المترسب من تجربة الرق في فكر و ثقافة السودانيين (2)

 


 

 

طه جعفر الخليفة
عند معظم متخصصي علم الإجتماع القبيلة تحالف عسكري و إقتصادي و من أراد الإستزادة يمكنه الرجوع لدكتور عبد الله علي ابراهيم في كتاب فرسان كنْجرت. ليس للقبيلة أي إتساق عرقي بالتالي ستكون فكرة النقاء العرقي المتوهمة غير حقيقية. و الآن مع التقدم في علوم الوراثة إتضح أن البشر مختلطون. هنالك أمر جدير بالتنبيه في وقتنا الحالي في السودان تنحصر اللحمة القبيلية ( كتحالف عسكري و إقتصادي له قيادة كالنظارة مثلا) بشكل عام في وسط عرب دارفور و كردفان بشكل رئيسي و عند البجا بالبحر الأحمر. لا نعرف عن نظارات و عموديات فاعلة في أجزاء السودان الأخري. حتي عند الفور أهل السلطنة و المساليت لا توجد أشكال لعموديات و نظارات يٌسمَع لها، إنما توجد عائلات السلاطين و الشراتي التاريخيين بلا أي سلطة حقيقية علي أرض الواقع.
لقد هزمت الطرق الصوفية في أجزاء السودان المختلفة الروح القبلية و إستبدلتها بزعامات رمزية تتمثل في مشايخ الطرق الصوفية. و الإنتماء للطريقة الصوفية في السودان لا يشبه الطوائف في المشرق العربي فعو انتماء روحي له أسس مختلفة. لذلك كان من الإيهامات المزعجة لصق كلمة الطائفية بحزبي الأمة و الإتحادي الديمقراطي و ذلك في نظري نوع من الإستلاب العروبي ( نسبة لأيديولوجيا القوميين العرب). هذه المباحث تقع من ضمن إختصاصات الأكاديميين في علوم الإجتماع و التاريخ.
من يستخدم التحشيد القبلي من السياسيين و العسكريين يبيع الوهم و له مآرب سياسية و عسكرية أخري. معلوم لدينا جميعا العطايا التي منحها الإسلاميون و الدعم السريع لبعض الناس علي أساس أن يدّعَوا أنهم قيادات قبلية و أكبر دليل علي ذلك تِرِك و من أدعي أنه ناظر البطاحين و بيت النظارة القديمة عند البطاحين معروف و لا سلطة له علي الناس الآن. حتي الموجود في دارفور و كردفان هو مجموعة حواكير ( حيازات أرض) كبيرة إقتطعها سلاطين الفور لبعض الناس لضمان ولاء مجموعات سكانية في مساحات جغرافية محددة من مواطني سلطنة الفور و المسبعات و و المساليت. هذا وهم كبير علينا الإنتباه له و تفويت الفرصة علي من يريدون إستغلاله. إرتباط الدعم السريع بالرزيقات أيضا إيهام آخر يقف وراءه الإسلاميون لأعطاء صراعات المرعي و الحواكير الزراعية أبعاد أخري غير حقيقية أو واقعية بعيدة عن الحقيقة و هي طرد السكان و تهجيرهم للحوز علي أراضيهم من أجل الإستثمار خاصة التعدين الجائر. محمد حمدان دقلو فرد تم توظيفه لمهمة محددة منذ 2013م عن طريق الحركة الإسلامية و قبله كان موسي هلال و كوشيب المسؤلان عن فظاعات الجنوجويد في بداية الألفية الحالية. و المهمة كانت التصدي لحركات دارفور المسلحة المطالبة حينها بالتنمية المتوازنة و التمثيل في الحكم علي أساس مركزي.
أورد الدكتور كمال الصليبي في كتابه عن الرحلة الحقيقية للنبي إبراهيم ما يفيد بأن الأسلاف الذين تتسَمّي بهم قوميات محددة غالبا ما تحيل أسماءهم لمناطق محددة او جبال او أشجار أو وادي لكن هؤلاء الأسلاف الأسطوريون ليسو أناس حقيقيون و هم اسطوريون بالفعل. هذا مبحث مهم لفهم طريقة عمل السلطة في العالم القديم و تبرير الملك و السيطرة علي الناس و معاشهم بإجتراح الأساطير و إيهام البسطاء بها.
خلال كتابتي لهذه المقالات إنتبهت لغيات مباحث و دراسات علم الإجتماع أو المتخصصين فيه عن معالجة مظاهر و تقلبات هذا المارد القبلي الذي لم نقم بالتركيز عليه فيما مضي ربما لأننا خُدِعنا بإتساع المراز الحضرية و العيش السلمي بين المكونات الأثنية للسودان. الكلام عن أصول القوميات السودانية ودراستها يجب أن يكون في أعلي جدول أولويات المتخصصين. غياب الدراسات فتح الطريق لبائعي الأوهام ليستغلوا ذلك في تبرير افعالهم السياسية و العسكرية و إيجاد الكادر البشري الذي يخدمها و يحقق لهم المصالح التي يريدون. هذه الحٌمى القبلية يجب أن تتوقف و للأبد ببساطة لأنها لا تنتمي لعالم اليوم.
فشل الدولة القومية (السودانية) في تلبية حاجات سكانها لا يجب أن يرجعنا لعصر القبائل بل يجب أن يدفعنا دفعاً لبناء الدولة علي أسس العدالة و المساواة و بناء السلام

الدار الما داري وانا مالي بيه بس خلاص يا بلالي وانا مالي بيه
الدار الما داري وانا مالي بيه والبلد الما بلدي ما بمشي ليه
أي نشاور أمي كان ترضى كان تابا ننبني لي بيت في حي الجلابة
أي يا الماشي فوبريكا انت الليمون وانا الجدول بسقيكا
الدار الما داري وانا مالي بيه بس خلاص يا بلالي وانا مالي بيه
أي يا يمة يا أية الجمال شايلة وماشة البديرية الجمال شالت
أي طيراتا عجاجا بياكلني عبو لي زادي النسير مع القمري

التحية لهذه البت التي قلعت يدها من أهلها لتلحق بحبيبها و تني لها داراً في حي الجلّابة مع المهاجرين. هذه أغنية تغنت بها الراحلة المقيمة عشّة الفلاتية ( و هي من الهوسا المهاجرين للسودان) و تسّمت بهذا الأسم لضرورات الإعلام و الشهرة. تغنت بها مع غيرها من النساء و تسجيلها في الإذاعة بصوت القيثارة الوطنية السامقة عشّة الفلاتية. لاحظ البديرية بالنسبة لها مكان و ليس حِمَي قبلي تجأ إليه. بالمناسبة هنالك بديرية دهمشية إلي الغرب من منطقة الشايقية و هم في إختلاط مع الشايقة حتي علي مستوي الأنغام و الغناء و عندنا أغنية الريلة من شعر إسماعيل حسن تغني بها محمد وردي.
طه جعفر الخليفة
أونتاريو – كندا
6 مارس 2024م

taha.e.taha@gmail.com

 

آراء