قال أبو الطيب المتنبي : أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ .. إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ وهي من أغرب أبيات الشعر العربي، الذي أزهر منذ العصر العباسي، إلى اليوم . لقد شابهت كلمات الشعر، نسيج ما يحدث من غليان في الطرقات وأحياء السودان، في الأرياف والمدن ، الوطن الذي استعمره تنظيم الإخوان المسلمين. فاق كل تصور أهل التنظيم الذين هيمنوا على مفاصل الدولة و وصولوا للجذور الاقتصادية، ومصوا دمها. وحلحلت عُقدة ألسنة السوء، ففاحت ريحها الكريهة. جاء يوم أن تنزوي أشواك التنظيم، وتزوي هيمنة الاخطبوط . (1) كنت أعلم أن الطيب إن تذوقته، لسوف تستغرب من طعمه ، فرائحته تُضيف إليك حسنها . فكم جميل أن تعلم أن أفضال الانسان على الإنسان أطيب مدى في الطيب الطيِّب. فها هم شباب الغد يخرجون في ثورتهم، آية وعبرة لمن يعرف ويعترف، أنه قد كان يعتقد منا كثيرٌ أن هؤلاء نبتوا في ظل عهد الإخوان المسلمين في السودان. ونما لعلمنا الأبلج أن الحق ، قد ظهر . وإن الخوف قد هجر معاقل الأذهان. وإن بعض الظنون تخيب، وبعضها يدوي طنينه حتى يصرخ حقاً. (2) كانت الناعيات تظن أن لا تلاقيا. وها هي نسمات هذا الصباح أزكى وأنضر. وجدت الناعيات من الأمهات اللائي فُجعن في فلذات أكبادهن ،لا يقلنّ إلا شعر " محجوب شريف " أو شعر " حميد"، الذي هو أقوى من الدموع. سبق السيف حده القاطع بين الظلم والنور. النورس قد بدأ رحلته من فوق ماء البحر، يبشر أن أبناءك وبناتك يا وطني، أغلى من الماس معدناً، وأزكى من الطيب المغمور في حنين النفائس. اختلف اللصوص والقتلة في تفسير الظاهرة . أذهلتهم مفاجأة أكبر من تصور أذهانهم المريضة. فتصوروها " سحابة صيف "، ولكنها لم تكن إلا قول الشعب في بركانه الذي يغلي، ونيرانه التي ستشوي الظالمين .فقد جاء عُرس الوطن، وهب الإخوان من نومهم، يفزعون إلى المدي والرصاص، ليحموا أنفسهم من شباب شعبهم. (3) صدق قائل بأنه ليس للثورة ميعاد، ها هي ريحها صرصر تقتلع خيام الباطل، لا ينفع دعم الجيران للظلمة باسم حماية الدولة من السقوط. فحضارتنا في وادي النيل من أقدم الحضارات الإنسانية، وإن كان ماضيها القريب هين وخيامها لا تقف أمام الفزع الأكبر، فإن قديمها ذهب لامع، لا تطفئ بريقه طفو تنظيم هاجر إلى السودان، واستعصى أن تنمو شجرته في التربة الخيرة، تربة السودان. إن العقوق الذي قابل به أهل التنظيم جميل هذا الوطن، لا شك سوف يأتي بمنْ يتبارون في الردود الفعلي على المكر المُخزي، حين يندلق الشباب من الجنسين رافضين الذل الذي هيمن، وإن قدر جبروت ظلم التنظيم، أن يزول. وإنه ليس للثورة ميعاد، ها هي الأقاليم تُبادر، وتتلقف المُدن البشارات . فغليت المدن مُستنكرة بقاء سوس التنظيم. ولكن الوطن قد نفض الأتربة عن أذانه كما تنض الإبل تراب الريح عن أذنيها. (4) رضي إخوان التنظيم بعاقبة سوء الطوية، أم لم يرضوا فإن الثورة باقية إلى أن يُقتَلع الفساد من جذوره، ونعلم ألا أحد من التنظيم قادر على يلج من سم الخياط، ليصافح الثورة كي تنسى المحاسبة القانونية، أو نسيان التعذيب و الاغتصاب والقتل والسحل، لأشرف أبناء وبنات الشعب، الذي في تاريخه لم يؤذ أحد، ولم يظلم أحد. لقد نسي أهل تنظيم السوء قيم أهلنا وتسامحهم ، حيث كانوا: موائدهم على بساطتها ممدودة لعابري الطريق، ومشربهم دولة بين الفقراء والأغنياء منهم. (5) جاء الاعتراف مُتأخراً بشرعية الثورة، بعد أن سفحوا الدم النبيل في الطرقات، واعتقلوا وعذبوا واغتصبوا وسجنوا. رموا النبلاء بأقذع القول من الشاذ الذي تعُف عنه الأسماع .أنزلهم العامة من منابر المساجد بعد أن دنسوها طويلاً. أطلقوا لحاهم بالسباب يكنسون بها الأزهار بعد أن فاع أريجها. انطلقت الثورة وحار كُهان التنظيم في التوقيت والتنظيم. وارتبك رجالاته وأطلقوا عيارات السباب وهددوا بأن لهم فصائل مقاتلة، سيخرجونهم، وقد فعلوا ذلك بالفعل لا بالتهديد. وخرجوا بالفعل، لم يميزوا من الخوف أن الضحية هم، وأنهم ينصرون القتلة. وسقط شعار إسقاط الدولة، فالمقصود هو دولة التنظيم التي التفّت حول جذور كل خير، يصيدونه لأنفسهم. (6) من المهم أن يحمي النظام المظاهرات، يحمي ابناء وبنات الوطن، لا أن يغتالهم غيبة . من المهم أن يعتبر النظام بالتاريخ. من المهم أن يفكك النظام من الدولة العميقة الفاسدة التي صارت تلتف في جذور شجرة الوطن. من المهم تفكيك دولة الفساد ومؤسساتها: التنظيم الحربائي وبتر تمويله من مال الفساد والرشى. من المهم تفكيك سياسة التمكين. من المهم أن يعتلي أصحاب الكفاءات سلالم الوظائف المدنية والعسكرية. من المهم أن تكون قيادة القوات النظامية لدى الذين ينتخبهم الشعب بإرادته الحرة. من المهم أن يكون للشعب رأي وحرية قلم وصحافة تنطق بالحق دون تجريم، تقف رقيبة على كل مرتشى وفاسد. من المهم تفكيك الدولة الأمنية وتفكيك مؤسساتها الرسمية والسرية. من المهم تفكيك قبضة الذين لا يهمهم الوطن في كثير أو قليل. من المهم تراجع الأهداف الطوباوية في إقامة دولة الخلافة الصمدية، التي لا يقرأ ذوي العالية تاريخها الحقيقي. من المهم عودة العقيدة إلى المجتمع، وتخرج إلى الأبد من السياسة والحكم. من المهم تفكيك دولة صعد إليها المجنسون بالفساد، الذين يحمون أركان النظام. من المهم في ظل نظام حر، أن تبني من جديد مشاريع الدولة بقطاعيها العام والخاص . من المهم عودة المال المسروق من خارج الوطن. عبدالله الشقليني 2 فبراير 2019