المحاكم المختلطة جرذان قديم
4 November, 2009
mohammed shoush [mi_shoush@hotmail.com]
هل أنصح حكومة السودان - إن جاز لي النصح – بقبول قرار حكماء أفريقيا القاضي بتكوين محاكم مختلطة لمحاكمة مجرمي الحرب من المسؤوليين ( وهل هنالك مجرم حرب في دارفور من غير المسؤوليين؟ ) وهل يجود الحكماء بقريحتهم إلا ليطيعهم غير الحكماء منا ؟ .
شخص ما يتمتع بخفة الروح أعطى هذا التصنيف الغريب لمجموع من قادة إفريقيا تقودهم نخبة من قادة جنوب إفريقيا ناقص مانديلا (يعني شربة العدس من غير عدس) والمرة الأولى التي استعمل فيها هذا الوصف بصفة جادة خارج حكايات ألف ليلة وليلة كانت – حسب علمي – في وصف مؤلفي البروتوكولات التوراتية الشهيرة لحكماء صهيون.
وليس هذا هو المهم فأفريقيا مهد الإنسان الأول كما يقولون لا يستكثر عليها أن تكون منبع حكمته أيضاً، وإن كانت الصورة الخارجية لهذه القارة البائسة المحتضرة كما يصفها حتى المؤلهون بها في الغرب لا توحي بشئ من هذه الحكمة.
فليكن حكماء أو غير حكماء، المهم أن هذا النفر- نفعنا الله بحكمته وبهائه - إمتطى كل ما لديه من علم وفهم وتجربة بالتنقيب والبحث هنا وهناك، وفتح له السودان كعادته خزائن أسراره – ليته يكف عن هذه العادة – فنقب وبحث ما شاء الله له التنقيب والبحث واستشار الأسود والبيض وخرج بحكمته إلى هذه الدرة الغالية من النصيحة، لو لا أنها ليست غالية ولا جديدة، فقد اكتشفها الاستعمار قبل قرنين من الزمان : لم يشأ أن يترك السادة الحاكمين لرحمة قضاء من رعيتهم لا ترقى قدراتهم ولا تتسع مداركهم لفهم الفرق الشاسع بين المستعمر الغالب والمواطن المحلي المغلوب على أمره ولم يتعلم من جامعاته أن القوانين لا تنطبق على هذا وذاك بنفس القدر والمقاييس.
ولقد ظلت الأمور تسيير على هذا النهج، وظل الأجنبي مهما كان وضيعاً ينهب ويقتل ولا يخضع للقضاء المحلي وإنما يحاكم أمام المحاكم المختلطة ...... حتى تم إلغاؤها في الأربعينات في مصر بعد نضال مستميت من القوى الوطنية، وأصبح دم الأجنبي كدم المواطن المصري لوناً وكثافة. وقد فرض ذلك على كثير من الأجانب أن يهاجروا بأسرهم وجرائمهم التي لا يفهمها غير بني جلدتهم من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرق.
وحكماء أفريقيا جاءوا إلينا بحكمتهم الدفينة وكأنها بضاعة جديدة وفي داخلها يرقد هذا الجرذان القديم بكل عفونته وقذارته. و – مهلاً – لا ينبغي أن نصدهم بالحجارة والتظاهر بالروح والدم، فللزمن أحكام، وهذا زمن لئيم تتحكم فيه قوي جبارة هي التي تحدد التهم وترشو الشهود وترسم ملامح الضحايا. ولن تقنع بقاضٍ سوداني حتى وإن كان أحد المبرزين في أكسفورد وكامبريدج وهارفورد والسربون لا شئ يقنعهم إلا أن يكونوا في منصة القضاء لتكتمل العملية القضائية من ألفها إلى يائها : من الضابط المتحري والمتخفي في عباءة الطاعم الكاسي في معسكرات اللاجيئين إلى القاضي الذي يصدرالأحكام.
هل يعني ذلك أنني أشير برفض حكمة الحكماء ؟ معاذ الله، الحكومة أدرى بخياراتها وقدراتها وأوراقها، وقد يستعذب الدواء المر. وفي المجاعة يأكل الناس الجيف. وهذه جيفة في زمن صعب، وليس للحكومة غير أهلها الأقربين صليح: إن قبلت قالت المعارضة والحركة الشريكة (من الشرك والشراك) أنها رضيت بإهانة القضاء السوداني، وقد تحرض أهله على الإضراب، وإن رفضت الحكومة رمتها بالتنكر لحكمة حكماء إفريقيا ورؤوسها المستنيرة وجلبت لنفسها وللسودان عداء الشرعية الدولية.
والحل؟ وهل يجب أن يكون هنالك حل؟