة الأميركية التي تتمتع وتطبّق إدارة مدنية كاملة للجيش يتحكم فيها الكونجرس المدني والرئيس الأميركي كقائد أعلى للجيش، نجدها تحجر هذا الحق على السودان.*
*🔶فاميركا حلالٌ عليها تطبيق قيادة مدنية للجيش حرامٌ على غيرها. ليس هذا فحسب، بل ان أميركا هي التي تصر على إقحام الجيش في السياسة السودانية وظلت تعمل عبر التاريخ مع الدكتاتوريات العسكرية بصورة قبيحة ليس فيها أي احترام للشعب السوداني المغوار الذي دك حصون الحكومات العسكرية الدكتاتورية ثلاث مرات في 1964, 1985, 2018 دون اي مساعدة اجنبية وسيواصل دكه لأي دكتاتورية عسكرية.*
*🔶هذا الموضوع الهام يقع ضمن مهام أي لوبي سوداني أميركي،يمكن تكوينه، للدفع بهذا الموضوع لكل السيناتورز*
*And Congress representatives*
*وكل صناع القرار ان يجب عليهم احترام, بل لزاماً عليهم احترام حق الشعب السوداني البطل المغوار ان يكون السودان دولة ديمقراطية حقيقية لا يلعب الجيش فيها اي دور سياسي. وان استمرت اميركا ودول الترويكا والامم المتحدة في التغاضي عن احترام حق الشعب السوداني، فحسبهم وما حك جلدك مثل ظفرك.**

*تناحرات القوى السياسية والثورية*

🔶 المناكفات بين قوى الثورة والقوى السياسية مدمرة وهي احد اسباب إطالة عمر الإنقلاب المشؤوم الذي لم يسقط بعد بل اعاد الكيزان بافكار اكثر داعشية للاسف بسبب ضعف قوى الثورة ثورية وسياسية وعدم توحد رؤاها غير الحضاري.
🔶اي تسوية تظل مرفوضة من الشارع السوداني الثائر، هذا بديهي. إن كان الكيزان قد (نجحوا) بخبث وإجرام في شيء، فقد (نجحوا) في بث سموم سياسة (فرّق تسُد) بين رموز المعارضة ثورية وسياسية. ومازالو يعيثون في الأرض فسادا ورموز المعارضة ينهشون في لحوم بعضهم البعض كما تعكس مقالات خالد سلك والهادي هباني مؤخرا كابسط مثال. للاسف هذا منتهى الفشل الذريع وارباب الانقلاب الفاشي مازالوا يسيطرون على السلطة دكتاتوريا. ويستمر مسلسل النهش والطعن في ظل الفيل، والشباب الثوار يموتون ضحايا في غياب قيادة رشيدة بعد ان فشلت القيادات الحالية جميعها فشلا ذريعا مزريا. هذه حقائق على الأرض على كل القوى الثورية والسياسية تفاديها بالعمل الجاد نحو رؤى موحدة، رغم الاختلافات المنطقية بينها، لهزيمة دكتاتورية العسكر الانقلابية والبدء في خطوات جادة نحو ارساء دعائم فترة انتقالية مدنية خالصة للتحضير لانتخابات حرة نحو سودان ديمقراطي يحقق الحرية والسلام والعدالة شعار ثورة ديسمبر المجيدة.

 

آراء