المرأة والاضطهاد المثنى وبعضه مثلث ومربع
بسم الله الرحمن الرحيم
المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي بالتعاون مع جامعة الأحفاد للبنات
حلقة نقاش حول الاضطهاد المزدوج لنساء الأقليات
14 سبتمبر 2013م
المرأة والاضطهاد المثنى، وبعضه مثلث ومربع
الإمام الصادق المهدي
أبدأ بتقدير مجهود كل من نظّم هذا الملتقى في مكتبي والمتعاونين معه، وأشكر مركز الجندر في منارة الأحفاد لاستضافة هذا الملتقى.
نادي مدريد تكوّن منذ أكثر من عقد من الزمان، وهدفه أن يصير ضميراً للعالم في قضية حقوق الإنسان والديمقراطية المجدية. النادي مكوّن من أكثر من 90 رجل وامرأة دولة، يمثلون رؤساء دول، ورؤساء وزارات سابقين، تولوا تلك المهام عن طريق انتخابات حرة نزيهة.
ومنذ حين تبنى النادي مشروع الشراكة في المجتمعات الوطنية. ومن أهم منجزات هذا المشروع الدراست التي قمنا بها في ست دول عربية في عامين (2006-2008م)، وانتهت بعقد ملتقى لممثلي الأحزاب الحاكمة ومعارضيها في 19 دولة، وإصدار نداء البحر الميت في يناير 2008م، الذي أشار إلى وجود حالة احتقان بين الحكام والمعارضين، ما يوجب حوارا جادا لتحقيق إصلاح سياسي، وإلا الانفجار، وقد كان.
ومنذ أغسطس الماضي، دعيت لرئاسة مشتركة لحلقة دراسية نرأسها السيدة شاندريكا كوماراتونقا Chandrika Kumaratunga رئيسة دولة سيرلانكا السابقة وشخصي. ملتقى سيعقد في الأسبوع الأول من أكتوبر، ويحضره خبراء ومتخصصون لدراسة قضية اضطهاد المرأة بصفة عامة، مع التركيز على الاضطهاد المثنى الذي يقع على نساء الأقليات الدينية، والثقافية، والإثنية، بل كل مجموعة تعاني من الاضطهاد المزدوج.
ومن أهداف هذا الملتقى كذلك متابع ما تم تنفيذه من قرار مجلس الأمن رقم 1325 المتعلق بدور النساء في منع النزاعات، وفي حلها إذا وقعت، وفي بناء السلام، باعتبار أنهن أكثر المجموعات تأثراً، هن والأطفال بالحروب وأكثر ضحاياها المدنيين.
كان نادي مدريد قد اهتم كثيراً بهذا القرار، واهتم بمتابعة ما تحقق من مشاركة النساء في المجالات الوطنية، والإقليمية، والدولية في مشروعات فض النزاعات، وإدارة اتفاقيات السلام، واستدامة السلام.
ومن القضايا التي اهتم بها نادي مدريد قضية المشاركة العادلة للنساء في اتخاذ القرارات السياسية، وفي الحكم، وفي النشاط الاقتصادي، وهي شروط مطلوبة للتنمية البشرية والتنمية المستدامة.
والنادي يرى أنه مع تحقيق بعض التقدم في هذه المجالات، فإن ما تحقق دون المستوى المطلوب، فما الذي ينبغي عمله لتحقيق أهداف الألفية الجديدة الخاصة بتمكين المرأة عندما يحل التاريخ المتفق عليه لتحقيق أهداف الألفية الجديدة الثمانية في عام 2015م.
هذه القضايا تظل محل اهتمام نادي مدريد، ولكن ملتقى أكتوبر القادم سوف يكون التركيز فيه على النساء الواقعات تحت الاضطهاد المزدوج، واستكشاف دورهن في بناء مجتمع المشاركة العادلة. وسوف يكون برنامج الملتقى:
أولاً: أن يدرس أعضاؤه قضية الاضطهاد المزدوج العام والخاص الواقع على الأقليات المذكورة. وتقديم مقترحات حول هذا الموضوع.
ثانياً: التوصيات التي سوف يصدرها الملتقى سوف يترافع عنها نادي مدريد أمام المجتمع الدولي ومنظماته المتخصصة، وأمام الحكومات الوطنية، وأمام منظمات المجتمع المدني.
ثالثاً: سوف يقود النادي حملة إعلامية للترويج لهذه التوصيات.
رابعاً: وبالإضافة لهذا البرنامج فإنني أضيف أن نسعى لجعل قرارات هذا الملتقى أساساً لملحق معاهدة سيداو، أو أساساً لقرار آخر بعد القرار 1325. ومع أن ظروفاً كثيرة حالت دون زيارة بعثة نادي مدريد للسودان، فإنني سوف أتناول الحالة السودانية في ملتقى مدريد، ويهمني أن أضم ما قد يصدر ملتقى الأحفاد هذا إلى مداخلتي.
