المذاهب والفلسفات التشاؤمية عبر التاريخ : قراءة نقدية إسلامية

 


 

 

د. صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلامية فى جامعه الخرطوم

Sabri.m.khalil@gmail.com

تعريف التشاؤم: التشاؤم هو التطير وهو توقع الاسوء والشر وماهو سلبى بدون قرينه قطعيه. وهو نقيض التفاؤل هواليمن وهو توقع الاحسن والخير وما هو ايجابى بقرينه قطعيه.

انواعه:

التشاؤم السيكولوجى "النفسى": وهواحد انماط الشخصيه تتصف بتوقع الشربدون قرينه قطعيه ، ساهم فى تشكيلها عوامل ذاتيه وموضوعيه متفاعله .

التشاؤم الفلسفى :هو فلسفات"اى انساق معرفيه من المفاهيم الكليه المجرده"
قائمه على افتراض ان الوجود العام والانسانى شر،وبالتالى لا يتوقع منه الا ماهو سلبى من كوارث وحروب و قتل....

التشاؤم المذهبى "الايديولوجى":هو مذاهب"ايديولوجيات"(اى محاوله لوضع حلول نظريه للمشاكل التى يطرحها واقع معين)، قائمه على افتراض ان الواقع المعين شر، وفى ذات الوقت غير قابل للتغيير للاحسن" اى تبديل الشر بالخير".

أسباب ودوافع التشاؤم: وهناك العديد من الأسباب والدوافع التي تقف وارء شسوع التشاؤم عند الافراد أو المجتمع ككل ومنها:

· تراكم الهزائم والانكسارات، مع عدم بذل الجهد- العلمي – اللازم
لتجاوزها ، بمعرفه الأسباب والظروف التي أدت إليها، وتجنبها فى المستقبل ، واتخاذ اى خطوات ممكنة لتجاوز هذه الهزائم

· شيوع التفكير العاطفي / الانفعالي “الذاتي” نتيجة لأسباب متعدد
هاهما شيوع أنماط التفكيرالخرافى والاسطورى.

· سلبيه شخصيه الفرد أو الجماعة،وعدم فاعليتها،ومحاوله الهروب من
تحمل المسئولية.

· في كثير من الأحيان يعمل أعداء الامه- وكذا الفرد- إلى تشجيع
التشاؤم فيها ،بهدف الحيلولة دون تحقيقها لأهدافها، التي تتعارض مع مصالح هؤلاء الأعداء. ونجد الاشاره إلى الدافعين الأخيرين في الحديث النبوي ( إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم). قال الإمام النووي (روي أهلكهم على وجهين مشهورين رفع الكاف وفتحها … الرفع أشهر ومعناها أشدهم هلاكا ….وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة …) (شرح النووي على صحيح مسلم ج: 16 ص: 175(.

نقد عام للتشاؤم: من التعريف السابق نخلص الى الاتى :

· اعتقاد ذاتى: انه اعتقاد" ذاتى" لا يتطابق مع الواقع
"الموضوعى"- الا عرضا - ، وقد يصل عدم التناقض الى درجه التناقض.

· تفكير خرافى – اسطورى:انه نمط من انماط التفكير الخرافى " فكره
عن ظاهره جزئيه –عينيه بدون دليل حسى" ، والتفكير الاسطورى"فكره عن مفهوم كلى مجرد بدون دليل عقلى "منطقى"، لانه لا يستند الى قرينه قطعيه.

· تصور قاصر:انه تصور قاصر للواقع والوجود لانه يركز على
السلبيات " والشر" ، ويتجاهل الايجابيات " والخير" ، بينما الواقع والوجود يتضمن كليهما.

· ابقاء المشكله بدون حل: انه منهجيا يلزم منه ان يظل التفكيرأسير
المرحلة الأولى من مراحل المنهج الثلاثة ، وهى مرحله المشكلة ، وهى مرحله هدفها معرفه طبيعة المشكلة ، ولا يتجاوزها إلى مرحلتي الحل والتي هدفها وضع حل النظري للمشكلة ، والعمل وهدفها تنفيذ الحل النظري في الواقع بالعمل . وهو بالتالي يساهم في الإبقاء على هذه المشكلة بدون حل، فضلا عن تفاقمها.

