المديدة حرقتني …. بقلم: د. عزت ميرغني طه
izattaha@yahoo.com
في هذا العالم الملئي بالمشاغل وفي وجود تلك الوسائط الاعلامية المتعددة التي قد تشتت افكارك وفي كنف (جري الوحوش) والذي قد لا تنال منه (غير رزقك ما تحوش) صار من الضروري أن يكون من بيننا من يحمل التراب في يده أمام الخصوم قائلا (المديدة حرقتني)، وفي الغالب أكيد واحد من الخصوم سوف يضرب يدك لكي يتطاير التراب في وجه الآخر و(البونيه تدوﱢر)... فحامل التراب هنا في مفهومنا الحديث هو (محمّش) النيران أو مثير المشاكل ما بين الناس، وهي (طبعن) صفة مزمومة في المجتمعات كان متحضرة والا قروية لأنها قد تفرﱢق ما بين القبائل ولكن هناك من يعتقد أنها مهمة جدا في ظل (نفس حار) بين الناس وإطلاقه والذي في الغالب قد (يلفح) الواقف أمامك من الناس ولكنه يريّح الكل وفي الغالب يا يكون (محبة بعد عداوة) أو (يشتت) الغير مرغوب فيه وتصفى الدنيا على المتبقين.
لا أدري من أين جاءت لفظة (المديدة حرقتني) ولكنني أرجح أنه وفي زمننا القديم عندما كان يستعملون (أواني الطلس) و(الكورة أم قعر) ويمررونها بين الناس لإرتشاف (المديدة) ولمن لم يتذوق (المديدة) فهي خليط متجانس من المواد الغذائية ففيها البلح والدقيق وهناك مديدة الدخن وغيرها من (مدائد) الطاقة وتتشابه كلها في أنها لا تبرد بالساهل، لذا عندما يكون هناك واحد (شره) وسط المجموعة قد تحرقه المديدة عندما يرتشف (جغمة) أكبر من التانين فهنا إما أن (يتجوعل) ويبلعا وتكون قد (هرت) لسانه أو يلفظها ويتطاير رزاز المديدة في الناس فيحصل ما لايحمد عقباه من هرج ومرج بعد ذلك.... فيبدو من هنا أخذ ناسنا القدام هذا المفهوم وأطلق على من يحمل التراب في يديه ويحمشة بين المتخاصمين ليتعاركوا.
(طبعن) مع ازدياد المنقصات على الشعوب صارت (المديدة الحارة) نهجا لرحول الحكومات فما فعله (رحمة الله عليه) "بوعزيزي" في تونس عندما (دلق المديدة) على جسده فصرخ وصرخ من حوله وتطاير رزاز مديدته على رجال الأمن و(جاطت) عندها فهم "زين الهاربين" متأخرا فكان من المبشرين (بجدة) وارتاح شعبه... ولم يكن ما فعله "وائل غنيم" سوى صورة أخرى لذلك النهج فقد ضرب التراب من يد "أسماء محفوظ" البضة الناعمة في وجه رجالات الأمن فرحل "مبارك"...
وها هي (المديدة الحارة) تتمدد في أنحاء الوطن العربي وليست ببعيدة مننا خاصة وأن (النفس الحار) قد تضخم في الصدور وداير ليهو (هبشة)... فلا بد عزيزي القارئ أن يتطوع أحدنا ومن قبل (أن يقوﱢم بلسانه) بالرغم من أنه أضعف الايمان ولكنه مهم في ظل وجود عدة ألسنة يقيني أنها سوف تجتمع يوما ما وتلفظ الطالح أمامها... فاستوقفني مقالين في الصحف السيارة من عدة مقالات ولا شك انها كثيرة أتمنى أن يبرزها القراء لنا ويشيروا اليها الى أسرتهم، أصحابهم وزوجاتهم وهلم جرا..... اذ يبدو وأن حكومتنا لم يعد يهمها رأي الشعب وتُقر هنا وهناك نيابة عن الجميع وتقرﱢب هذا وتبعد ذلك وتطلق في التصريحات (المستفزة) (كلحس الكوع) وغيره من المصطلحات التي باتت تؤرق الشعب كثيرا وتزيد من ذلك النفس الحار الذي ولابد (طالع) والا (يطرشق دل) كما قال سواق الدفار عندما سأله سيد الدفار (اللستك طرشق كيف) في اشارة الى أنه جديد ودفع فيه دم قلبو....
