المسؤولية القانونية عن أضرار مصارف المياه: قضية ضد مجلس بلدية أم درمان .. عبد المنعم عجب الفَيا

 


 

 

محكمة الاستئناف (العليا)1

مجلس بلدية أم درمان .................. مستأنف
ضد
النور إبراهيم ......................... مستأنف ضده

ملخص الوقائع الثابتة:
أنشأ مجلس بلدية أم درمان (المدعى عليه) مصرف لمياه الأمطار في مجرى خور متاخم لبيت المدعي بحي الملازمين. وكان المصرف المشيّد على الخور ضيقا وأقل من سعة المجرى الطبيعي للخور مما أدى إلى الحد من حرية تدفق المياه وفيضانها خارج المصرف وغمرها لبيت المدعي ونتج عن ذلك أضرار بالمباني.
وكذلك قام المجلس المدعى عليه بتشيّيد سوق بالقرب من منزل المدعي بدون تزويد السوق بمراحيض عامة، فلجأ أفراد الجمهور إلى قضاء الحاجة الطبيعية في الخور الأمر الذي سبب إزعاجا للمدعي وحرمه الاستمتاع بالراحة في منزله.
حكم قاضي المحكمة الجزئية بمسؤولية مجلس البلدية وقضى لصالح المدعي بالتعويض (خاصاً وعاماً) عن الأضرار التي لحقت بالمنزل ولكنه رفض طلب التعويض عن الضرر الناتج عن استغلال الجمهور المصرف لقضاء الحاجة الطبيعية.
أيّدت "المحكمة الأعلى" The high Court الحكم بمسؤولية مجلس البلدية مع التدخل في مبالغ التعويض. كذلك أيّدت محكمة الاستئناف (العليا) الحكم مع تدخلها هي الأخرى في مبالغ التعويض.

خلاصة أسباب الحكم:
(1) المجلس البلدي مسؤول عن الاهمال والتقصير والإزعاج في تشييد المصرف في الخور بالطريقة التي أدت إلى أن تفيض المياه وتسبب أضراراً بمباني المدعي.
(2) لا يسأل المجلس البلدي عن الإزعاج الذي يتسبب فيه الجمهور بقضاء الحاجة في الخور ما دام المجلس لم يصرح بذلك، ويجوز للمدعي اتخاذ إجراءات جنائية بالازعاج العام ضد أفراد الجمهور تحت قانون العقوبات.

المحامون:
الرشيد نايل/عن المدعي (المستأنف ضده)
صالح فرح/عن النائب العام/ عن المدعى عليهم (المستأنف)

