المخ والأعصاب فى السودان ! … بقلم: د . احمد خير / واشنطن
9 March, 2010
ورد فى صحيفة ( الســودانى ) بتاريخ 23/2 / 2010 أن هناك 17 إختصاصى مخ وأعصاب فقط هم حصيلة مايملكه السودان " كشفت وزارة الصحة الإتحادية عن وجود نقص فى إختصاصى جراحة المخ والأعصاب البالغ عددهم حاليا 17 إختصاصيا هم الذين خرجتهم البلاد طوال الفترة الماضية، وأعلنت الوزارة عن إسترتيجية لزيادة عدد الإختصاصيين فى مجال جراحة المخ والأعصاب وإستجلاب عدد من الإختصاصيين السودانيين والأجانب العاملين بالخارج لتقديم الخدمة والعمل كمدربين للأطباء فى الداخل ."
حيال ذلك الخبر المفجع ما علينا إلا وأن نردد ما كان يردده الفنان الكبير يوسف وهبى " ياللهول "
يعنى بعملية حسابية بسيطة يكون هناك طبيباً متخصصاً واحداً لكل إثنين مليون سودانى ! يابلاش !
ونتساءل: أين كانت وزارة الصحة عندما تسربت الأعداد الهائلة من الأطباء إلى خارج الوطن بعد أن ذاقوا الأمرين فى بلد لايقدر الكفاءات ولايعطى كل ذى حق حقه ؟!
أطباؤنا يملأون الساحة الخليجية ومنهم المتخصص فى أدق مجالات الطب ، ومنهم من إمتهن رعى الإبل ، كما أن البعض منهم قد هاجر إلى أمريكا وأوروبا ، وعلى مضض قد غير مهنته فى سبيل لقمة العيش ! هؤلاء يشكون لطوب الأرض ظلم ذوى القربى !
أين كانت وزارة الصحة والخدمة المدنية عندما تخرج هؤلاء وإنضموا إلى صفوف المتعطلين فى دولة ظلمت أهلها وأحطت من قدر أبنائها ؟!
فى الماضى كان الطبيب يشار إليه بالبنان حيث كان من يتخرج فى كلية الطب يضمن المستقبل الباهر الذى يمكنه من تحقيق الحلم ! ذلك فى زمن كانت فيه الفتيات يتغنين بإسم الطبيب ، والبعض فى غنائهن يتمنى المرض كى يقوم بالكشـف عليهن الطبيب فلان !
فى وقتنا الراهن ، يتخرج الطبيب ويتم تعيينه " إذا وجد وظيفة " بدريهمات لاتسد الرمق ، فيتلفت شرقاً وغرباً فلايجد مخرجا إلا الهجرة !
هل كانت وزارة الصحة أفضل حالاً عن باقى مؤسسات الدولة التى تربع عليها أهل الثقة ، من الذين بإشارة من السلطة أتوها من كل فج كالجراد المبثوث ليحلوا محل أهل الكفاءة فى جميع المجالات ، فأتوا على الأخضر واليابس ، وكان اليباب ؟!
يتندر البعض بأن العالم الدكتور / عبد الله الطيب " طيب الله ثراه " حاول فى ذات مرة دخول مستشفى الخرطوم زائراً لأحد المرضى ولم يكن يحمل معه تصريحاً للزيارة ، فحال الخفير دون دخوله ! تصدى أحد المتواجدين متعجباً من تصرف الخفير فقال: يا أخى إنت ماعارف ده منو ، ده الدكتور عبد الله الطيب ! وكان رد الخفير الذى جاء كالصاعقة حيث قال: والله لو كان الطيب عبدالله مايخش !
مع إحترامى الكبير للفنان الطيب عبد الله ولفنه ولما ترك من أثر فى الساحة الغنائية ، إلا أن ذلك يعكس مدى تقييم الخفير للأشخاص وذلك حسب محدودية تفكيره ، فلالوم عليه !
فى نظرى أن وزارة الصحة إتحادية كانت أو غير إتحادية ، تصرفت حيال الأطباء تماما كما ذاك الخفير ! كبير الجمل ! وكان أن هاجر من الأطباء من هاجر ، ومنهم من غير مهنته ، ومع شروق شمس كل يوم أو ماقبل الشروق يلعنون وزارة الصحة والمسئولين فى وزارة الصحة ... هكذا يبدأ الطبيب المهاجر يومه .. وأترك للقارئ ليخمن كيف يقضى الطبيب (سابقاً) بقية يومه !
فهل لنا بعد ذلك أن نتعجب من أن يكون فى بلد المليون ميلاً مربعاً فقط 17 أخصائى فى جراحة المخ! أو ربما لاداعى للتعجب ، فالسودان لايحتاج إلى أخصائيين فى جراحة المخ ، لأن الحقائق تشير إلى أنه مخ مافى !
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]