الليمون سقايتو عليا.. يا حاج أنا

 


 

 

جاءني عبير الليمون هذه المرة من تلافيف شبكة المعلومات. ومن موقعي في منظمة الإيقاد، كنت ابحث عن تاريخ السياسة في القرن الافريقي، في الحرب العالمية، او هكذا سموها، كانت ايطاليا في الطرف الآخر (مع المانيا)، وكانت اثيوبيا أقرب للحلفاء (بريطانيا وفرنسا وآخرين). ولا تزال الساسة في القرن الافريقي عميقة ومعقدة، أرجو يوماً أن أكتب عنها يزاوية الشوف التي تليني.

فقد قرر الحلفاء حينها أن تضم اثيوبيا اريتريا (من الايطاليين). وكان السودان في كنف جلالة الملكة البريطانية، وجيشه يعمل تحت راية الملكة لصالح الحلفاء. وقد اقتحم الطليان كسلا وضربوا القضارف، ووصلوا حتى الخرطوم العاصمة . وقد مات في هجمة القضارف (حمار كلتوم.. ست اللبن).

لينساب صوت المطربة عاشة الفلاتية في نوع من أغاني التوجيه ودعاية الحرب.. وقد انشئت إذاعة أم درمان للغرض.. واستقطب المطربون للغرض..
الله ليا .. الليمون سقايتو عليّا
يا حاج أنا
الله ليا جاهل صغير يا حمامة.
يوم لبسوه الكمامة..
ودّوهو خشم القربة يارب عودة سلامة.
الله ليا .. الليمون سلامة بريا يا حاج أنا
الله ليا .. في الجو طيارات ..
الله ليا .. في البحر غواصات
الله ليا .. في البر دبابات مدمّرة
الله ليا .. موسيليني بنوصيك..
(موسيليني هو الرئيس الايطالي وقتها)
الله ليا دا هتلر الغاشيك.. الله ليا

(وهتلر بالطبع هو المستشار الالماني المعروف)
شوف ليك زول يهديكا .. وهنا السلاح راجيكا..
في العاصمة.

تركت بحثي وسرحت مع الليمون. فأول ما بلغت السعي وذهبت خلف أغنامي أرتع وألعب، كان إلى الشمال من قريتي زينوبة، وجوار موقع قرية الدامر القديم، وضمن مجرى خور ابو رميلة المعروف بالخزان، في امتداد بخيرة خزان سنار.

كانت هناك شجرتا ليمون ومعها صفين من أشجار الحناء في بستان مهجور. كنا نعرفها ب(الليمونايات) عندما تنزل اغنامنا إلى منخفض الخزان، لتشرب وترعي أو تعود متكاسلة للمقيل تحت ظلال غابة السنط الكثيفة، كنا نقصد تلك الليمونايات عسى أن نظفر بواحدة تسقط أو نسقطها. ثم نتولي إلى الظل.

عرفنا الليمون في البيت للدواء اقرب منه للغذاء. يقدم في حالات النفاخ والطمام والكوفارة وللدغة العقرب. وفي سلة الغذاء من السوق كان وما زال الليمون ياتي في سلة الخضار وليست الفاكهة.

وفي المائدة تقدم نصف ليمونة في صحن صغير جانبي مع الشطة والملح. كما أن شربات الليمون بالسكر هو أول ما يقدم لضيف عزيز، كان هذا قبل الشراب المصنوع مختلف الالوان والنكهات. تحديداً قبل انتشار زجاجات مصنع الشرق للتعبئة الذي نشر قواريره من الفراولة إلى كل السودان في السبعينيات. فاكتسحت الفراولة البيوت والأعراس. ثم بعد ذلك ظهر التمر هندي والروزانا وغير ذلك.

وعندما دخلت إلى حنتوب، كانت شجرات الليمون وشجرتا المنقة أميز ما تميز حديقة داخلية ودعدلان التي تحتفظ كثيراً بكاس الحديقة في مجمع مدرسة حنتوب الجميلة.
وكنت من المهتمين بتلك الحديقة، وقد كان ابراهيم محمد ابراهيم (البزعي)، يجهد نفسه عندما يكون التنافس، فياتي بالاقحوان مرة، ومرة الايفوربيا وبنبات مختلف ألوانه وعبيره.

كنت من حاصدي ثمار تلك الليمونايات، خاصة في السنة الثالثة. عندما اصحو باكراً واصلي الصبح بغلس الليل، ادلف تحت إحدى تلكم الشجرات فالتقط ثمرة ناضجة يانعة. فاتخذ منها عصيراً ورزقاً حسناً، واذهب باكراً للفصل، لا يسبقني في ذلك إلا الدكتور مبارك الخضر رحمه الله وأحسن إليه. ولا أنسى صديقي مبارك محمد أحمد.. الأديب.. الرياضي.. أظن تم قبولع في أداب الخرطوم.. ولا أدري درس بها أم غادر.. كان هو الأخر.. من مذكري الفجر.

وعندما دخلت إلى كلية الزراعة كان الليمون ضمن محاصيل الفاكهة. وشجرة الليمون تتوسط عائلة الحمضيات من البرتقال واليوسيفي والقريبفروت واللارنج والباميلو citrus maxima . . الليمون شجرة دائمة الخضرة تعشق الشمس والماء. كما تعشق أن يكون معها النحل والفراش الحائر (طاف الفراش الحـاير مشتاق على زهــراتك حبيبي آه.... انا غــــاير بخــــاف على وجـناتك). مقدمة الفراش الحائر مشهورة تستفتح بها الإذاعة. لة تكتب لكتبتها.