· تفكير سلبى : انه احد انماط التفكير السلبي" او التفكير
الجنائزى او السوداوى " ومكوناته ، والذى يحاول فن تطوير الذات والبرمجة اللغوية العصبية معالجته، والذى اورد الباحثون العديد من التعريفات له ، ومنها : سلسله متصلة من الأفكار التشاؤمية، التي تسيطر على تفكير الشخص ، والتي مصدرها هذا الشخص نفسه .

اولا:المذاهب والفلسفات التشاؤميه فى فلسفه الاديان الشرقيه القديمه :

البوذية: اعتبرت ان الحياة كلها إما ألم يتقلب فيه الإنسان طيلة حياته، وإما سرور ولذة سريعة وخاطئة ولابد ان تنقلب إلى الألم ، وسبب هذا الشر هو الجهل الذي يجب التخلص منه ، وهو ما لا يكون إلا بالقضاء على الشهوة، لانها السبب الرئيسي في الالم والشر، وذلك بالخلاص الذاتى بالتحررمن علائق الشهوة "عقيدة الكارما" .

المانوية : ترى ان الخير والشر فى حالة امتزاج " لان الانسان مكون من بعد روحى يمثل الخير وبعد مادي يمثل الشر.وبالتالى لا خلاص من الشر الا بموت الإنسان ، لذا فرضت الصيام المتواصل وعدم الزواج وغيره من أساليب تؤدي الى انقراض الجنس البشري (أمل مبروك عبد الحليم / دراسة عن مفهومي الخير والشر).

الجينية : قدمت تصور معين للرغبة "الكارمـــا " باعتبارها كائن مادي يخالط الروح ويحيط بها، ولا سبيل لتحرير الروح منها إلا بشدة التقشف والحرمان من الملذات، لذا يظل الإِنسان يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه ولا تطهر نفسه حتى تتخلص من الكارما، حيث تنتهي رغباته وتؤمن الجينية بالانتحــار البطــيء لكن للخواص من الرهبان الجينيين ، أما العامة من ، وبقهر الرغبات المادية.

نقد: هذه المذاهب يلزم منها التشاؤم المطلق ، اى التطرف فى اثبات وجود الشر لدرجه إلغاء وجود الخير فى الحياة. ومرجع هذا انها: اولا: تطرفت في التأكيد على البعد الروحي للإنسان، لدرجه إلغاء بعده المادي، ثانيا:
افترضت ان البعد الروحي يمثل الخير مطلقا- وهو غير صحيح- كما ان البعد المادى للانسان يمثل الشر مطلقا – وهو غير صحيح ايضا –

ثانيا: المذاهب والفلسفات التشاؤميه فى الفلسفه الغربيه:

ا/ الفلسفه اليونانيه :

هيغيسياس: ناقش فكرةَ أنّه من المستحيل تحقيق السعادة الدائمة ، وأنّ كلّ ما يمكننا القيام به هو محاولة لتجنّب الألمِ قدرَ الإمكان . وفقا لـ "سيسيرو"، كتب (هيغيسياس) كتابا بعنوان (الموت جوعاً، والذي من المفترض أنّه أقنع الكثير من الناس أنّ الموتَ أكثر رغبة من الحياة.

الرواقيه : ابتداء من القرن الثالثِ قبلَ الميلاد، بدأ تقديم الفلسفة الرواقية على أنّها كممارسة "تعذيب الشرور" - التركيز على أسوأ النتائج
الممكنة.-

ديوجين : أبرز رواد المدرسة الفلسفيه الكلبيّة ، تقوم فلسفته على التطرف فى التقشفً ، بعدم اقتناء اى شئ شيئًا ، وعدم السكن فى منزل، وجعل الفقر المدقع فضيلة, فضلا عن ازدراء تقاليد المجتمع، والتخلى عن المدنيه والعيش فى الطبيعه.

ب/ الفلسفه الحديثه:

روسو: نقد جان جاك روسو تنوير المجتمع المدني – الغربى - وفضل الإنسان في الحالة البدائية والطبيعية، لذا قال " لقد أصبحت أرواحنا فاسدة إلى الحدّ الذي تقدمت فيه علومنا وفنوننا نحو الكمال".

فولتير : انتقد مقال (البابا ألكسندر) المتفائل بعنوان «مقال عن الإنسان»، وتأكيد (ليبنيز) على أنّنا «نعيش في أفضل العوالم الممكنة».
وكتب رواية ( تفاؤل) وهي انتقاد موسّع للتفاؤل التوحيدى، وقصيدته (شعر عنْ كارثة لشبونة) و هي تشاؤميّة خاصّة حول حالة البشريّة .

