اللاجئون بين السياسة والإعلام والرأي العام !!

 


 

د. أمير حمد
1 November, 2015

 


هل ستحصل المستشارة ميركل على جائزة نوبل للسلام هذا العام اثر أن رشحت من قبل أكثر من مؤسسة عالمية ؟؟

هل صدقت نبوءة "مارجريت تاتشر" رئيسة وزراء انجلترا الأسبق بأن ثمار توحد الألمان يعني زوال هيمنة إنجلترا على السوق الأوروبية!

عشرون عاما مرت على ثمار الوحدة وها هي ألمانيا تتقدم بتحقيق نجاحا اقتصاديا تلو الآخر بل وتسود خارطة الرابطة الأوروبية وتستعد لتأسيس هوية جديدة قوامها أبناء الأجانب، أي اقتصادي مثمر على أيدي اللاجئين الجدد وكفل النقص الديموغرافي وتأمين خزينة المعاشات لازدياد نسبة العجزة وأصحاب المعاشات.

كان وقد سطرت " مارجريت تاتشر" المرأة الفولاذية رئيسة الوزراء انجلترا سابقا في مذكراتها عام 1993 بأنها لا ترغب في اتحاد الألمانيتين وحاولت جاهدة لإيقافها. تقول تاتشر بأن اتحاد الألمانيتين يعني انبساط الألمان كأكبر شعب أوروبي تعدادا وتوسعا، وهيمنة ألمانيا للسياسة الاقتصادية بدلا من إنجلترا، هذا كما أنها ترى بأن الشعب الألماني لم يتخلص بعد من كره الأجانب وعنصرية النازية.

لم تكلل جهود تاتشر بالنجاح فقد توحدت الألمانيتين وأصبحت ألمانيا أقوى قوة اقتصادية في أوروبا / صين اوروبا العظيم، وها هو رئيس ألمانيا "جاوك" شاكرا جهود أمريكا لتخليص ألمانيا من بطش العهد النازي واتحاد الألمانيتين وتطوير ونمو ألمانيا ومشروع مارشال الشهير.

يقول باحث سياسي بمجلة نيويورك تايمز بأن جاوك كان نبيها وحذرا من التدخل في السياسة الأمريكية رغم فضائح جهاز مخابرتها وتجسسه على هاتف المستشارة ميركل والمنظومة السياسية العسكرية. لم يطالب جاوك أمريكا بالتدخل مباشرة لحل أزمة / هجرة اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، لاسيما ألمانيا التي تستوعب قرابة مليون ونصف لاجئ في غضون هذا العام ولاحقه، فيما استقطبت أمريكا 100 ألف لاجئ فحسب متذرعة بالخوف من تسرب بعض ناشطي داعش وسط اللاجئين وابتعاد أمريكا جغرافيا عن الشرق الأوسط.

كان وقد نشرت مجلة الدليل في عددها السابق مقالا متميزا عن المصالح الاقتصادية الألمانية المنوطة بهجرة اللاجئين إليها، مصالح أكدتها أكثر من جهة رسمية ومؤسسات غير حكومية بل والحزب اليميني المتطرف بفرنسا الذي اعتبر هجرة اللاجئين هجرة للأيدي العاملة الرخيصة.

من المعلوم بأن المستشارة قد سحبت بعض المهام التنظيمية والإشرافية من "دي ميزير" وزير الداخلية لتشرف عليها بنفسها "أي إشراف مباشر من المستشارة" لاسيما بعد أن ضاق "دي ميزير" من فوضى اللاجئين ورفضهم للخدمات المقدمة لهم باعتبارها تكرما ولحديثة الكاره للاجئين.

كما اعترض عدد من أعضاء الحزب المسيحي الاشتراكي CSU على سياسة تقبل اللاجئين. يقول أحدهم "لا يمكن أن تكون أبواب ألمانيا مشرعة دائما لتقبل آلاف اللاجئين، هذا كما انتقد ميركل واعتبرها يسارية في توجهها السياسي.

نعم أكثر من 300 ألف مشرد بلا مأوى يعيشون في ألمانيا، وثمة قضايا داخلية أخرى بحوجة لأن تعالج، إلا أن قضية اللاجئين وهجرتهم من حروب وأزمات نفسية وكبت للحرية بل وإذلالهم وهجرتهم من ثم عبر بلدان كثيرة وظروف قاسية ومآسي الغرق في البحر قضية لا تقل شأنا وأهمية عن أية قضية داخلية ملحة.

