المال السياسي في انتخابات الديمقراطية السودانية

 


 

 

 

 

لم يزل تزوير الانتخابات الديمقراطية ساري المفعول، بعد أن أسهمت الحركة الإسلامية التي وثبت إلى السلطة عام 1989، بعد انقلابها العسكري ، وطوال انتخاباتها الصوريّة التي قامت بها تغطّية للتزوير، لتصوّر للعالم أنها أضحت ديمقراطية الفعل، والرغبة الدائمة لتُغسل عنها تهمّة الانقلاب العسكري.

لذا يتعين لنا أن تقوم الحكومة الانتقالية، لوضع الضوابط، لتكون انتخابات المستقبل شفافة، مبرأة من تزوير الانتخابات بواسطة المال السياسي. لقد أسهمت العولّمة في انتقال الأموال عبر الدول. لذلك تدخل المال السياسي في الانتخابات بدون ضوابط، مما نتج عنه تزوير في الانتخابات حتى الديمقراطية.

(1)
مثال 1.
المال السياسي لحزب الأمة في انتخابات صيف 1956، الذي أدى لقيام حكومة برئاسة السيد عبدالله خليل: ص260- 261 ، مذكرات خضر حمد، الطبعة الأولى سنة 1980:
قضية عبد المنعم:
{ ومما يزيد ما ذهبت إليه وأن الغاية كانت الوصول إلى الحكم، بأي وسيلة وقد تحالفت جهات ثلاث وإن المؤامرة كانت قد بدأت قبل الاستقلال، تلك القضية التي رُفعت ضد عبد المنعم حسب الله، وكان عبدالمنعم قد أتهم الحكومة ورئيسها بالرشوة والتآمر. وعند نظر القضية أبرز عبد المنعم وثائق دامغة تثبت أن النواب الذين تحولُوا ،كانوا يتناولون مرتبات شهرية من عبدالله خليل بواقع خمسين جنيها في الشهر منذ يناير سنة 1956، وجيء بالكشف أمام المحكمة عليه أسماء النواب والمرتبات التي يتقاضونها، وتوقيع السيد عبدالله خليل عليها. وكان المرحوم مبارك زروق هو المحامي عن عبدالمنعم، قاصرا على أحد شيئين: إما أن يحضر السيد عبد الله خليل أمام المحكمة، ويؤدي الشهادة وهو رئيس الوزراء، أو باعتراف للمحكمة، بأن ذلك التوقيع هو توقيعه وهو يقرّه، واختصر عبدالله الطريق واعترف بصحّة الكشوفات والتوقيع. وكانت تدفع المرتبات لأولئك النواب على أنهم نواب الختميّة، بينما هم من الحزب الوطني الاتحادي، ولم ينفصلوا عنه إلى يوم إسقاط الوزارة الائتلافية. تلك صورة من صور الماضي المخجل نسجلها للتاريخ.}

(2)

مثال 2.
المال السياسي الذي قدمته مصر في التدخل لمصلحة الحزب الوطني الاتحادي، في انتخابات صيف 1956 الذي أدى لقيام حكومة برئاسة السيد إسماعيل الأزهري في حكومة 1954:
الحلقة رقم (65) المسجلة في قناة الجزيرة الفضائية بتاريخ 5/10/2006 من برنامج ( مع هيكل) قضية السودان: الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=f6UP-dQ9-6I&t=725s

{ ملخص المال السياسي بكشوفات البنك، من أن الصاغ صلاح سالم، عضو مجلس انقلاب 1952قد قدم رشى لفوز الحزب الوطني الاتحادي بقيمة مليون ونصف المليون من الجنيهات المصرية، دعما من مصر للحزب الاتحادي الديمقراطي في انتخابات عام 1953، والتي فاز الحزب الوطني الاتحادي بأغلبية برلمانية مطلقة، لأول وآخر مرة في تاريخ السودان يفوز حزب بالأغلبية المطلقة، وفاز بعدد (51) مقعد من أصل (92) مقعد، بينما حصل حزب الأمة على عدد (22) مقعدا، وبذلك شكّل حزب الوطني الاتحادي حكومة برئاسة إسماعيل الأزهري}

(3)

لا يوجد اقتصاد رأسمالية السوق في أي دولة ديمقراطية، أو الأغلب أنه لا يمكن وجود ذلك لفترة طويلة، بدون تنظيم وتدخل حكومي على نطاق واسع، لتغيير تأثيراته الضارّة. فدولة مشهورة في التزامها برأسمالية السوق، وهي الولايات المتحدة، فإن الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، والحكومات المحلية تتدخل في الاقتصاد بطرق أكثر من أن تعدّ ونسوق أمثلة لذلك:
تأمين البطالة، معاشات الشيخوخة، سياسة مالية لتجنب التضخم والركود الاقتصادي، الأمن الغذائي، الدواء، الخطوط الجوية، السكك الحديدية، الطرق السريعة، الشوارع، الصحة العامة، مكافحة الأمراض المعدية، التطعيم الإجباري لأطفال المدارس، التأمين الصحي، التعليم المتوسط، بيع الأسهم والسندات المالية الأخرى، ومنع الاحتكارات وقيود أخرى على التجارة، تخطيط المدن والأعمال السكنية، معايير البناء، ضمان تنافس السوق، فرض أو خفض الرسوم والحصص على الواردات، الترخيص للأطباء والمهندسين وأطباء الأسنان والمحامين والمحاسبين وغيرهم من المهنيين، وإنشاء الحدائق القومية والمحافظة عليها، وحدائق الولايات وأماكن الترفيه ومناطق الحياة البرية، وتنظيم الشركات والأعمال لمعالجة التدمير البيئي، تنظيم منتجات التبغ لخفض معدلات الإدمان، والسرطان وآثار ضارة أخرى.

عبدالله الشقليني
20 مايو 2020

alshiglini@gmail.com

 

آراء