شوبنهاور: يرى ان الرغبة – وليس العقل- هي جوهر الوجود الانسانى ، وهي كفاح غير منطقي وبلا اتجاه، وان رغبات الانسان يستحيل اشباعها، وجود الانسان باستمرار يتأرجح كالبندول بين الألم عندما نريد شيء ولا نحصل عليه، والضجر عندما نحصل عليه ولا نهتم به، وهذان الاثنان في الحقيقة هما المكونان النهائيان للوجود الانساني.هذه الحلقة الدائرية تسمح لنا بالنهاية لنرى التفاهة المتأصلة في حقيقة الوجود ، وان ندرك ان الهدف من وجودنا ليس لنكون سعداء. وانه فقط عبر الانسحاب من الكفاح الذي بلا معنى للرغبة بالحياة ، من خلال شكل من اشكال إنكار الذات ، قد يتحرر الانسان من الرغبة.

نيتشة : استجابته للرؤية المتشائمة كونها لا تعني الانسحاب ولا إنكار الذات كما عند شوبنهاوروانما كشكل من التشاؤم المؤكد للحياة. ، كما انتقده لأنه عند الحكم على العالم سلبيا، نكون اصدرنا حكما اخلاقيا حول العالم ،وذلك يقود الى الضعف والعدمية. جواب نيتشة هو احتضان تام لطبيعة العالم، "تحرير عظيم" من خلال "تشاؤم القوة" ، والذي "لا يضع أحكاما لهذا الظرف". واعتقد ان مهمة الفيلسوف هي ان يستخدم بكفاءة هذا التشاؤم كالمطرقة، اولاً يهاجم اسس العقائد والاخلاق القديمة"، ليعيد تقييم كل القيم ويخلق قيم جديدة تقوم على القوه وليس الضعف.

ج/ الفلسفه المعاصره :

البير كامو: يرى انه من المستحيل العثور على جواب للسؤال المتعلق بمعنى الحياة، وان اي محاولة لفرض معنى على الكون سوف تنتهي بكارثة. الانسان يسعى ليجد معنى للاشياء، وعندما لا يجده يحاول خلقه. حياتنا حسب قوله بلا معنى وسوف تبقى كذلك. غير انه لا يعتبر لامعنى الحياة شيئا سيئا. فهو يقول ان فهم الحياة السخيفة هو الخطوة الاولى لتكون مفعماً بالحياة. ويرى ان الشخص الذي يدرك سخافة الحياة ويتعامل معها بابتسامة فهو بطل.

كازنتزاكيس: يرى الفيلسوف اليونانى المعاصر ان علينا جميعًا أن نتخلى عن الأمل، لأننا غالبا ما نخسره، ونخسر معه الرغبة في المحاولة من جديد.
السعي المضني، والبحث المستمر بغض النظر عن النتائج، سلبية كانت أو إيجابية، هو ما يجب أن نصبو إليه دائمًا؛ حتى نستمر في المضي قدمًا.

إيريك جي. ويلسون : الف كتاب "ضد السعادة" عام 2008، و الذي حشد فيه الكثير من الادله لثني قرائه عن قبول اى معنى للتفاؤل (الأزمات البيئية، الحروب، التسلح، الأمراض، مشاكل المجتمع، العنف...). فهو يرى انه رغم انه يعيش في بلد (الولايات المتحدة الأمريكية) تحول فيه البحث عن السعادة إلى هوس، الا انه فى ذات الوقت يؤمن يقينا أن كل السبل منقطعة لاعتناق أي نوع من السعادة..

(تشاؤم / من ويكيبيديا/ الموسوعة الحرة - المتشائمون عبر التاريخ / محمد طيفوري.. / الاقتصاديه - التشاؤم الفلسفي: هل التشاؤم قوة؟ حاتم حميد محسن )

نماذج معزوله للتفكير التشاؤمى في تاريخ الامه:رغم تعارض التفكير التشاؤمى ( الجنائزي- السلبي) مع الإسلام الذي يشكل الهيكل الحضاري لامه التكوين " الامه العربيه- المسلمه" ، وتجاوز الامه المستمر لهذا النمط من أنماط التفكير ،إلا أننا نجد نماذج معزوله لهذا النمط من انماط التفكير ،
ومنها:

المذهب الشعرى التشاؤمى عند أبو العلاء المعري: تبنى مذهب شعرى تشاؤمى، ربما تاثر بالمانويه فى اعتبارها الجنس البشرى شر، ويجب انقراضه باساليب ، متعدده اهمها عدم الزواج كما فى قوله :

هذا ما جناه على ابى وما جنيت على احد

هذا المذهب التشاؤمى جعله يتخذ موقف الرفض المطلق لواقعه السياسى –
الاجتماعى يسوسون الأمور بغير عقل/ فينفذ أمرهم فيقال ساسه

فأف من الزمان وأف مني/ ومن زمن رئاسته خساسه.