أقول:
الإنسانية كلها تعاني من ذهنية اضطهاد المرأة: ففي الصين القديمة أي فلسفة كنفشيوس، المرأة تحتل أدنى مكان في الإنسانية. عقيدة من نتائجها الآن خلل شديد في التوازن السكاني في الصين. وفي الهند القديمة حتى القرن 17 كانت المرأة إذا مات زوجها تحرق مع جثته. وفي الزرادشتية (لدى الفرس) المرأة كائن بلا قدسية. وحتى عميد الفلسفة اليونانية أرسطو اعتبر المرأة مخلوقاً ناقصاً، حكم الرجل عليها كحكم الروح على الجسد، وحكم العقل على العاطفة. وفي الاعتقاد اليهودي المرأة مخلوق منجس، وعميد حكماء المسيحية القديس أوغسطين قال عن المرأة: لا فائدة لها سوى الإنجاب. وفكرة الكتابيين القديم بمن في ذلك بعض فقهاء المسلمين يرون وجود حلف بين المرأة والشيطان إذ يرون مقولة إذا خرجت استشرفها الشيطان، مع أن البادئ في كل الحالات هو الرجل على نحو ما قال أحدهم:
يا رب قبح لي وجود الغيد كيلا أواجه منهمو بصدود.
وما قاله إيليا أبو ماضي:
ليت الذي خلق العيون السودا خلق القلوب الخافقات حديدا
إن انت ابصرت الجمال ولم تهم كنت امرءا خشن الطباع بليدا
إن الفهم الصحيح لمكانة المرأة في الإسلام مختلف تماماً ويعتبرها مساوية للرجل إنسانياً وإيمانياً: على حد قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) [1].
وكثير من الفقهاء الأقدمين قالوا برؤى عادلة في المرأة كالطبري وابن حزم، وأبو حنيفة.
الفكر الإنساني خرج من ظلام الماضي وأسس فكراً جديداً جسدته منظومة حقوق الإنسان العالمية.
وبالنسبة للفكر الإسلامي فقد أوضحت في دراسات نشرت ما يؤصل للميثاق العالمي لحقوق الإنسان إسلامياً، وكذلك ما يترافع عن بنود معاهدة سيداو ما يوجب التزامنا بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان وانضمامنا لمعاهدة سيداو.
تحفظت بعض الدول على ست من بنود سيداو الـ 30 هي:
- البند (2) الخاص بحظر التمييز ضد المرأة في الدساتير.
- البند (7) الخاص بالالتزام بالقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية.
- البند (9) الخاص بحقهن وأولادهن في الجنسية.
- البند (15) المتعلق بالمساواة أمام القانون.
- البند (16) المتعلق بالمساواة في أمر الزواج، والزواج أصلاً عقد وهو شريعة المتعاقدين.
- والمادة (16) الخاصة بالتحكيم بين الدول في أمر المعاهدة.
وفي السودان خرق تام للقرار الدولي (1325) الخاص بمشاركة المرأة في فض النزاعات وبناء السلام.
الحقيقة النزاعات في السودان دفعت إليها عزيمة الحزب الحاكم أن يفرض رؤية أحادية دينية وثقافية على مجتمع متعدد الأديان والثقافات، ما أدى في النهاية لإجماع الجنوبيين في عام 1993م على تقرير المصير وتم الانفصال في عام 2011م. وأدى إلى اقتتال دارفور منذ عام 2002م حتى الآن، ثم أدى إلى اقتتال جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
والحقيقة في صناعة هذه الحروب، وفي عمليات السلام، أن الحزب الحاكم يديرها منفرداً، فلا مشاركة لغير قواعده ولا مشاركة للنساء حتى من داخل قواعده.
الذهنية السائدة في ظل النظام الحاكم في السودان تستبيح الهجوم على المرأة بصورة بذيئة، كوصف مذيعات محتشمات بأنهن كاسيات عاريات، أو وصف غير المشوهات بالخفض أنهن عفنات وآخر التعليقات قول أحدهم إن سقوط طرحة من فوق رأس امرأة أرزى بهيبة الدولة من سقوط أبكرشولا أو أم روبة! أو تجاوزات قانون النظام العام ذي النصوص الفضفاضة التي جعلت من ظهور نساء كثيرات جداول ضرب.
الإصلاحات المطلوبة في السودان المتعلقة بالاضطهاد العام توجب التحاقاً جاداً بمعاهدة سيداو، وتوجب قومية عمليات السلام، والمشاركة النسوية فيها بموجب القرار الدولي رقم (1325)، وتوجب تكوين مجلس قومي للمرأة لمتابعة قضية الإصلاح هذه، وتوجب إصلاحاً لقانون الأحوال الشخصية وتوجب أسساً محددة لتحرير وتمكين المرأة في الدستور الجديد.
وأخيراً أتطلع لتوصيات نساهم بها جميعاً في أمر المجموعات الوطنية التي تعاني من دونية مزدوجة وأهمها:
- المجموعات الدينية.
- المجموعات الإثنية.
- المجموعات الثقافية.
- نساء النازحات.
- نساء اللاجئات.
- الفقيرات.
كم يكون مفيداً أن يقدم هذا الملتقى تعريفاً بالمجموعات النسوية ضحايا الاضطهاد المزدوج، وما ينبغي عمليه لمشاركتهن في بناء الوطن وأفضل ما يمكن لهذا الملتقى أن يوصي به:
1. المطلوب لالتحاق السودان بالاستنارة الإنسانية فيما يتعلق بحقوق المرأة.
2. المطلوب لتنفيذ السودان للقرار (1325) الخاص بمشاركة المرأة في درء النزاعات وبناء السلام.
3. المطلوب لتحقيق مشاركة ضحايا الاضطهاد المزدوج مشاركة مستحقة وعادلة في بناء الوطن.