المحامين وجزاء سنمار

 


 

 

ظلت مهنة المحاماة في السودان تقديم الكثير للوطن ولأبناء الوطن الغالي على مر الدهور و الأزمان، وكان المحامون في مقدمة المناضلين من أجل إستقلال السودان، والمناضلين للدكتاتوريات التي حكمت السودان على مر العصور، هذا فضلاً عن نصرة المحامين للغلابة و المظلومين من أبناء السودان، فكثيراً ما نجد المحامين يتطوعون لتمثيل أبناء هذا البلد وأهله في قضايا الرأي العام، أو يتطوعون عن للدفاع عن المواطن البسيط الذي لا يملك سداد أتعاب المحاماة، فيقومون بذلك طواعية وإختياراً وعن طيب خاطر، ولا يرجون من وراء ذلك جزاءاً ولا شكورا...مبتغين وجه الله تعالى و الأجر من عنده، وهم أول من زرع بذرة المسئولية المجتمعية بمثل هذه التصرفات التي أصبحت الآن من علامات المجتمع المتحضر...وبعد كل هذا ماذا كان جزاء المحامين السودانيين؟؟؟ وبماذا كافأتهم نقابتهم على هذه الأعمال الجليلة؟؟!؟!؟! جزاء المحامين السودانيين عن أعمالهم التي ذكرت في صدر هذا المقال، والتي يشهد بها القاصي و الداني في كل بقاع السودان....كان مطابقاً لجزاء سنمار المهندس المعروفة قصته للعديد من أهل السودان، حيث كانت قصته تدرس في الكتب الدراسية سابقاً، وملخصها أن : (النعمان ابن المنذر استدعى سنمار لبناء قصر الخورنق، وبعد إنتهاء بناء القصر رمى النعمان سنمار من أعلى القصر حتى لا يبني قصراً مثله، وفي قول آخر أن سنمار أخبر النعمان أنه يعرف موضع حجر في البنيان اذا سحبه إنهار القصر كله فقتله حتى لا يخبر أحداً بموقع هذا الحجر)
والقصة بدأت عندما أعلنت نقابة المحامين في عهد النقيب فتحي خليل عن مشروع مزرعة لكل محامي، وتسابق المحامين في التسجيل أملاً في أن تكون هذه المزارع ملاذهم الآمن بعد التقاعد وكبر السن، فتكون هي الدوحة التي يستريحون فيها من رهق العمل والسنين، وتدافع المتقدمين من المحامين من داخل وخارج السودان للحصول على هذه المزارع التي أعلنت عنها النقابة، ثم طلبت منهم النقابة سداد الرسوم بحيث تكون لكل محامي مزرعة مساحتها خمسة فدان، وكانت قيمة الرسوم وقتها مبلغ يعادل قيمة هذه الخمسة أفدنة وأكثر في حال شرائها من السوق، ولكن رغبة المحامين في أن تكون مزارعهم في مكان واحد، وأملا في تكوين شراكات ذكية مع جهات الاختصاص من مختلف المجالات، جعلتهم يقبلون التكتل في مكان واحد، بحث تجتمع كل مجموعة حسب إهتمامها مثلا مجموعة ممن يرغبون في زراعة البستنة، ومجموعة في مجال الحبوب و البقوليات، ومجموعة للخضار، ومجموعة تربية الطيور أو الزهور وهكذا، وسارت الإجراءات الإدارية في تصديق هذه الأراضي من جهات الاختصاص حتى أعلنت النقابة للمحامين بأنها نجحت في التصديق للمستحقين بمزارع في منطقة "كليوات" جوار سجن الهدى بأم درمان، وقامت النقابة بتسيير رحلة بعدد من البصات السفرية الفاخرة وأوقفت المحامين على موقع مزارعهم على الطبيعة، وبعدها أعلن مندوب النقابة أن الأرض ستسجل باسم النقابة، ضارباً بحقوق المحامين المكتسبة عرض الحائط، وعلل ذلك بأنهم قاموا بالاتفاق مع شركات زراعية كبيرة لإستثمار الأرض لفائدة المحامين، ورغم إعتراض المحامين على هذه النقطة، إلا أن النقابة لم تعير هذه الإعتراضات أي إهتمام، وظل المحامين يلاحقون النقابة بالاعتراضات وطلباتهم بتسليمهم شهادات البحث باسمهم لأن النقابة قدمت الأرض بأسماء المحامين الذين تقدموا بطلباتهم وسددوا رسوم الأرض، بل وأصدرت كشفاُ باسم المستحقين الذين بلغ عددهم (1200 مستحق)، وبعملية رياضية بسيطة يتضح لنا أن الأرض التي صدقت للمحامين هي مساحة سته ألف فدان، في أجود وأخصب أراضي أم درمان، وظلت المطالبات من المحامين، والمماطلات من النقابة الى أن أعلنت النقابة أن الأرض تم نزعها لعدم استثمارها؟؟؟