ولكن قد يرجع هذا التبنى الى ظروفه الشخصيه القاسيه (كونه رهين المحبسين- محبس العمى ومحبس البيت ).

طقوس التعبير عن الحزن على آل البيت فى المذهب الشيعي الامامى الاثنى
عشري: ينطلق المذهب الشيعي الامامى الاثنى عشري من جمله من الأصول منها حصر الامامه في على(رضي الله عنه) وذريته،حتى حفيده “محمد بن الحسن الملقب بالعسكري” (الائمه الاثنا عشر) بالنص والتعيين، وترتب على هذا الأصل استمرار الحزن على القتل والاضطهاد الذي طال بعض هؤلاء الائمه على يد الدولة الامويه،ولاحقا الدولة العباسية، رغم تطاول القرون على هذه الأحداث،وتم تقنين هذا الحزن المستمر في هذا المذهب فى شكل طقوس وشعائر صارت تميز هذا المذهب، فقد (تميز المذهب الإمامي على المذاهب الإسلامية بأن له سمةً شعائريةً، وان إشاعة مشاعر الحزن واضحة في مناسبات عديدة ، كوفيات الأئمة الطاهرين وذراريهم «صلوات الله عليهم أجمعين» ، ومن اظهر هذه المناسبات الموسم العاشورائي الذي يمتد الى قرابة الشهرين من كل
سنة.) (مفهوم الحزن والفرح في فكر الشيعة الامامية / تلخيص لمحاضرة صوتية للسيد/ منير الخباز )،وقد دعي بعض علماء المذهب والعديد من المفكرين الشيعة إلى رفض هذه الطقوس والشعائر منهم المفكر الايرانى على شريعتي.

لوم النفس فى المذهب الملاماتى: الملاماتيه هي فرقة من فرق الصوفية، ظهرت بمدينة نيسابور بخرسان في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وقد اختارت لنفسها اسم الملامة التي هي تأنيب النفس ، في مقابل اسم الصوفية لأنهم كانوا ثائرين على الكثير مما كان مقرراً عند الصوفية.فقد اشتق أنصار هذا المذهب اسمه من مفهوم اللوم الوارد في القرآن كقوله تعالى (ولا أقسم بالنفس اللوامة) ، غير أن مضمون تفسير المذهب لهذا المفهوم ” لوم النفس القائم على أن لا يرى الملاماتي لنفسه حظاً على الإطلاق، ولا يطمئن إلى عمل ، ظناً منه أن النفس شر محض) وهو تفسير يخالف تقرير النصوص أن النفس تتضمن امكانيه للشر وامكانيه للخير(ونفس وما سواها، فألهمها فجورها
وتقوها) ، وهذا الانحراف عن المنظور الاسلامى الصحيح لطبيعة الوجود الانسانى، لزم منه تحول المذهب لاحقا إلى مجرد أداه “مذهبيه” لتبرير الاباحيه، وعدم الالتزام بأوامر ونواهي الدين، والمجاهرة بالمعاصي .

نقد عام : من اسباب تبنى هذه المذاهب والفلسفات للتشاؤم أنها افترضت ان ارتباط الوجود الانسانى بالشر – غير المنكور- غايه فى ذاته ، وبالتالي فإن الغاية من هذا الوجود هو الشر، وبالتالى فهو ارتباط جوهرى من جهة الوظيفة. بينهما هو فى الحقيقة –كما سنوضح ادناه عند الحديث عن المنظور الاسلامى للخير والشر- مجرد وسيلة لغاية اخرى ، بمعنى انه من لوازم الوجود "الانسانى"، الذى الغاية منه الخير، لكن طبقا لشرطي العقل"الوعي"
والاراده "الحرية" (شروط التكليف)، وبالتالي فهو ارتباط عرضى من جهة الوظيفة.