حكم "المحكمة الأعلى"2

القاضي/ مجذوب علي حسيب:
هذا طلب مراجعة ضد حكم القاضي الجزئي بأم درمان والمؤرخ 29 أبريل 1958 والصادر لصالح المدعي النور إبراهيم في القضية رقم CS-1255-57
المدعي النور إبراهيم هو المالك بالمنفعة leasehold لقطعة الأرض رقم 101 الحارة 2 بحي الملازمين بام درمان وقد قام بتشييد منزل عليها في 1948-1949. ووفاء بإلتزاماته لساكني الحي قام مجلس مدينة ام درمان في 1955 ببناء سوق وبتشييد مصرف في خور مجاور لتصريف مياه الأمطار حفاظاً على بيوت الحي.
ينعي المدعي على المحكمة الأدنى الخطأ في القانون الواجب التطبيق على وقائع الدعوى وكذلك الخطأ في الوزن السليم للبينّات في الوصول إلى الخلاصة التي انتهت إليها.
في البداية لا بد أن أقر بأن الدعوى ليست ذات طبيعة سهلة. ومن أجل مناقشة الأسباب التي اثارها المستانف طالب المراجعة سوف اتناول المسائل المتعلقة بالوقائع وتلك المتعلقة بالقانون كل على حدة.
أسس المدعي دعواه على سند من القول إن المصرف كان ضيقا ومعيبا ولم يكن كافيا لتصريف المياه التي تجمعت في الجزء الأعلى وفاضت وتدفقت خارج الخور مما تسبب في أضرار لبعض مباني منزله.
كذلك جاء في عريضة المدعي أن المجلس أقام سوقا في سنة 1955 بدون توفير مراحيض عامة لقضاء الحاجة وظل مرتادو السوق من عامة الجمهور يقضون حاجتهم الطبيعية في مصرف المياه وقد أدى ذلك إلى حرمان المدعي من حق الراحة والاستمتاع بالسكنى في منزله. وطلب المدعي الحكم له بالتعويض عن تهدم حوائط منزله في سنتى 1955 وسنة 1957 والتعوبض عن الإزعاج وإقلاق راحته بسبب تراكم العذرة في المصرف لعدم وجود مراحيض عامة.
النقاط الحاسمة للفصل في هذا النزاع هي:
1- هل إنشاء مصرف في مجرى الخور سنة 1955 جعل مجرى الماء ضيقاً؟
2- إذا كان ذلك كذلك هل صار المجرى غير كافٍ لاستيعاب كل مياه الأمطار وتصريفها مما جعلها تفيض وتغمر مباني المدعي؟
3- إذا كان ذلك كذلك هل أدى ذلك لتهدم مباني المدعي؟
4- إذا كان ذلك كذلك هل المدعي عليه مسؤول عن التعويض استنادا إلى القانون التشريعي والإزعاج والمبدأ الذي أرسته السابقة القضائية:
Rylands v. Fletcher؟
5- هل اعتاد أفراد الجمهور التبرز في المنطقة المحيطة بمنزل المدعي؟
6- إذا كانت الإجابة بنعم هل سبب ذلك ضرراً للمدعي؟
7- إذا كانت الإجابة بنعم، هل المدعى عليه مسؤول عن الإزعاج الذي تسبب فيه الجمهور؟
ولما كان النقاط الرابعة والسابعة تتعلق بالقانون فسوف أناقشها.
أولاً: النقطة الرابعة وهي هل المدعى عليه مسؤول عن التعويض بسبب الاهمال والتقصير عن الخطأ في تضييق مجرى المياه؟
الثابت أن عقود حكر قطع الأراضي الممنوحة لسكان حي الملازمين قد الزمت ملاك الحكر بدفع رسوم للمساهمة في إقامة الإنشاءات الضرورية ويقع عبء القيام بهذه الأعمال الضرورية على المدعي والمدعى عليه وبذلك يكون هناك واجب قانوني يقع على مجلس البلدية للقيام بهذه الأعمال الضرورية لحماية بيوت الحي والانتفاع بالخدمات الأخرى المقدمة.
أفاد شاهد المدعى عليه الأول إبراهيم الفحل، وهو مهندس المجلس البلدي :"نحن نقوم في العادة بجمع رسوم للطرق والمجاري وإن "مشروع أراضي المدن" الذي ظل يطبق بالسودان منذ سنة 1947 ينطبق أيضا على مدنية أم درمان ويهدف المشروع إلى إنشاء كل الخدمات الضرورية والتجارية للمنطقة السكنية بالتزامن حتى يتسنى للسكان الاستفادة الفورية من الطرق والمجاري".
وبذلك نقرر أنه يقع على مجلس المدينة واجب قانوني لحماية مباني المدعي بما أن "مشروع أراضي المدن" قد فرض على المدعي دفع رسوم لإنشاء الأعمال الضرورية وعليه متى ما ثبت أن المصرف كان معيبا أو أنه جعل سعة المجرى الطبيعي غير كافية لتصريف مياه الأمطار بحيث فاضت وسببت أضرارا بمباني المدعي، فإن المدعى عليه يكون مسؤولا عن الاهمال والتقصير.
وبالتالي السؤال هو ما إذا كان هذا التقصير والإزعاج يشكل سبباً للتقاضي بموجب المبدأ الذي أرسته السابقة القضائية Rylands v. Fletcher؟