مع ازدياد تعداد اللاجئين ترتفع أسهم وصيت "ميركل" إذ اعتبرتها الصحف الانجليزية أفضل مستشارة في أوروبا ودللتها الصحف الأمريكية لنجاحها الباهر في ألمانيا، بعد أن كانت هذه الصحف توصف ألمانيا بوجه هتلر الغاضب.

نعم رشحت جهات رسمية وغير رسمية ميركل لجائزة نوبل للسلام كما نالها من قبل أوباما !! غير أنها تظل مهددة في توجه سياستها الداخلية تجاه اللاجئين لاحتدام أصوات الشعب الألماني الرافض لهم وكذلك الأحزاب اليمينية. هذا كما أن سياسة التقشف التي فرضتها على دول جنوب أوروبا تظل عثرة في مسار سياستها الخارجية لتكوين ونمو الرابطة الأوروبية.

كان وقد بثت قناة "إنفو" بأن أكثر من أغنية جديدة ستبث عن ميركل المستشارة الشهيرة والأم الحنونة للشعب واللاجئين تماما كما فعل "كابينو" المطرب الألماني في النمسا الذي غنى منتقدا النازية وحزب FP? المتطرف متعاضدا مع اللاجئين وكذلك المطرب "أودو لندنبيرج".

سهل أن يسأل المتمعن في هجرة اللاجئين لماذا لا تحل قضية هجرة اللاجئين بادراك وحل أسباب أزمة الحرب والفوضى المسببة لهجرتهم؟

نعم أصبحت سوريا الدولة الأكبر لتصدير اللاجئين كعكة للقوى الخارجية مثل روسيا، أمريكا ودول الشرق والغرب الرأسمالي. الأمر الذي يعني للكثير من المحللين السياسيين ضرورة تقييمها أو سيادة نظام جديد يرضي أمريكا وروسيا مجابها لمد داعش.  

يقول أردوغان في لقائه مع برلمانيي الرابطة الأوروبية بأن تركيا تستقطب أكثر من 2 مليون لاجئ سوري بميزانية تجاوزت 7 مليار يورو. وها هي الآن تُهاجم من الرابطة الأوروبية نفسها باعتبارها دولة لا تحترم حقوق الأكراد رغم دخول حزبهم HD  في البرلمان التركي.

في هذا الصدد تقدم الاتحاد الأوروبي بمقترح تكوين معسكر كبير في تركيا أو شمال سوريا ليتم تسجيل اللاجئين وفرزهم وإيقاف هجراتهم الضخمة إلى أوروبا لاسيما السورية منها. هذا كما اقترح دعم تركيا ماديا وتسهيل منح تأشيرات السفر للأتراك إلى أوروبا كمقابل لجهود تركيا.

ميركل المرأة الفولاذية الثانية

في لقاء مطول بقناة ARD تحدثت المستشارة إلى الجمهور والمذيعة المشهورة "آنا نوفيل" موضحة الرغبة الجامحة في حل قضايا اللاجئين انطلاقا من أن الحروب وقهر الحكام أرغمهم على هجرة مواطنهم تقول "أيعقل أن يبارح أحدهم موطنه ليقطن في معسكر لاجئين في ألمانيا. هذا كما وضحت المستشارة بأن من يغلق الحدود بوجه اللاجئين لن يأتي بنتيجة إيجابية فاللاجئين يجدون دوما طرقا سرية كهجرتهم السرية لاختراق حدود أوروبا.

كان وقد طالب "زي هوفر" و 34 برلماني بحزب CDU المسيحي الديمقراطي الحاكم بأن تغلق المستشارة الحدود لإيقاف هجرة اللاجئين الجدد. وضحت المستشارة في لقائها التلفزيوني مقدرتها على الصمود في وجه تحديات هجرة اللاجئين وضغط حزبها CDU والحزب الحليف CSU للحد من هجرة اللاجئين.

وفي فرنسا ألقت المستشارة خطبة رائعة مع الرئيس الفرنسي بشأن هجرة اللاجئين وقضايا الاتحاد الأوروبي. أعادت خطبة ولقاء ميركل وأولاند ذكريات لقاء وخطبة المستشار هلموت كول وميتيران قبل عشرين عاما أمام البرلمان. لاحظ المحللون بأن خطبة ميركل أحذت حيزا كبيرا لقضايا اللاجئين ودعم دول جنوب أوروبا وتركيا لاستقطابهم وطالبت مجددا بالقسمة العادلة بين دول الرابطة الأوروبية لاحتواء اللاجئين والاعتراف ببعض دول أوروبا الشرقية مثل ألبانيا ورومانيا كدول آمنة لا تقبل من مواطنيها طلبات اللجوء السياسي.