المنظور الاسلامى:

النهى عن التشاؤم" التطير": نهى الإسلام عن التشاؤم الذي عبر عنه عرب الجاهلية بمصطلح "التطير" فقد نهت النصوص عن الطيرة بشكل قاطع، وعدتها شكل من أشكال الشرك ،لأنها تتعارض مع كون النافع والضار هو الله تعالى-اى كون النفع والضرر من صفات الربوبيه- قال الرسول (صلى الله عليه وسلم )( الطيرة شرك، الطيرة شرك" (سنن أبي داود 3411 ) ،و قال أيضا (من ردّته الطيرة من حاجة فقد أشرك"، قالوا: يا رسول الله! ما كفارة ذلك؟ قال: "أن
يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك" (مسند أحمد 2/220) .

النهى عن اليأس"القنوط": كما نهت النصوص عن اليأس"القنوط "- وهو من لوازم
التشاؤم- كما في قوله تعالى(قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ . قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)(الحجر:55-56) .

التفاؤل بين الاساس السليم وغير السليم والتمييزبين الرجاء والتمنى:
ومنهج المعرفه الاسلامى يميز بين التفاؤلالمبنى على اساس سليم ،لانه يستند الى قرائن قطعيه ،ويتضمن ذلك الاخذ بالاسباب - المقبول - والتفائل المبنى على اساس غير سليم ، لانه يستند الى قرائن ظنيه ، ولا يتضمن عدم الاخذ بالاسباب– المرفوض- . اتساقا مع تمييزه بين الرجاء المقبول وهو تصور غاية مع السعي لتحقيقها" من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا" ،
والتمني: هو تصور غاية دون السعي لتحقيقها" ليس بأمانيهم ولا امانى أهل الكتاب"

فلسفه الخير والشر من المنظور القيمي الإسلامي والتصور الابتلائى لمفهوم الشر:

ينطلق المنظور القيمي الإسلامي من كون الشر على المستوى الشهادى يتضمن الشر على المستوى الانسانى، ومصدره الوجود الانسانى لا فى ذاته، ولكن فى حالة معينة هى تناقضه مع الوجود المطلق “الذى ينفرد به الله تعالى” ، اى مخالفة الإرادة الإنسانية للاراده الالهيه التكوينية “السنن الالهيه “، والتكليفية “مفاهيم وقيم وقواعد الوحى الكليه “. فارتباط الوجود الانسانى بالشر فى المنظور القيمى الإسلامى ليس غاية فى ذاته، بحيث تكون الغاية من هذا الوجود هو الشر- كما تفترض خطأ المذاهب والفلسفات التشاؤميه- بل هو مجرد وسيلة لغاية اخرى. بمعنى انه من لوازم الوجود “الانسانى”، الذى الغاية منه الخير، لكن طبقا لشرطي العقل ” الوعي” والاراده ” الحرية ”
.فالوجود الانسانى “المستخلف ” وجود ابتلائى ” اختبارى ” مضمونه اختيار الإنسان المستمر بين الخير ،لأنه هو الوجود المخلوق الوحيد ” المكلف “، طبقا لشرطي الوعي والحرية والشر (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً.. (..

مظاهر تجاوز التفكير التشاؤمى ( الجنائزي- السلبي”) عبر تاريخ الامه: “

تجاوز الهزائم العسكرية /الرسمية بانتصارات عسكريه وسياسيه وحضاريه
وشعبيه”: إن تاريخ الامه العربية الاسلاميه يثبت أنه رغم وجود دعاه للتفكيرالتشاؤمى( الجنائزي -السلبي)- الذي يكرس للهزيمة بكل مستوياتها”العسكرية ، السياسية/ الحضارية،الرسمية، الشعبية” في كل العصور، إلا أن الامه كانت دائما تتجاوز هذا النمط من أنماط التفكير”السلبي”-لأنه يتعارض مع الإسلام الذي يشكل هيكلها الحضاري-، فتتجاوز هزائمها العسكرية / الرسمية، بانتصارات عسكريه وسياسيه وحضاريه وشعبيه.

الغزو المغولي – التتارى”هزيمة عسكريه وانتصار عسكري وحضاري”: رغم نجاح المغول والتتار في اجتياح الدولة العربية الاسلاميه ، إلا أن الجيش المصري ” العربي- المسلم” استطاع إيقاف هذا التمدد العسكري في معركة عين جالوت، فضلا عن اندماج المغول والتتار بشكل تدريجي في الحضارة العربية الاسلاميه، وتحولهم إلى الإسلام .

