المتاحف الأمريكية في السودان .. نظرة من دون نظرة

 


 

محفوظ عابدين
19 October, 2017

 

 

يبدو ان السيد وزير الثقافة الطيب حسن بدوي لم يجد ما يقوله في موجة التصريحات لكبار المسؤولين في الدولة ورجال الاعمال واصحاب الاعمال الصغيرة والهامشية الذين تحدثوا عن الاضرار الكبيرة التي لحقت بالشعب السودان من جراء تلك العقوبات الامريكية والتي استمرت لاكثر من عشرين عاما ، يبدو ان السيد وزير الثقافة لم يجد ما يدخل به هذه الموجه الا من خلال هذا المقترح والذي كلف به وزير الدولة اثناء اجتماع يبحث ترتيبات قيام معرض الكتاب ، بانشاء متحف يعكس الاضرار الكبيرة التي تعرض لها السودان جراء هذا الحصار الامريكي ،والعلاقة التي تجمع الوزارة بالعقوبات يبدو انها هي هذا المتحف باعتباره عملا( ثقافيا ) ومن إختصاصات الوزارة ، ونحمد للوزير انه لم يخرج من (مولد) رفع الحصار من دون (حمص) اي من غير مشاركة في الحدث المهم للشعب السوداني ، واذا اخذنا الفكرة من جانبها الثقافي والسياسي هو تذكير الاجيال القادمة بانه في دولة اسمها امريكا فرضت على السودان عقوبات لمدة عشرين عاما وتضرر منها الشعب السودان في مجالات النقل والزراعة والتقانة والتعليم العالي وغيرها والمتحف قد يوثق اضرار العقوبات .

وكانت فكرة المتحف هذه يمكن ان تكون مقبولة ومعقولة ان كانت ،قبل رفع الحصار ،ومدعومة بالصور الفتوغرافية والفيديو ونماذج من هذا الاضرار لطائرة معطوبة لسودانير اورأس قطار ديزلل للسكة حديد او نماذج لاضرار في الزراعة اوالعلوم والتقانة والتعليم العالي ، ويمكن لهذا المتحف ان يكون مقصدا لاي ضيف يزور السودان خاصة من الدول الغربية او المنظمات الدولية واعتبار برنامجا مصاحبا، اوبالاضافة لاستقبال الجمهور العامة ، ولكن هذا لم يحدث في اي عهد وزير مر على الثقافة منذ العام 1997م وقت فرض العقوبات و حتى عهد الوزير البدوي الذي مكث في الوزارة لدورتين كاملتين لم يفكر في أمر هذا المتحف .
و الضرر الذي حدث للسودان بالتأكيد لايساوي شيئا بالنسبة لما حدث في اليابان عندما تعرضت مدنها هيروشيما ونجازاكي لضرب بالقنابل الذرية واحدث اضرارا بالغة على كل الاجيال اليابانية ومن هنا كانت فكرة قيام متحف لاضرار هذه القنابل الذرية عليها وعلى مستقبل اجيالها ، واليابان لها القدرة في ربط هذه الاجيال بهذا الحدث المهم والذي اعاد اليابان الى نقطة الصفر وكان هذا الحدث في نفس العام الذي نال فيه السودان استقلاله ، ووزير الثقافة السوداني الذي حاول ان يقتبس الفكرة من طوكيو ،وكان على الوزير ان ينظر اين السودان اليوم واين اليابان .
واليابان عندما قادت مشروعات العودة و النهضة لم تتخذ شعارات ولم تقل في وسائل الاعلام انها ستكون دولة عظمى او تطلق شعارات تنال من الدول الكبرى ولكنها اشتغلت في صمت ورغم قلة مواردها المعروفة للجميع بسبب الطبيعة الجغرافية الا ان ذلك لم يمنع اليابان من التطور واللحاق بدول العالم الاول بل تفوقت على امريكا نفسها في مجال صناعة السيارات والاجهزة الالكترونية ، لدرجة ان المنتخب الياباني المشارك في بطولات كأس العالم يطلق عليه الكمبيوتر الياباني وعندما يتعرض لهزيمة من اي منتخب اخر فان العنوان يكون مثلا كوستاريكا تفك (شفرة) الكمبيوتر الياباني ، باعتبار ان اليابان اصحبت رائدة في مجال تكنولوجيا الحواسيب واصبح هذا الامر شعارلها مثل شعار المنتخبات الدولية مثل (الديوك )الفرنسية او (الطواحين) الهولندية و(السامبا) البرازيلية .
واليابان تجاوزت الدمار الكبير الذي تعرضت له ليس بالمتحف الذي اقامته فقط والا كانت اسيرة ذلك التاريخ ، والسودان عليه ان يفكر بذات الطريقة التي فكرت فيها اليابان ونهضت بها ، والسودان وضعه اليوم احسن من اليابان حينما تعرضت للهجوم الامريكي ، وكان يمكن لوزير الثقافة ان يقود خطا اخر خاصة وان هنالك شعارا تجده في منشاط الوزارة ( الثقافة تقود الحياة) وهذا الشعار لو حولته الوزارة لخطة عمل كان افضل بكثير من فكرة (المتحف ) التي حاول من خلال ان يقول أنه موجود مثل وزارة الصناعة والزراعة والنقل والعلوم والاتصالات اكثر الوزارات المتضررة مباشرة ، والغريبة ذات فكرة المتحف هذه اطلقها وزير الاعلام وقتها د.غازي صلاح الدين عندما ضربت امريكا مصنع الشفاء للادوية في العام 1998م فقال يجب ان يتحول ركام هذا المصنع الى متحف لتعرف الاجيال بشاعة هذا الحدث وان يكون مزارا لطلاب المدراس في مراحلها المختلفة وطلاب الجامعات ، ولكن شيئا من هذا لم حدث ولم يتهم احدا بالامر حتى خرجت الفكرة من نطاق التنفيذ وخرج غازي من الوزارة ومن الحكومة ومن المؤتمر الوطني ، واخشى على فكرة وزير الثقافة من ذات المصير . والغريب في الامر ان وزير خارجيتنا الاسبق د.مصطفي عثمان اصدر عددا من الكتب تناولت احداث وثورات الربيع العربي ، ولم تحدثه نفسه لمشروع كتاب يتناول فيه اثر هذه العقوبات الامريكية على السودان ، ويبدو واضحا ان العقلية التنفيذية متقاربة في التفكير والتي لا تستطيع الذهاب ابعد من ذلك مثل العقلية اليابانية والتي احدث فرقا كبيرا ، وان كان وزراؤنا يذهبون الى ماليزيا والصين لنقل تجاربهما في النهضة فمن باب الاولى الذهاب الى اليابان و الاستفادة من تجربتها والقاسم مشترك ، والفاعل واحد هو( أمريكا ) خاصة وان وزارة التعاون الدولي والتي يقودها الوزير أدريس سليمان قد وضعت خطة متكاملة لمرحلة مابعد رفع العقوبات وهذا هو المفترض من كل وزارة ان تضع خطتها في مجالها بعد ان تحرر السودان من تلك العقوبات ،واصبح مهيئا لنهضة مثل اليابان .

nonocatnonocat@gmail.com

 

آراء