المثقف السوداني بين دوائر الصراع وجذور الخلاص- رؤية ماركسية

 


 

 

إشراق الصراع
الصراع بين المثقفين السودانيين ليس مجرد خلاف آراء أو سجال أفكار، بل هو تجلٍ لصراع أعمق بين قوى اجتماعية واقتصادية متباينة. إنه الجدل الهيغلي الذي يلتقي بالمادية الماركسية ليخلق جدليةً لا متناهية، يتجسد فيها المثقف كحامل لقضية مجتمعه وكضحية لذات القضية. بين هذا وذاك، يتأرجح المثقف السوداني في محاولاته لفهم ذاته وإعادة تعريف موقعه في قلب التغيير.
فصل شعري أول: دائرة الفقد

يا حبَّة الرملِ في مهبِّ الكثيب
،تُسافرُ نحو ذاتِها،وتنثني حيث لا قاعَ للنهرِ.
غربةُ الفكرةِ صليبُ الجسدِ،
والعينُ تسهوفي غفوةِ الجبال.
بين الواقع والوعي الطبقي
الواقع السوداني، من منظور المثقف الماركسي، يتشابك مع طبقية متجذرة بُنيت عبر تاريخ طويل من الاستعمار والهيمنة الاقتصادية. المثقف هنا ليس مجرد مرآة تعكس المجتمع، بل هو عامل تغيير حيوي. دوره لا يتوقف عند الترف الفكري أو الكتابة التنظيرية، بل يمتد ليشمل قراءة البنية التحتية وتحليل علاقتها بالبناء الفوقي.
ولكن، ماذا يحدث حين يصبح المثقف نفسه جزءًا من هذه البنية التي يسعى لتغييرها؟ هنا يكمن المأزق. المثقفون السودانيون يعانون من تناقضات داخلية بين نزعة نخبوية وسعي صادق نحو التغيير الجماهيري، مما يؤدي إلى انقسامات تعرقل جهودهم وتحد من تأثيرهم.
فصل شعري ثانٍ
مرايا الأوهام
في وجوهِ النُّخَبِ المشرّخة
تعوي الريحُ أغاني الغيم
،ولا مجيبَ إلا الجدرانُ
تُعيد صدى الحكايات القديمة.
الخيال الصوفي ومآلات الثورة
الخيال الصوفي، بالنسبة للمثقف السوداني، ليس هروبًا من الواقع بقدر ما هو محاولة لإعادة صياغته. هنا، تلتقي الفلسفة بالروحانية، حيث يُستعاد الأمل من خلال إعادة تفسير الواقع عبر عدسة الغيب والرمز. الصوفية تمنح المثقف لغة بديلة للخلاص، تتجاوز الثورة المادية إلى تحول روحي عميق.
لكن، هل تكفي الصوفية كبديل؟ ماركس يرى الدين أفيون الشعوب، لكن هل يمكن للصوفية أن تكون استثناءً، وسيلة لتجاوز الألم وإعادة تشكيل الوعي؟

فصل شعري ثالث
انكسار الرؤية
على عتباتِ الصحراءِ،انفجرتِ المرآةُ إلى سبعةِ شظايا.
كلّ شظيّةٍ تأخذُ معها حلمًا.
لكن الأفقَ يظلُّ أزرقَ،كما لو لم يُهزم.
البحث عن وحدة المعنى
المثقف السوداني هو انعكاس لجدلية أكبر بين الواقع والحلم، بين المادة والروح. إن رؤيتنا الماركسية تهدف إلى جمع الشتات وتحويل الصراع إلى طاقة للبناء. تبدأ وحدة المعنى من الاعتراف بالتناقضات الداخلية، وإيجاد لغة مشتركة للخلاص الجماعي.
ليس من رغبةٍ أشدّ من اللغة،تلك العضلة المتشنجة في قلب الغيب،تلك التي تحملُ إرثَ الأمسِوحلمَ الغدِ معًا.
الثورة السودانية لحظة فلسفية متفردة
الثورة السودانية ليست مجرد حدث سياسي؛ إنها لحظة فلسفية تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والوطن، بين التاريخ والمستقبل. هي محاولة لتجاوز الجهل الممنهج والخضوع الموروث، واستعادة الذات الجماعية من براثن الظلامية الفكرية.
في عمق هذا الصراع، تبرز الماركسية كأداة لفهم تناقضات المجتمع السوداني، الذي يعاني من هيمنة نخبة لا تعبر عن واقع الطبقات الكادحة. الثورة المضادة ليست سوى تعبير عن رغبة هذه النخب في الحفاظ على امتيازاتها باستخدام أدوات الدين والتقاليد كوسائل قمع.

إذا كان التحدي هو كسر قيود التخلف وتفكيك البنى التي تحافظ على الاستبداد، فإن الحل يكمن في إرساء قيم العدالة الاجتماعية، والتحرر الفكري، والتضامن الإنساني. الثورة السودانية تعبير عن طموح شعبٍ نحو الانعتاق من قيود الماضي، وتأسيس هوية جديدة قوامها المساواة والكرامة الإنسانية.

zuhair.osman@aol.com

 

آراء