الله .. يكضب الشينة … بقلم: ضياء الدين بلال
5 November, 2009
diaabilal@hotmail.com
القصة» تبدو أقرب للخيال.. في مارس 1998 ونحن مجموعة من الشباب كنا محررين بصحيفة «الوفاق» تحت قيادة الراحل محمد طه محمد أحمد.. في تلك الايام جاء أحد المتعاونين مع الصحيفة، وأظن اسمه الهادي، وهو من أبناء غرب الجزيرة.. شاب على مشارف الثلاثينيات، قصير القامة، بارز الاسنان، صاحب ابتسامة ريفية محببة. يبدأ معك الحديث بكلمات متقطعة وأفكار مبعثرة. ويختم بضحكة مبنية على المجهول..!
هذا الشاب في ذلك الوقت قدم «للوفاق» مادة ملتبسة، بين التقرير والمقال.. محتوى المادة المصاغة بطريقة اخبارية، يقول بوصول الصادق المهدي للبلاد، عبر مطار الخرطوم . وان جموعاً غفيرة من الأنصار كانوا في استقباله. تتقدمهم قيادات حكومية بارزة. محاطة بكاميرات ومايكات أجهزة الاعلام..فالصادق قد خرج من التجمع الديمقراطي. وأن قائد حزب الامة قد صلى الجمعة بأنصاره في مسجد جده بودنوباوي..وبرر لخطوته تلك بحزمة من الأمثال الشعبية وأبيات من الشعر..!
سكرتير التحرير وقتها تحير في المادة..لأنه يعلم انها غير صحيحة البتة.. فحزب الامة وقتها لا يزال حاملاً للسلاح في الخارج.. وعبد الرحمن الصادق نشط في تفجير أنابيب النفط..!
سكرتير التحرير كان زميلاً قليل الخبرة. فقد قام بنشر المادة في صفحة التقارير.. وفي اليوم الثاني حينما خرجت الصحيفة، تفاجأ القراء بالتقرير الاخباري، الذي يتحدث عن وقائع خارج مجرى الأحداث السياسية.. واحتجت قيادات حزب الامة في الداخل على ذلك «الخبر المفبرك»..واتهمت الصحيفة بأنها تسعى لاثارة البلبلة داخل التجمع..!
الاستاذ محمد طه غضب لما نشر في صحيفته. وعاقب سكرتير التحرير بالابعاد عن المنصب.واصدر قراراً بمنع المدعو «الهادي» من دخول الصحيفة واعتذر لقيادة حزب الامة.
بعد ذلك تطورت الاحداث السياسية. وتغيرت المواقف. وانسحب حزب الامة من التجمع. وعاد الصادق في «تفلحون» عبر مطار الخرطوم في نوفمبر1999 .وصلى بالانصار في ودنوباوي. واستخدم المثل : (من فش غبينتو خرب مدينتو)..وهو ذات السيناريو الذي جاء في التقرير التخيلي لذلك الشاب المغضوب عليه (الهادي) والذي لم أره منذ تلك الواقعة..!
تذكرت ما حدث وأحد الاصدقاء المتشائمين يروي لي من خياله سيناريو فوضى قادم. لا يتقسم فيه السودان الى دويلات، ولكن تتقسم فيه الخرطوم الى مناطق عسكرية . كل قائد يسيطر على كوبري ويحتل منطقة سكنية، ويفرض رسوم عبور .. حتى يقول لك القائل : (من الافضل ان تمشي بكوبري الفتيحاب لانو ناس مناوي ديل بفرضو رسوم أقل من ناس باقان المسيطرين على كوبري النيل الابيض. وانت راجع اخير ليك جماعة الطيب مصطفى المسيطرين على كوبري المنشية ديل بتفاهمو شوية)..!
وتنقل الفضائيات مشاهد من معركة نشبت بين جماعة محمد عبد الكريم والكتيبة الحمراء التي يقودها سليمان حامد في الديوم..ورويترز تنقل خبر عملية انتحارية تمت ببحري بالقرب من مباني الامم المتحدة..!
أصابني الرعب وانا استمع لهذا الصديق المبدع في صناعة وترويج الاحباط. والذي عودني في كل شئ ألا يرى الجزء الفارغ من الكوب بل لا يرى الكوب من الاساس.
أحد المخرجين العراقيين كان معنا في دورة الوثائقيات بمركز الجزيرة بالدوحة اسمه (عمر)..قال لي إن أخطر عدو كان يتربص به بعد سقوط بغداد هو الاسم الذي يحمله..فقد كانت بعض المجموعات الشيعية المتطرفة تقتل على الاسم.. فكثير من العراقيين قتلوا لانهم كانوا يحملون اسم (عمر)..!
الصديق الباشمهندس بكري أبو بكر صاحب موقع (سودانيز أون لاين) أهداني فيلم «هوتيل روندا»..وهو فيلم يعكس الوجه الاجتماعي لحرب الهوتو والتوتسي. وكيف ان القتل كان يتم على الاسماء وحجم الأنف..!
السياسيون الحاكمون والمعارضون هذه الايام يبدو انهم قرروا ان يحسموا صراعاتهم على حافة الهاوية.. بينما الشعب المسكين ينتظر مصيره تحت ظلال السكاكين الصدئة.. ولا حزب رشيد يقول كلمة خير، أو يرفع زهرة للأمل..ماذا يضير الساسة إذا انهار الوطن، ففي جيوب الكثيرين منهم أوطان احتياطية تعينهم عند اللزوم.