الكيزان … خلق الفوبيا وإستغلالها

 


 

 

fageer05@gmail.com

على مر التاريخ البشري ، وفي أوقات الأزمات السياسية والصراعات العسكرية تنشط (البروباغندا) ، أي الدعاية والدعاية المضادة ، تنطلق الدعايات العسكرية من داخل القوتين المتحاربتين ، إذ تمثل الدعاية أداة هجوم من ناحية وأداة دفاع من ناحية أخرى ، وتتمثل هذه الدعاية في نوعين ، النوع الأول مقصود به رفع الروح المعنوية لأفراد القوة ، والنوع الثاني مقصود به إحباط الروح المعنوية للقوة المعادية ، والأمثلة على ذلك لا تحصى من كثرتها. تلعب الدعاية دوراً أساسياً ومهماً للغاية في مسار الحروب ، وفشل قوة ما من تكثيف الدعاية والإبداع في فنونها قد يلعب دوراً كبيراً في هزيمتها ، كما أن السماح للدعاية المضادة من الوصول إلي أفراد القوة المحاربة أو حاضنتها المدنية من الخطورة بمكان ، لعبت الدعاية دوراً بارزاً في الحربين العالميتين الأولي والثانية. تعمل هذه الدعاية بأسلوب إطلاق الشائعات ، اذ تقوم وزارات الدفاع بإنشاء إدارات متخصصة يُوظف فيها خبراء في صُنع الشائعة وتحديد مواعيدها حسب التطورات وسير العمليات في الميدان ، من أسباب خسارة ألمانيا ومعها دول المركز للحرب ضعف العمل الدعائي المتخصص أو تأخرها بينما أجاد الحلفاء توظيف العامل الدعائي لرفع الروح المعنوية داخل معسكرات جنودهم وبين شعوب دولهم ، هذا ما يحدث في الحروب التقليدية بين الدول ، أما ما حدث في السودان فأمر مختلف ، إذ قامت الحرب بين قوتين داخل الوطن ، الجيش الوطني من ناحية ، ومن الناحية الأخرى قوة مليشية خلقها الجيش بنفسه ، ثم تمردت هذه المليشيا على الجيش ، وكان لابد لهذا التمرد أن يحدث ، إذ أن السباق المحموم للتسلح الكامل من الجنجويد لم يكن إلا إستعداداً لليوم الذي إندلعت فيه الحرب ، وكان واضحاً لكل ذي نظر ورؤية أن الإحتقان قد وصل أقصاه ، وأن الإنفجار على وشك الحدوث ، فتحركات الجنجويد ونقلهم لأسلحتهم وجنودهم بتلك الأعداد الكبيرة علناً وليس في الخفاء كانت تشير إلي أن هناك نية مبيتة لعمل عسكري ضد الدولة ومؤسساتها ، وقد تم هذا التحرك المريب من جانب الجنجويد تحت نظر القائد العام للقوات المسلحة وأركان حربه ، ولا ندري حتى هذه الساعة ماذا كان يدور في خلد قيادة الجيش ، وبالذات قائده العام ، ومنذ تولي البرهان لرئاسة مجلس السيادة فمواقفه الداعمة بلا تحفظ لقائد الجنجويد كانت غامضة ومحيرة وغير مفهومة ، وحتى الآن ، أثناء الحرب الدائرة ، فمواقفه ما زلت غامضة ، يحارب كأنه يريد الإنهزام لجيشه ، كأنه لا يريد للمليشيا أن تنهزم ، كأنه يشفق على قائد المليشيا ولا يود المساس به ، أما بالنسبة للحرب نفسها فهي حرب ضرورة ، كان لا بد لها أن تندلع ، فمنذ بداية أنخراط الجيش في تكوين هذه المليشيا إعترض العقلاء من داخل الجيش ومن خارجه ، ولكن ، ولأن قيادة الجيش برئيسها كانت قيادة جبانة وأنانية وغير وطنية تنتمى إلي أكثر تنظيم كارثي في تاريخ السودان فقد مضت في غيها وخلقت من المليشيا جيش موازي للجيش الوطني ، بقيادة أسرة ذات تاريخ دموي إجرامي لها طموحات لم تكن تخفى على كل ذو عقل ، وهي حكم السودان. إنطلقت الدعاية والشائعات والحرب النفسية من الجانبين ، ولكن ، ولكثرة المنصات الإعلامية الأهلية ومنصات التواصل الإجتماعي فقد إختلطت الشائعات ببعضها ولم ينجح أي من القوتين العسكريتين في توظيف الشائعة