أرى أن المبدأ القانوني الواجب التطبيق على وقائع هذه الدعوى قد ورد في الحكم الصادر في السابقة القضائية:
Sedleigh-Denfield v. O Callag-han (1940) A. C. 880
والتي قضت بأنه: "إذا قام شخص بإنشاء أى عمل في أرضه وتسبب ذلك في تسريب المياه حتى لو كانت مياه الأمطار، إلى أرض جاره ونتج عنه مضايقة أو إضرار فإن هذا الشخص يكون مسؤولاً، وللمتضرر الحق في مقاضاته عن الضرر".
لذا نقضي بمسؤولية المدعى عليه، عن الاهمال والتقصير والتسبب في الإزعاج متى ما ثبت أن أفعال المدعى عليه كانت السبب المباشر الذي أدى لفيضان مياه الأمطار خارج المصرف وغمرها لمباني المدعي وإلحاق أضرار بها.
وأما بالنسبة للنقطة القانونية: هل المدعى عليه مسؤول عن الإزعاج الذي تسبب فيه أفراد الجمهور بالتبرز في المنطقة المحيطة بمنزل المدعي؟
نقضي بإن تراكم العذرة لم يتسبب فيه المدعى عليه، وإنما هو من جراء فعل طرف ثالث وهم أفراد عامة الجمهور. وهذا يعد إزعاجا عاماً، ولا يعد إزعاجاً خاصا إلا إذا رخصّ به المدعى عليه وسبّب هذا الترخيص إقلاقاً محسوساً لراحة سكان منزل المدعي.
والآن في ضوء هذه المبادىء القانونية القررة ننظر في ما إذا كانت محكمة الموضوع قد أصابت أم أخطأت في تطبيق هذه المبادىء على وقائع الدعوى الثابتة بالبينّات.
خلصت المحكمة إلى أن إنشاء المصرف في الخور جعل مجرى المياه ضيقاً وغير قادر على استيعاب وتصريف مياه الأمطار وهذا الضيق تسبب في إلحاق أضرارا بمباني المدعي في سنة 1955 وسنة 1957
وقد خلصت المحكمة إلى هذه النتيجة بعد الاستماع لإفادة المدعي وإفادة شاهد الخبرة (شاهد الإدعاء الأول) كما ان المحكمة قامت بزيارة إلى الموقع في حضور أطراف الدعوى وشهودهم الخبراء وبالنتيجة فصلت المحكمة الجزئية في نقاط النزاع لصالح المدعي. حيث جاء في أسباب حكمها:
"ثبت للمحكمة بالملاحظة أن الخور هو المجري طبيعي لتصريف مياه الأمطار لسنين عديدة خلت. وقد تم بناء منزل المدعي في شفة الخور وكان يجب ان يقام المصرف بصورة صحيحة وكافية بحيث تكون قناة المصرف بحجم أكبر مما هو عليه فحجم المصرف المقام لا يتجاوز 19% من عرض مجرى الخور.."
وعليه لا يوجد ما يسند مزاعم ممثل النائب العام بأن الخلاصة التي انتهت إليها المحكمة لم تؤسس على بينات كافية. إن بينة شاهد الإدعاء الأول وزيارة المحكمة للموقع وفحصه تكفي للوصول إلى هذه الخلاصة، ونحن نتقف مع المحكمة الجزئية فيما توصلت إليه من نتائج.
والآن وحيث تم تأييد الخلاصة التي انتهت إليها المحكمة من أن الضرر الذي لحق بمباني المدعي كان نتيجة مباشرة لأفعال المدعى عليه والتي تشكل إهمالا وتقصيراً وإزعاجاً، نشرع في مناقشة الأضرار الفعلية التي لحقت المدعي.
بناء على إفادة شاهد المدعي الخبير وبقية الشهود، حكمت المحكمة الأدنى للمدعي بتعويض قدره مبلغ 127.173 جنيهاً عن الاهمال والتقصير، ومبلغ آخر عن الإزعاج قدره 5 جنيهات.
اتفق مع محامي المدعى عليه بأن المحكمة أخطات حين قضت للمدعي باستصدار أمر منع حيث أن المدعي لم يطالب به في دعواه.
تبقى مسألة التعويض عن الازعاج الناتج عن تواجد البراز وكما ذكرت آنفا إن هذا لا يسأل عنه مجلس المدينة فهو لم يصرح به ومن قام به طرف ثالث وتم بدون علم مجلس المدينة وهو يعد إزعاجا عاما، وللمدعي حق ملاحقة افراد الجمهور جنائياً بسبب هذا الإزعاج بموجب نصوص قانون العقوبات.
ولا اتفق مع القاضي الجزئي في القول بما أن المصرف يعود المدعي عليه، فانه يكون مسؤولاً اذا ما أسيىء استغلاله بما يتعارض مع الصحة العامة ومصلحة المدعي. لذلك يتعين مراجعة قضاء المحكمة الأدنى في هذه المسالة.
لكل ذلك أقضي بـاستحقاق المدعي التعويض بمبلغ 127.173 جنيهاً عن تهدم المباني وإعادة إنشائها، ومبلغ 5.000m عن الإزعاج الخاص ليكون جملة المبلغ المستحق الحكم به للمدعي هو 132.173ms جنيهاً شاملة الرسوم.

