المحاولة القادمة لجماعة لن ينجح أحد
17 June, 2009
حاول الدكتور حسن الترابي، خلال العشر سنوات الماضية، أن يدبر لنفسه قوات تحالفية إضافية، يستطيع بها أن يواجه دولة الإنقاذ، ليستعيد ما خسره من نفوذ كان يمتع به في قيادة تلك الدولة وتوجيهها من عالم الخفاء.
أحلاف الجور والفجور:
وقد أخفق أكثر من مرة في المضي قدما في تكوين تلك التحالفات، رغم أنه قدم كل التنازلات التي طلبها منه خصوم الإنقاذ، بما في ذلك ما طلبه بعض المتطرفين، الذين اشترطوا عليه أن يقوم بنقد نفسه نقدا ذاتيا، وأن يتبرأ من ماضيه السياسي.
والغريب أن الشيوعيين لا يقدمون هذا الطلب المذل إلا لعضويتهم المتمردة عليهم، والتي تعود إليهم، من تلقاء نفسها، وتعلن التوبة النصوح عما بدر منها، وما تردت فيه من الإثم، فلا يقبلون توبتها إلا مشفوعة بهذا الإذلال الشنيع، ولكن عندما طلبوا هذا المطلب من الترابي استجاب، وجاء الاعتراف سريعا، على لسان بعض أتباعه الذين هم أطوع له من بنانه!
من جنيف إلى جوبا:
أولى محاولات الترابي الانتهازية لصنع التحالفات المضادة للدولة الإنقاذية، شرع فيها بتقربه من زعيم حزب الأمة، الصادق المهدي، الذي التقى به في جنيف، وقدم له على طبق من ذهب كل مطالبه المشروعة وغير المشروعة، وطلب منه أن يلقي بثقله وراءه حتى يتمكنا معا من اقتلاع الإنقاذ.
وجاءت المحاولة الثانية بشروع حزب المؤتمر الشعبي في تكوين حلف الإثم مع حركة التمرد، والتوقيع المبدئي على اتفاق معها على حرب الإنقاذ.
ثم سعى حسن الترابي لاستقطاب ما كان يسمى بجبهة الشرق، والاستفادة من قوتها المحدودة، التي ظن أنها يمكن أن تساعده في إزعاج الإنقاذ ومناوشتها.
ومع ما عرف عن حسن الترابي من الكبرياء الشخصي، فإنه رضي أن يركب الطائرة إلى أسمرا، ليلتقي بقادة ما كان يدعى بجبهة الشرق هناك، ولكنهم قصدوا إذلاله، فتركوا أسمرا، متوجهين إلى طرابلس الغرب، غير عابئين بموعدهم معه.
كيف أحبطت الإنقاذ هذه المحاولات؟
هذه المحاولات الانتهازية وغيرها أحبطت الإنقاذ جميعا، فاتجهت صوب الصادق المهدي اتجاها صادقا، بقصد جذبه إلى داخل البلاد، وتشجيعه للعمل بإيجابية من أجل الوطن، وقد استجاب الصادق بالفعل لنداء الإنقاذ، وعاد إلى البلاد، ولكنه كعادته في الوقوف في منتصف أي طريق يسلكه، عاد وتوقف. ثم نكص على عقبيه. ولكنه والحق يقال لم يعد إلى المربع الأول: مربع الحرب والعدوان.
وأما حركة التمرد فقد كانت أقوى شكيمة من حزب الأمة، وأمضى منه حزما وعزما، وآصر منه وحدة، وأشد فاعلية، فمضت في الشوط المفروض إلى قرب غايته لإنفاذ اتفاق نيفاشا، وإن كان بعض عناصر السوء فيها من مراهقي السياسة ما برحوا يهاجمون دولة الإنقاذ، ويودون أن لو يتملصوا من اتفاقهم معها، وهؤلاء هم الموتورون الذين يرحبون بالتعامل مع خصمهم اللدود بالأمس، حسن الترابي، فقط لأنه أضحى خصما لدولة الإنقاذ، ولا شيئ غير ذلك.