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف يستثمر المحامين الأرض وزهم لم يستلموها ولم تمكنهم النقابة من إستلامها فعليا وتسلمهم شهادات بحثها؟؟؟؟ ولماذا لم تستمرها النقابة التي إدعت أنها إتفقت مع شركات على الاستثمار؟؟؟؟
في مرحلة لاحقة أعلنت النقابة أنه تم تعويضها بأرض أخرى في منطقة أخرى، وإتضح لاحقاً أن الأرض التي سبق تصديقها للمحامين خصصت لمستثمرين أجانب، وعندما كرر المحامين المطالبة بتسليمهم أراضيهم أفادهم النقيب التذي كان على رأس النقابة وقتها بأنه لن يسلم المحامين الأراضي الزراعية حتى لا يبيعوها للسماسرة، وكأنما المحامين الذين أوصلوه الى كرسي قيادة النقابة هم أطفال لا يحسنون إدارة أموالهم الخاصة التي دفعوها قيمة لهذه الأراضي، لتتعرض الأرض للمصادرة للمرة الثانية و الثالثة لعدم الاستثمار وتعنت النقابة في سوء استعمال السلطة، بل يمكن أن يوصف ذلك بالاحتيال لتملك حقوق الغير، حيث لم تدفع النقابة جنيهاً واحداً من قيمة هذه الأراضي، ورغم ذلك عملت على وضع يدها عليها لتملكها وحرمان أصحابها ودافعي قيمتها من جيوبهم وعرق جبينهم منها، وظل المحامين في مطاردة حقهم في هذه الأرض حتى مات بعضهم ألماً وحسرة على ما ضاع من أحلام وآمال وأموال بسبب النقابة التي آذتهم بدلاً من حمايتهم.
بعد قيام الثورة وتعيين لجنة تسيير النقابة، إستبشر المحامين خيراً بأن لجنة التسيير سترد لهم حقوقهم المسلوبة، ولكن تفاجأوا بتجاهل لجنة التسيير لقضيتهم، وعدم التعامل مع مندوبي اللجنة الخاصة بالمحامين أصحاب الأراضي، وسارت في نفس طريق النقابات السابقة في العهد البائد، حيث رفضت لجنة التسيير التي يفترض انها أحد أذرع الثورة و الثوار ، رفضت حتى نشر كشف المستحقين للأراضي الزراعية من المحامين و المستشارين القانونيين العاملين بالخارج، وطلبت لجنة المحامين أصحاب الأراضي مقابلة والي الخرطوم لشرح أبعاد القضية وظرفها، ولكنه سار في نفس درب النقابة ورفض لقاء لجنة المحامين دون أي سبب مقنع.
عليه، وحيث أن جميع طرق الحلول الودية والإدارية قد أغلقت في وجه من دفع ماله، وبنى حلمه وآماله على أرضه الزراعية التي صدقت بإسمه وسلبت لتملك لمستثمرين أجانب بسبب تماطل النقابة في تسليمهم الأرض لاستثمارها، وحيث أن المحامين هم من يعيدون الحقوق المسلوبة لأصحابها، رأت مجموعة المحامين أصحاب الأراضي أن تصعد الأمر الى أعلى الجهات، وأن تقاتل في كافة الجهات و السبل من أجل إستعادة هذا الحق المسلوب، سواء أن كان ذلك بقرارات سياسية أو سيادية، أو حتى اذا كان ذلك برفع دعوى قضائية أمام القضاء السوداني وتختصم فيها كل من شارك في سلب هذا الحق، وستتابع أمر الدعوى في كافة درجات القضاء، أو تقوم بتدويلها إذا اقتضى الأمر بعرضها على الجهات والمنظمات الدولية، والأيام القليلة القادمة ستبين لنا أن الحق أبلج، وأن الصبح أسفر ...وأن النصر للمحامين الثوار حماة الحق و العدل.

 

آراء