حكم محكمة الاستئناف (العليا)3
14 يونيو 1959
القاضي/ محمد إبراهيم النور:
(بعد سرد الوقائع واصل قائلا) بعد سلسلة من جلسات السماع المطولة وبعد تقييم البينات المطروحة أمامه وبعد الفحص الذي قام به بنفسه لمصرف المباه الذي نشأ عنه الضرر، خلص القاضي الجزئي إلى أن الضرر الذي لحق بالحائط الغربي من منزل المدعي وللمرحاض في سنة 1956 وتكرر مرة أخرى سنة 1957 بعد إعادة بناءهما في المرة الأولى، كان نتيجة مباشرة لفيضان مياه الأمطار بسبب إقامة المدعى عليه مصرف ضيق في المجري الطبيعي للخور لم يتمكن من استيعاب كل المياه التي كانت تتدفق بحرية في الخور.
ولذلك حكم القاضي الجزئي للمدعي بمبلغ 108.473ms جنيهاً تعويضا عن الضرر الذي لحق بالمباني ومبلغ 5 جنيهات أخرى تعويضا عاما عن الضرر المضمن في البند الأول من طلبات الدعوى ليكون المبلغ 113.473ms جنيهاً.
وأما فيما يتعلق بالبند الثاني من طلبات المدعي، فبرغم أن القاضي الجزئي قد خلص إلى أن المدعى عليهم (البلدية) مسؤولون عن السماح للمواطنين بالتبول وقضاء الحاجة في الخور بجوار بيت المدعي إلا أنه لم يحكم للمدعي بأي تعويض كما أنه لم يأمر بشطب الدعوى فيما يتعلق بهذا الطلب.
كذلك تجاوز القاضي الجزئي صلاحياته وحكم للمدعي بطلب لم يكن مضمنا في الدعوى بالقول:
"بالإضافة إلى مبلغ التعويض المحكوم به يجب أن أحكم بتعويض آخر لتفادي تكرار حدوث الضرر فالمبلغ المحكوم به لا يكفي في رأي المحكمة لمعالجة تكرار نفس الإزعاج مستقبلا ولذا كبديل لإصدار أمر منع injunction أقضي بمبلغ إضافي قدره 50 جنيها لمقابلة تكلفة إنشاء سد وتشييد أساس من الأسمتنت المسلح لمنع أي تدفق وتسرب للمياه إلى بيت المدعي مستقبلاً".
استنادا إلى ذلك أصدر القاضي الجزئي قراره في 29 أبريل 1958 لصالح المدعي بان حكم له بمبلغ 113.473ms جنيهاً تعويضا عن الأضرار التي لحقت بالمنزل ومبلغ 50 جنيها بديل عن إصدار أمر المنع، إضافة إلى مبلغ 23.990ms رسوم ليكون جملة المبالغ المحكوم بها 187.463ms جنيهاً.
تقدم مجلس البلدية في 11 مايو 1958 بطلب مراجعة إلى قاضي "المحكمة الأعلى" على أساس أن القاضي الجزئي قد أخطأ في الوزن السليم للبينات كما أخطأ في التطبيق الصحيح للقانون في شان الفصل في الطلب الأول من عريضة الدعوى إضافة إلى أنه قد خالف القانون عندما قضى للمدعي بمبلغ 50 جنيها بديلا عن إصدار أمر المنع.
بعد مناقشة مطولة للنقاط القانونية المثارة في الاستئناف خلص قاضي "المحكمة الأعلى" الموقر إلى أنه وحيث ثبت بالبينّات أن الضرر الذي لحق بالحائط الشرقي والمرحاض بمنزل المدعي كان نتيجة تدخل مباشر من المدعى عليهم (المستانفين) في المجري الطبيعي للخور الواقع شرق منزل المدعي وذلك بإنشاء مصرف ضيق مما أعاق تدفق المياه بصورة طبيعية وأدى إلى فيضانها والتسبب في الحاق الضرر بمنزل المدعي فإن مسؤولية المدعى عليهم تكون ثابتة إعمالاً بالمبدأ القانوني الذي أرسته السابقة القضائية: Sedleigh-Denfield v. O Callag-han
وفي شأن المبلغ المحكوم به من قبل القاضي الجزئي لصالح المدعي (لم يستانف المدعي هذا الحكم) يقول قاضي "المحكمة الأعلى":