كان اساتذة البساتين، الاساتذة الدكاترة: جعفر محمد الحسن، عبدالرحمن الطيب عبدالحفيظ، بيتر أوتنقوا، عبدالله الحسن (الاخدر)، عبدالله ابراهيم (الاحمر)، فاروق حسن آدم، ابوبكر ابوالجوخ، داوود حسين، معتصم نمر، الصادق حسن الصادق، أحمد عبدالكريم بدري ولا شك آخرين كانوا هناك. رحم الله من مضي وأحسن إلى من بقي منهم، وإيانا.

كان الليمون محورياً، إن كان ذلك في علاقات الماء بالنبات، أو في فسيولوجيا الانبات أو فسيولوجيا ما بعد الحصاد أو امراض النبات أو رعاية البساتين.. وحتى في تربية النحل.. فالليمون كان حاضراً بين محاصيل الفاكهة، شجرة دائمة الخضرة تعشق الشمس والماء وتنفث عبير زهرها الأبيض، الذي له عشق خاص مع النحل لانتاج العسل. لكن الفراشة الرقطاء الجميلة تضع يرقتها الخضراء التي تقتات على ورق الليمون.

وعندما عملت مفتشاً زراعياً حدثاً كان انتاج ورعاية الليمون ضمن مهامي. فكنت ارعاها واسمدها وارويها وأقطف ثمرها. فقد كنت فريق من المفتشين والخبراء ومساعدوهم في مؤسسة النيل الابيض الزراعية: توفيق عبدالرحيم، عبدالجليل فضل حمد، فاروق الحلو ، رحم الله من مضى و اكرم من بقي.

ثم ذهبت قدماً لجنوب كردفان في مهمة أكاثر فيها شتل الليمون. اذهب لام سردبة لانتقي من بساتينها أحسن الثمار، فاعصرها واستخرج حبها واغسله بالماء والرمل، لأزرعه ثم أرعى شتله ثم ابثه للناس. كان فريق عملي الذي استلمته بعد المهندس كمال عثمان بلة: الفنيون سليمان عبدالله، عبدالله تشك تشك، جبريل المراد، ثم انضم إلينا الفنيون في اوقات مختلفة عبدالرحمن علي فضيل، عثمان، محمد الحسن، والأمين. كما استعنا بالفني أحمد كجو من بساتين المديرية. كان لدينا مشتلاً وبئراً ومسجداً عريشة ومخزناً صغيراً، ومحطة لقراءة المطر. كان ذاك ضمن منظومة مشروع التنمية الريفية بجبال النوبة.

أما النفوذ إلى داخلة ثمرة الليمون، فذاك، أعزك الله شأن آخر. بدءاً بحامض الستريك الذي يشتق الليمونه منه اسمه citron. فحامض الستريك أو حمض الليمون، درسناه في مادة الكيمياء العضوية، وفي مادة فيسولوجي تغذية الحيوان.
إذ هي (دورة حمض الستريك Citric acid cycle‏ أو حلقة حمض الليمون. إذ هي سلسلة من التفاعلات الكيميائية المحفزة بالأنزيمات لها أهمية أساسية في جميع الخلايا الحية التي تستخدم الأكسجين في التنفس الداخلي. إذ هي جزء من مسار الأيض الذي يحول الكربوهيدرات، والدهون وبعض الأحماض الأمينية إلى غاز ثاني أوكسيد الكربون وماء ويولّد طاقة قابلة للاستهلاك وطاقة تختزن في الخلية) أذكر الأن منها أنها أحد منتجات التمثيل الغذائي داخل جسم الإنسان.

يستخدم حامض الليمون كمادة غذائية مضافة. قيل عنه أنه مادة هاضمة البروتيات، ويعمل على تعادل المواد المعدنية الزائدة في الجسم. وتقوية الاوعية الدموية. كما يقي من مرض الاسقربوط (نزيف وتقرجات اللثة والفم) وتستخدم السترات لعلاج حصاوي الجسم وإدرار البول، ومن ثم خفض ضغط الدم.

ويستخدم ماء الليمون في انقاص الوزن. وجهات طبية اخرى تنصح باستخدام المصاصة في تناول عصير الليمون، بل لشرب كل المشروبات الحمضية وحتى السكرية لتقليل تلامس تلك المواد مع مادة الاسنان.

وبثمرة الليمون ايضاً يوجد حامض الفوليك الذي يساعد في عملية انتاج كريات الدم الحمراء، لذلك ربما ياتي مفهوم ان الحمضيات تزيد الدم (من الفم للدم.. مش كده. وان ما بالليمون من فيتامين سي (ج) يقوي مناعة الجسم من الامراض، وما به من فيتامين بي المركب . ينفع لمعالجة البثور والبقع السوداء.. ويقلل من تجاعيد الوجه.

كان السودانيون، قبل التحول إلى ألوان اخرى، كان اللون الأخدر ، لون الليمون مكان حفاوة: (خداري البحالي ماهو داري)، (الطير الخداري)، وحتى خداري الما بخلي وين يالأخدر اللونو زرعي). كما كان الليمون يحمل تلك الصفة المحببة. وقد نفذ الليمون حتى إلى جلالات الجيش الصباحية النشيطة: الليمون الأخدر .. سقيتو بالجردل .. حلاتو بالسكر..

قارئ العزيز، ارجو ان اقدم لك كوباً من عصير الليمون، لضيافتك في هذه الصفحة : حزمة نعناع، ثلاث أو اربع ليمونات خضراء مكتملة، خمسة كاسات ماء، ثم بعض السكر . يغسل النعناع، تزال قشرة الليمون. يقطع الليمون إلى حلقات، تزال منه البذور . توضع المكونات في خلاط لتخلط ثم تصفى وتقدم وتشرب طازجة. بالهنا...
الصادق عبدالله عبدالله
Sadigabdala@gmail.com
الثالث من ابريل 2014.

 

آراء