فأحسب أن ما أشار اليه حبيبنا (جبرا) في مقاله (جا يكحلها) والذي تناول تصريح (وزير ماليتنا) والذي أعتقد انه يصب في باب (المديدة الحارة) وما حأشير للكاتب باسمه الثلاثي حتى لا يلحقوا ناس الأمن ويدفقوا التراب من يده حيث أن هذه (المديدة حارة جدا) سيما وأنها تمس قطاعا عريضا من الخريجين (المالاقين) عمل والذين قد أقعدتهم البطالة وخلتهم على الهبشة فيقوم وزيرنا الهمام يقول فيما معناه ان خريجيننا (ما ناقشين) ولا يصلحوا لأي عمل، لذا نفهم أنه غير مقتنعا بتوفير وظائف في المرحلة القادمة... لافتا والكلام للكاتب أن خطورة التصريح تطال القطاع المستنير الذي عمل العليهو وتخرج ولكن فى غياب أى خطط تنموية تستوعبهم برزت مشكلة العطالة كواحدة من المشاكل التي تزداد حدة عاماً بعد أن تم التوسع في التعليم العالى فيما عرف بثورة التعليم العالي ولم تصاحب تلك الثورة اعتماد خطط لتوظيف الخريجين، مما دفع الكثير منهم للعمل فى مهن لا علاقة لها بتحصيلهم الأكاديمي الذي كلف أسرهم ما كلف من رسوم ومعيشة فإنتشروا في الأرض وبعضا منهم يحملون بضاعئهم من (الكلينكس) و(الولاعات) والساعات الحائطية وماكينات الحلاقة وخلافه كما عمل الكثير منهم كسائقى للركشة وعمل البعض ككماسرة في الحافلات والباصات وأصبح من الطبيعي حينما تنشب (شكلة) بين الكمسارى وأحد الطلبة أن نكتشف أن الكمساري (خريج زراعي) والكلام للكاتب.....(الكمساري الهلفوت القدامك ده عندو ماجستير "زراعة" !!!! فأولئك الخريجين الذين لا يصلحوا لوظائف على قول الوزير يعرفون كثيرا في شبكات التواصل الإجتماعي مثل (الفيس بوك) وغيره من الشبكات والتي كان لها دورا في المنطقة العربية وما زال لا تخطئه العين....
أما التصريح الثاني؛ فقد أشارت له الكاتبة (دكتورة سعاد) والتي شاركت في المفوضية التي أدارت استفتاء جنوب السودان بكل مهنية والذي أفضى الى إنفصال جنوب السودان من شماله، ليس بسبب الكاتبة وانما لأنو (الموضوع) كان جاهز بدليل إدراج (حكاية تقرير المصير) في الإتفاقيات التي لم يشاور فيها الجميع وحققت رغبة ناس منبر السودان (العادل)... فقد أشارت في مقالتها أمس في صحيفة الصحافة إلى تصريح مستشار الرئيس وقيادي المؤتمر الوطني في لقائه مع جماهيرهم بأن قادة الانقاذ جاؤوا من رحم المجتمع وليسوا من (أولاد نمرة اتنين) ويضيف بان يسأل، من كان يتصور أن هنالك وزيراً اتحادياً من (صليعة) كلنا أولاد غبش، جئنا من أطراف السودان، وثلاثة أرباع الحكومات الولائية والاتحادية امتطى مسئولوها الحمير واللوارى)، في إشارة الى أن الوزراء الجايين من (صليعة) ومن وين ما عارف هم رحم المجتمع وأولاد نمرة اتنين ديل ما معروف نسبهم... فالخطير في الموضوع أن التصريح يطال أيضا شريحة مهمة من المجتمع بينهم من (قامت على أكتافهم جمهورية السودان التي تتربعون على عرشها اليوم رغم انفهم وأنوف غيرهم) على قول الكاتبة أي دون رغبة الرعية....
عموما حقوا الناس تقرأ بين وداخل ووراء السطور ويشيروا الى المنقصات والكلام (النص كم الجنس دا) فالقضايا والتصريحات كثيرة والكتاب كثيرون قد لا يتعذر علينا متابعة كل ما ينشر (عشان كدا ورونا وين المديدة الحارة في تصريحات وعمائل المسئولين لكي يكون هناك نهجا (للمديدة الحارة) في بلدنا سيما وأنها قد تكون السبيل كما أسلفنا (لمحبة بعد عداوة) أو تلحّق المستفزين (أمات طه)....
وكلا النتيجتين مطلوباتان....
فما هي النتيجة الأنسب برأيك...!!