" قدَّر شاهد المدعي الخبير الخسائر وقدر بقية الشهود التعويض بمبلغ 127.173 جنيهاً وقد حكمت المحكمة الأدنى بهذا المبلغ إضافة إلى مبلغ آخر عن الإزعاج قدره 5 جنيهات".
وبعد أن وافق قاضي "المحكمة الأعلى" محامي المدعى عليه حول خطأ القاضي الجزئي في الحكم لصالح لمدعي بمبلغ 50 جنيها إضافية بديلا عن أمر المنع، استبعد هذا المبلغ وخلص في حكمه إلى الأتي:
يدفع المدعى عليهم للمدعي مبلغ 127.173 جنيهاً عن تهدم المباني وإعادة إنشائها، ومبلغ 5.000m عن الإزعاج ليكون جملة المبلغ المستحق الحكم به للمدعي هو 132.173ms جنيهاً شاملة الرسوم.
ولكن مع أن المدعي قد حُرِم من قبل قاضي "المحكمة الأعلى" بدون أي سبب من مبلغ الرسوم والمصاريف المحكوم به لصالحه وهو مبلغ 23.990 جنيهاً ومع أنه حُرِم أيضا من المبلغ البديل عن أمر المنع وقدره 50 جنيهاً، لم يستأنف حكم قاضي المحكمة الأعلى.
وإنما مجلس البلدية هو الذي استانف الحكم الصادر ضده حيث تقدم بطلب إلى رئيس القضاء لمراجعة الحكم الصادر عن "المحكمة الأعلى" مستندا إلى الأسباب الآتية:
أولا: أخطأ قاضي "المحكمة الأعلى" في تطبيق القانون عندما قضي باستحقاق المدعي للتعويض عن الأضرار التي لحقت بمنزله نتيجة فيضان مياه الأمطار بالخور الواقع شرق منزله.
ثانيا: وعلى فرض استحقاق المدعي للتعويض فإن مبلغ التعويض المحكوم به مبالغ فيه لا سيما وأن المدعي أقر أنه انفق فقط مبلغ 17.500ms جنيهاً في إعادة بناء الحائط الذي تهدم بسبب فيضان الخور في سنة 1955.
فيما يتعلق بالسبب الأول لا اعتقد أن الاستئناف له ما يسنده، فقد زرت بنفسي شخصياً الموقع بغرض الفصل في طلب المراجعة ورأيّ هو أن المسألة لا تتطلب خبير لإثبات أن الضرر الذي أصاب منزل المدعي كان نتيجة مباشرة لفيضان مياه الأمطار بسبب تدخل مجلس البلدية في المجري الطبيعي للخور بإنشاء مصرف ضيف بالخور مما أدى إلى إعاقة تصريف المياه بحرية عبر المجرى ففاضت خارج الخور ولا يساورني أدنى شك في صحة قرار "قاضي المحكمة" الأعلى من أن مسؤولية مجلس البلدية عن الفعل الضار تحكمها القاعدة القانونية التي أرستها السابقة القضائية: Sedleigh-Denfield v. O, Callag-han
وأما فيما يخص السبب الثاني للاستئناف، بالنظر في البينة المقدمة لدى القاضي الجزئي وجدت أن المدعى قد أقر بالفعل أنه صرف مبلغ 17.500ms جنيهاً في إعادة بناء الحائط سنة 1955 وأفاد شاهد الخبرة إن إعادة البناء في سنة 1957 كلفت مبلغ 53.700ms كما كلفه إعادة بناء دورة المياه مبلغ 19.773ms جنيهاً. جملة هذه المبالغ 90.973ms جنيهاً يضاف إليها مبلغ 5 جنبهات عبارة عن تعويض عام، إضافة إلى الرسوم البالغة 23.990ms جنيهاً. جملة هذه المبالغ 119.963ms جنيهاً.
وكان قاضي "المحكمة الأعلى" قد قضى بأن جملة المبلغ المستحق للمدعي هو مبلغ 132.173ms جنيهاً بما يعني أن الفرق هو فقط مبلغ 12.210msجنيهاً ولو كان قاضي "المحكمة الأعلى" قد أمر بالحكم للمدعي بالمصاريف لما ظهر هذا الفرق أبدا.
وكنت قد أوضحت ذلك للسيد/ صالح فرح ممثل النائب العام عن المدعى عليه (المستانف) فعبّر عن قناعته بأن فرق الضئيل ولا يستحق الأمر التاجيل لنظر محكمة الاستئناف. واعتقد أنه كان حكيما في ذلك.
لذا أرى إذا وافق السيد/ رئيس القضاء أن يشطب هذا الطلب إيجازيا.