الحروب الصليبية”تجاوز الهز يمه العسكرية بانتصار عسكري”:ورغم نجاح الحملات الصليبية في احتلال فلسطين إلا الجيوش العربية – المسلمه استطاعت لاحقا تحرير فلسطين بقياده صلاح الدين الايوبى.

التحرر من الاستعمار القديم”الاستقلال”: ورغم سيطرة الاستعمار القديم”القائم على الاحتلال العسكرى” على الامه العربية ، وتجزئته لها “سايكس –بيكو”، إلا أن مقاومه الامه له لم تتوقف، وبلغت آخر مراحلها، باستقلال الدول العربية في اقل من عقدين، بدعم من حركه التحرر القومي العربي من الاستعمار، بقياده الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر

النكسة 1967″ تجاوز الاراده الشعبية العربيه للهزيمة عسكريه بانتصار
سياسي”: في أعقاب هزيمة يونيو 1967 أعلن الزعيم جمال عبد الناصر تحمله مسئوليه الهزيمة ، وتنحيه عن اى وظيفة رسميه “خطاب التنحي” ، فاندلعت مظاهرات شعبية في كافه إرجاء الامه العربية تطالب ببقائه في السلطة ، واستمراره في قياده حركه التحرر القومي العربي من الاستعمار، ودرء أثار النكسة ، واعاده بناء الجيوش العربية… وأثمرت – على المستوى الرسمي : بدء حرب الاستنزاف التي حطمت معنويات جيش الكيان الصهيوني- واعاده بناء الجيش المصري، الذي مهد الطرق أمام نصر أكتوبر 1973، ومؤتمر الخرطوم وشعاراته ”
لا صلح لا اعتراف لا تفاوض. إذا فقد استطاعت الاراده الشعبية العربية حينها تجاوز النكسة،وتحول الهزيمة العسكرية إلى انتصار سياسي” سيمهد الطريق لنصر عسكري لاحقا ” 6 اكتوبر 1973″. في ذات الوقت أقام كثير من مثقفي الامه الذين ينتمون إلى مذاهب فكريه متعددة-تندرج تحت إطار التقليد او التغريب – مآتم للعويل والبكاء الامه المهزومة،استمر بعضها حتى لان، لتحقيق أهداف متعددة، منها إثبات صحة أفكارهم،واثبات أن النصر غير ممكن التحقيق إلا بتطبيقها ، متناسين أنهم بذلك يكرسون للهزيمة ، وان مذاهبهم يلزم منها- موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأنصارها – إلغاء الاراده الشعبية العربية ، وبالتالي انهزامها .

كامب ديفيد والتبعيه للغرب والصلح مع الكيان الصهيونى “الانهزام السياسي رغم الانتصار العسكرى”: أما خلف الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الرئيس محمد أنور السادات فرغم تحقيقه لنصر عسكري في أكتوبر 1973 إلا انه انهزم سياسيا، فارتد عن مجمل المواقف الوطنيه والقوميه للزعيم الراحل- والتى كانت بمثابه خطوات تجاه تحقيق أهداف الاراده الشعبية للامه في الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية – دون انكار ما شاب عهده من سلبيات- وذلك بدعم من الغرب بقياده حكومة الولايات المتحدة الامريكيه – بالانتقال من مناهضه الاستعمار القديم والجديد”الامبريالي” والاستيطاني”الصهيوني”، إلى التبعية للولايات المتحدة الامريكيه، وتوقيع اتفاقيه سلام مع الكيان الصهيوني”كامب ديفيد”، من أقامه تنميه مستقلة وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلى تطبيق النظام الاقتصادي الراسمالى، تحت شعار الانفتاح الاقتصادي ، ومن التضامن العربي إلى قطع العلاقات مع الدول العربية، ثم سير عدد من الانظمه العربية في نفس هذا الخط ، فدشن بذلك بداية مرحله التعطيل الارتدادي الاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي ،والتي انتهت -حاليا – إلى تردى النظام السياسي العربي من التجزئة” الشعوبية” إلى مزيد من التجزئة” التفتيت” الطائفي “، إلى درجه تزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى، والتي بدأت بالفعل في بعض أجزائه ،التي تتصف بضعف الروابط الوطنية والقومية ، لشيوع الطائفية أو القبلية فيها.

مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبية للامه على المستوى الرسمي بين التكريس وامكانيه التجاوز”هزيمة رسميه وانتصارات شعبيه ”:وببلوغ مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبية للامه على المستوى الرسمي إلى ادني درجاتها ،يقيم الان كثير من مثقفي الامه الذين ينتمون إلى ذات المذهب الفكرية التي اشرنا إليها أعلاه ،مآتم للبكاء والعويل على موت “إلغاء”
الاراده الشعبية للامة ، متناسين – عن قصد أو بدون قصد- أن تعطيلها على مستوى معين” المستوى الرسمي” فى هذه المرحلة ،لم يؤدى إلى تعطيلها على كل المستويات اى لم يؤدى إلى إلغائها ،فضلا عن أنه فتح المجال أمام تفعيلها على مستوى آخر هو المستوى الشعبي .فحققت الكثير من الانتصارات ، بدون أن يمثلها أو يعبر عنها أو يسعى لتحقيق أهدافها اى نظام سياسي معين .

الحفاظ على الانتصارات الشعبيه وضروره انتقال الاراده الشعبيه من مرحله التفعيل التلقائى الى مرحله التفعيل القصدى: غير ان الخفاظ على هذه الانتصارات الشعبيه وتحقيق مزيد من الانتصارات يقتضى ضرورة انتقال الاراده الشعبية للامة، إلى مرحله جديدة من مراحل تفعيلها على المستوى الشعبى ، وهي المرحلة القصدية ، والتي يجب ان تتجاوز فيها حركتها شكل رد الفعل العاطفي- التلقائي/ المؤقت- إلى شكل فعل عقلاني- مستمر – منظم / مؤسساتي - عبر مبادرات شعبيه " مستقله – ديموقراطيه " - يهدف إلى تحقيق ما هو ممكن من خطوات ، تجاه أهداف الارادة الشعبية العربية

آليات تجاوز التفكير التشاؤمى ( الجنائزي-السلبي):

أولا: التحديد – الموضوعي/العقلاني- لطبيعة المشكلة وحدودها، ومحاوله وضع اى حل – نظري – ممكن لهذه المشكلة ، وتنفيذ ما هو ممكن تنفيذه من هذا الحل في الواقع بالعمل.

ثانيا:مقاومه نمط التفكير البدعى،وأنماط التفكير الخرافي والاسطورى المتضمنة فيه،والأخذ بنمط التفكير الاجتهادي، المتضمن للفهم الصحيح للدين ،وأنماط التفكير العلمي والعقلاني التي لا تتناقض مع الوحي.

ثالثا:محاوله تجاوز الذاتية والالتزام بالموضوعية قدر الإمكان.

رابعا:التفاؤل المبنى على إدراك سليم للإمكانيات التي يتيحها الواقع، ونبذ التشاؤم واليأس.

خامسا: الإقرار بان الاراده الانسانيه “الفردية والجماعية” غير قابله للإلغاء وان كانت قابله للتعطيل والفارق بينهما ، أن الإلغاء هو تعطيل مطلق لها(اى في كل زمان، وعلى كل المستويات) ،بينما التعطيل هو إلغاء مقيد لها (اى خلال فتره زمنيه معينه، أو على مستوى معين )
سادسا: اتساقا مع النقطة السابقة يجب الإقرار بأنه سىء لواقع أفضل-سواء تغيير جزئي أو كلى- ،بشرط الالتزام بشروط التغيير .والفشل في تغيير هذا الواقع لا يعنى استحالة تغييره ، بل يعنى عدم الالتزام لهذه الشروط،اى تكرار نفس الأخطاء.

سابعا:الإقرار بان اى مشكله- بالتعريف- قابله للحل”اى مضمونها واقع معين قابل للتغيير” ، والفارق بين المشاكل هو أن بعضها سهل الحل والآخر صعب الحل، ولكن لا توجد مشكله مستحيلة الحل ،اى غير القابلة للحل ،لأنها في هذه الحالة ليست مشكله، بل هي جزء من الواقع الذي لا تتوافر امكانيه تغييره ” كمحاوله تغيير الواقع في الماضي مثلا”– وبالمفهوم الديني هي جزء من القضاء والقدر الواجب الإيمان “التسليم”به.

ثامنا: التفكير الايجابي : الالتزام باساليب التفكير الايجابى ، التى قررها خبراء فن تنميه الذات والبرمجه العصبيه اللغويه ،التى لا تتناقض مع قيمنا وواقعنا.

________________________
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
///////////////////////////

 

آراء