كان وقد شاع بأن ميركل تود التخلي عن "دي ميزير" وزير الداخلية لعدم كفاءته وتحفظه تجاه الأجانب وعدم مقدرته على تنسيق هجرتهم الجديدة. قالت المستشارة أنها لم تتخل عنه وإنما أرادت من تحويل قضايا اللاجئين لمكتبها أن ترفع المسؤولية عن عبئه كما أنها تود المشاركة في حل قضايا اللاجئين انطلاقا من القيم المسيحية الداعية إلى الوقوف جانب المقهورين والمظلومين. هنا أشارت المستشارة إلى تسمية وبرنامج حزبها المسيحي.

في لقاء أجري مع لاجئين سوريين بألمانيا أعرب جلهم عن رغبتهم في العودة إلى سوريا شريطة أن يرحل نظام الأسد القهري وعودة الكرامة للمواطنين والديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان. إلى جانب هذا أجري اللقاء مع اللاجئين الأفغان والعراقيين  وتبين روح التنافس والكُره بينهم لضيق المخيمات وتدني الخدمات والإسراع بقبول وتسجيل طلبات معظم السوريين في منآى عن الأفغان والعراقيين ومواطني شرق أوروبا.

اعترض حزب الخضر واليسار على عدم الاعتراف بطلبات لجوء مواطني شرق أوروبا كالرومان  المقهورين المهمشين والصرب،  يقول "غيزي" رئيس حزب اليسار المعارض بأن سياسة الفرز والإقصاء المتبعة في ألمانيا شبيهة بنظام هتلر الذي كان يحرق  المعوقين والمتسولين ويبقي على الأقوياء والأصحاء فقط. أما "زي هوفر" رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي بولاية بايرن فقد أعلن بأن ولايته ستقلص استقطاب اللاجئين القادمين عبر النمسا إلى ألمانيا وهدد بأن يخرج على سياسة ميركل. يقول لا يمكن أن تتقبل ولايته كل يوم ما لا يقل عن 1000 لاجئ! كيف يتم دمج وانسجام هذا الكم الهائل في المجتمع ، ثم أن ولايته ليست الولاية الوحيدة في ألمانيا فثمة خمسة عشر ولاية ألمانية بموسوعها استقطاب ودمج اللاجئين. وها هو مجددا يعلن تحديه وهيمنة ولايته الثرية بأن سياسة فتح الحدود للاجئين ستخسر شاءت المستشارة أم لم تشأ، علما بأنه حاول تبرير رأيه كحزب حليف لميركل  بأن الدستور الألماني والأوروبي معا لا ينسجمان مع فتح الحدود.

في جو كهذا تسوده هجرة اللاجئين إلى أوروبا لاسيما ألمانيا، ينبري "هيرمان" وزير داخلية ولاية بايرن مهددا ومناكفا لسياسة ميركل تجاه اللاجئين "فتح الحدود". استند هيرمان على تصريحات "زي هوفر" الرافضة لسياسة تدفق اللاجئين. فكلاهما هدد بتوقيف اللاجئين في حدود ألمانيا الجنوبية / ولاية بايرن وتفتيشهم خوفا من انتحال بعضهم لهويات أخرى، لاسيما السورية لموافقة ألمانيا على طلبات لجوء مطاردي الحرب والقمع في سوريا حاليا. إلى جانب هذا هدد "زي هوفر" بإرجاع قطارات اللاجئين إلى النمسا لاكتظاظ ولايته بهم، 25 ألف لاجئ معظمهم من السوريين، أو ترحيلهم إلى ولايات ألمانيا خلافا لما اقترحته حكومة ميركل.

أما النمسا فقد حذرت من إرجاع قطارات اللاجئين إلى أراضيها لأن اللاجئين يودون التوجه إلى ألمانيا، وليس النمسا إلا دولة ممر. يقول زي هوفر في اذاعة "بايرن" بأن ميركل تعمل عكس اتفاقية دبلن كما أن فتح الحدود محظور في الدستور الألماني والأوروبي.  لم تهتز المرأة الفولاذية "ميركل" من تصريحات "زي هوفر" ولا اعتراض الكثير من أعضاء حزبها، لاسيما اعتراض 34 برلماني المذكور سابقا. فهي ترى بأن سياستها منوطة بالصبر والتحدي كما أن إيقاف هجرة اللاجئين غير منطقي ومستحيل لأنهم سيجدون طرقا عدة للدخول إلى ألمانيا.