14 يونيو1959
محمد أحمد أبو رنات/ رئيس القضاء:
يشطب الطلب إيجازياً.

هوامش:
(1) ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1959 ص5 ، Sudan Law Journal and Reports, 1959 وكانت المحاكم السودانية تصدر الأحكام القضائية بالانجليزية حتى سنة 1970.
(2) "المحكمة الأعلى" The High Court فضلنا "الأعلى"، فهي الأصوب كما نرى وليس "العليا" التي تجدها في المصادر القانونية الأخرى، وحتى لا تلتبس باسم "المحكمة العليا" المعروفة الآن. وتتكون "المحكمة الأعلى" من قاضي فرد ولها سلطة ابتدائية في نظر كل القضايا المدنية. ومن اختصاصها الفصل في الطعون التي ترفع إليها من المحاكم الجزئية وتستأنف أحكامها في كل الحالات إلى محكمة الاستئناف (العليا) ويرفع الاستئناف منها وإليها في شكل طلب مراجعة وهي تقابل "المحكمة العامة" في القوانين اللاحقة.. (المترجم).
(3) محكمة الاستئناف Court of Appeal هي أعلى محكمة في النظام القضائي السوداني آنذاك، لذلك وصفناها هنا بمحكمة الاستئناف (العليا) وهي محكمة واحدة في السودان مقرها الخرطوم. وتفصل محكمة الاستئناف (العليا) في الطعون المرفوعة إليها ضد أحكام وأوامر المحكمة الأعلى ومحكمة قاضي المديرية، وترفع إليها الطعون في شكل طلب مراجعة. ولم تنشأ "المحكمة العليا" بشكلها المعروف الآن إلا بصدور قوانين 1974 التي أعدتها لجنة برئاسة أبورنّات. (المترجم)

عبد المنعم عجب الفَيا – 19 سبتمبر 2022

abusara21@gmail.com
///////////////////////////////

 

آراء