لصالحها ، فجاءت الإستفادة من تنظيم مدني خبيث ، هو التنظيم الكارثي الذي ذكرناه ، تنظيم الحركة الإسلامية ، الإخوان المسلمون فرع السودان ، يُعرفون في السودان بإسم (الكيزان) ، وهو تنظيم ظلامي إجرامي خبيث حكم السودان بشعارات دينية منافقة لمدة الثلاثين سنة ذاق فيها السودانيون أمَرّ من الأمرّين ، كما أنهم أفقدوا الدولة كل مقوماتها وإمكانياتها بممارسة فساد ممنهج أزكمت الأنوف ، ثم قامت ثورة شعبية مجيدة إقتلعتهم من السلطة بعد أن دفع الشعب ثمناً غالياً بدماء شبابه الذين سقطوا شهداء في عملية تحرير السودان من شرورهم ، ولكن شرور الكيزان لا تنتهي وخبثم لا ينفد ، ومن هنا فقد أصيب بعض السودانيين بفوبيا إسمها الكيزان ، إذ ما أن يبدأ إي حديث سياسياً كان أو إجتماعياً أو إقتصلدياُ إلا وكان الكيزان هم مفتتح الحديث وخاتمته ، ولا شئ سئ يحدث في السودان إلا وكان الكيزان وراءه ، ولا نقد ولا تحليل محايد لأي مسألة إلا وكان التصنيف جاهزاً بأن الناقد كوز أو شيوعي، حسب التصنيف ، و(الشوعنة) مثلها مثل (الكوزنة) إتهام جاهز ، وفوبيا الشيوعية كانت هي المرض المنتشر قبل فوبيا الكيزان ، وعندما قامت هذه الحرب اللعينة إتهمت القوى السياسية الكيزان بإشعال هذه الحرب ، وإذا كان الكيزان وراءها أو لم يكونوا فقد إنتهزوا بخبثهم المعروف هذه الفرصة ولعبوا دور من أشعل الحرب ، وساندوا الجيش لعلمهم بأن الجيش سوف ينتصر في النهاية ، وأخذوا في رفع أصواتهم وملئوا الساحة بأحاديث توحي بأن الجيش سوف ينتصر لوقوفهم معه ، وعملوا على إيهام الناس بأنهم البديل الوحيد لكي يعود السودان إلي أمنه ، وأرهبوا الناس بأن الأمن لن يتوفر إلا من خلال وجودهم في السلطة ، وشنوا حرباً نفسية مدروسة مقصود بها وصول الناس إلي قناعة إجبارية بقبولهم وترك الساحة لهم ، وأطلقوا الشائعات بالحق والباطل بأن الإتفاق الإطاري الذي توصلت إليه القوى السياسية هو شر محض ، ذلك لأنه لا يشملهم ، وليس تحريضهم على الحرب من أجل الحرب غريباً على مواقفهم الإنتهازية وأساليبهم الدموية وعنجهيتهم المقيتة وشهوتهم المفرطة في البقاء في السلطة بأي ثمن كان. الكيزان من أكثر خلق الله إجادة للإصطياد في الماء العكر، وقد عكروا الماء عن قصد ، وخلقوا الفوبيا بخبث ، وهاهم الآن يصطادون في الماء العكر ، ويستغلون الفوبيا التي اصابت الناس بإنهزام نفسي ، وأغرقتهم في جدال بيزنطي ، وأبعدتهم عن رؤية الصورة الكاملة للوضع ، وعادتهم معاداة مع الجيش الوطني ، عمل الكيزان بإجتهاد كامل على تغييب الوعي الجماهيري بأصل المسألة ونجحوا في إغراق الناس وإشغالهم بفزاعة الكيزان التي أصابت الناس بإضطراب ذهني وفكري وعاطفي ووجداني وحواري ، لدرجة أن الحوارات لا تخرج من دائرة كراهية الكيزان ، وكراهية الكيزان واجب وطني ، ولكن ليس لدرجة تحول هذه الكراهية إلي عائق يغيّب الناس عن التفكير المنطقي المرتكز على رؤية الصورة كاملة.
لا يَفرح الكيزان اليوم بقولٍ أكثر من فرحتهم بمقولة (الجيش جيش الكيزان) ، هم يطربون أشد الطرب لسماع هذه النغمة التي كانوا وراء وضعها في عقول الناس وعواطفهم ، وهاهم الآن يجيّرون إنتصارات الجيش الوطني لتنظيمهم الإخواني الإجرامي المخرِّب ، ولا شك فإن هذا لو حدث فهو إنتصار سياسي للكيزان سوف يدفع له الوطن الجريح أثمان غالية. نسأل الله السلامة للوطن من خبث الكيزان وشر الجنجويد.

 

آراء