من ضمن الانتقادات الموجهة إلى المرأة الفولاذية أنها لا تملك خطة واضحة لاستقطاب وتنسيق وضع اللاجئين. صرح بهذا النقص بعض أعضاء حزبها والمتحدث الرسمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD وكذلك حزب اليسار والخضر المعارضين.

لقد قدم معظم هؤلاء اللاجئين عبر تركيا ومن ثم إلى السواحل الجنوبية لأوروبا ـ اليونان وإيطاليا ـ التي سيدعمها الاتحاد الأوروبي بمبلغ 80 مليار يورو لتسفير 40% من اللاجئين المرفوضة طلباتهم.

يرى أكثر من محلل سياسي بأن زي هوفر عازم على إظهار سلطته وريادة حزبه وولايته، أكثر من كونها إحدى الولايات الممولة للولايات الألمانية الستة عشر، هذا كما عرف زعماء هذا الحزب بتحفظهم تجاه الأجانب مثل "فرانس جوزيف شتراوس" رئيس الوزراء الأسبق للولاية الذي حول بايرن من مجتمع زراعي إلى صناعي، يقول شتراوس "أسوأ ما يحدث لبايرن هو الاختلاط بالأجانب وتدفقهم إليها" هذا كما عرف بعنصريته وعلاقته الوطيدة ببعض أعضاء سياسيي جنوب أفريقيا العنصرية.

من جديد تعود لتظهر صورة ألمانيا مكبلة بأصفاد النازية إذ سيعرض فيلم عاد مجددا ليظهر هتلر القائد النازي كشخصية هزلية. كان وقد أجريت لقاءات خاطفة مع المشاهدين الألمان لصورة البطل الشبيه بهتلر فأعربوا عن ارتياحهم وتحدثوا عن رغبتهم في سيادة نظامه من جديد، اثر أن تدفق اللاجئين إلى ألمانيا ووصول حضارة الإسلام (الحجاب والتخلف).

ذكر باحث سياسي في اذاعة "إنفو" بأن مشروع السياسة الموجهة سيعود من جديد إذ أن "حركة بيجيدا" وخوف الألمان من الكم الهائل من اللاجئين يتطلب سياسة وثقافة ألمانية موجهة وإلا ذابت الهوية الألمانية، لاسيما وأن تعداد الألمان في تناقص مستمر. من جانب آخر أعربت وزيرة التعليم قائلة "بأنه لا خوف من سيادة ثقافة الأجانب إذ أنها ستكون إثراء وإضافة للثقافة الألمانية وكما أشارت إلى خطتها لمحو الأمية بين الألمان قرابة ربع مليون وكذلك اللاجئين بإدخال نظام محو الأمية في شبكة الإنترنت إذ بوسع الأجانب الدخول إليه عن طريق التليفون المحمول .

إن معظم اللاجئين حاليا من سوريا والعراق وأفغانستان وكذلك من ارتريا. هاجر اللاجئون الارتريين هربا من الالتحاق بالخدمة العسكرية الاجبارية وكذلك الفقر وهضم الحريات. لم يحظ هؤلاء بتسليط الإعلام الألماني على وضعهم لاهتمامه بقضايا السوريين، فسوريا دولة ذات ثقل في الشرق الأوسط وبموقع استراتيجي مميز لا تتورع روسيا بأن يشرد ويقتل كل السوريين للإبقاء على هيمنتها هناك. لقد ذكر غيزي رئيس حزب اليسار المعارض بأن قضايا اللاجئين تعالج للأسف وفقا لمصلحة الدول المضيفة لهم وليس لتردي وضعهم الاجتماعي والسياسي، فكم من لاجئ من دول شرق أوروبا أو أفريقيا استحق اللجوء إلا أنه رد لانتفاء المصالح الاقتصادية بين دولته ودول أوروبا. يحدث كل هذا وتجارة السلاح والشركات الألمانية الممولة للحروب المشردة للمواطنين الأبرياء تزدهر ميزانيتها عاما بعد عام بل يعمل فيها بعض الساسة الألمان المروجين لتجارة السلاح مثل "ديرك نيل" وزير التنمية سابقا من حزب FDP  الليبرالي.

هل ستحصل المرأة الفولاذية، ذات الارادة القوية والروح المتسامحة المستشارة "ميركل" إبنة القس البروتستانتي على جائزة نوبل للسلام؟

نشر هذا المقال في مجلة الدليل الالمانية

amir.nasir@gmx.de

 

آراء