وقد استطاعت دولة الإنقاذ، من ناحية ثالثة، أن تصل إلى اتفاق كريم، غير كيدي، وغير تآمري، وغير انتهازي، مع متمردي الشرق، وأغلقت بذلك على حسن الترابي وحزبه مولج سوء، كم فكروا في أن يلجوا منه إلى الفتنة والشر.
ماذا يريد الترابي أن يصنع؟
والآن يتجه حسن الترابي وفلوله إلى جوبا، لتدبير حلف جديد، ويريد أن يحقق من خلال هذا المسعى الآثم أحد هدفين بديلين.
أولاهما: أن يقنع المؤتمرين معه بجوبا بمقاطعة الانتخابات القومية، فتفشل أو تتأجل إلى أجل مسمى أو غير مسمى، يعيد بعده محاولته لتعويق قيامها من جديد.
وأما الهدف البديل الثاني: فهو إقناع الفريق سلفا كير بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، منافسا لزعيم الأمة المرتضى المشير البشير، وإقناع الأحزاب المؤتمرة بجوبا، بتوحيد صفوفها، لخوض الانتخابات البرلمانية – إن قامت – من أجل هزيمة المؤتمر الوطني، وإنهاء حكم الإنقاذ.
هل يستطيع إحياء التجمع؟
وهذان هدفان كبيران، كل منهما أكبر من الآخر، فيما يبدو. ولا يراهن مراقب حسن الفكر، على أن حسن الترابي يستطيع أن يحقق أحد هذين الهدفين الكبيرين، أو يستطيع أن يعيد تكوين ما كان يسمى بالتجمع الوطني من جديد، فذلك التكوين السياسي الانتهازي قد انفرط تماما بعدما طرأ على السياسة السودانية من تغيير جوهري وإعادة هيكلة وهندسة تامة بمقتضيات اتفاقيات نيفاشا.
لا يستطيع حسن الترابي أن يحقق أيا من هذين الهدفين الكبيرين، بسبب هشاشة موقفه، وتهاوي قوته، وانهيار مصداقيته. وليس له ما يعطيه لهؤلاء المؤتمرين المتآمرين على الإنقاذ. إذ ليس له رصيد من القوة مايمكن أن يفيض به عليهم، ولا من رصيد من المكر والفكر ما يمكن أن يتحفهم به، فكل هؤلاء المؤتمرين المتآمرين معه خبراء مثله في صروف السياسة السودانية الغثة، سياسة (معافرة) الإنقاذ ومعارضتها ومكافحتها، وقد بار مكرهم كله، وتبين لأصحابه أن أفضل طريق يتمهد لهم اليوم، إنما هو الطريق الذي تمهده لهم دولة الإنقاذ، التي تعاملهم بالحسنى، وتشركهم في السلطة بأقدارهم من القوة وسط الشعب، وتحترم أقدارهم الشخصية، ولا تنقض عهدا أبرمته معهم، ومن ثم فإن من أراد مصلحة الوطن، عليه أن يأتي ويضع يده في يد الإنقاذ للعمل على تطوير البلاد.
ماذا يكسب هؤلاء من الترابي؟
ولا شك أن هؤلاء الفرقاء الذين يجتمع رهطهم بجوبا، يدركون جيدا أن حسن الترابي لا يريد بمناورته هذه إلا أن يأخذ منهم ومن قوتهم، لا أن يعطيهم شيئا، فهو يريد أن يأخذ من قوتهم ما يمكنه من مواصلة حربه العاجزة ضد دولة الإنقاذ.
ولا شك أن هؤلاء الفرقاء جيدا أن سيرهم في ركاب حسن الترابي لا يصيبهم إلا بمزيد من المقت والخسر، ويؤدي إلى تجريدهم من مزايا مصالحتهم للإنقاذ، فإن المرء لا يمكن أن يكون حليفا لحسن الترابي والإنقاذ معا، فمن أراد أن يكون مع الترابي فليأخذ مما عسى أن يقدمه له الترابي، من مزايا يعده ويمنيه بها بعد أن يحطم دولة الإنقاذ، ومن أراد أن يبقى على عهده وموثقه مع دولة الإنقاذ فلا ُيبرمنَّ عهد فجور ضدها مع أعدائها الفجار.