المسحراتى

 


 

 

حكايات الحلة

الحكاية الثانية


فى هذا الشهر الفضيل رمضان والذى خصه الله تعالى بمنزلة عالية ، فانزل فيه كتابه الكريم القران على عبده ورسوله الامين محمد صلى الله عليه وسلم هدى ونورا للعالمين ، ورمضان شهر التوبة والغفران ، وهدية الله لعباده المخلصين  من صامه ايمانا واحتسابا وعده سبحانه وتعالى بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ، فالشهر هذا وافر البركات كثير النفحات .
ونحن فى السودان نحتفى بهذا الشهر ونسعد ونسر بقدومه على نحو مدهش ، فالى جانب العبادة المتبتلة ، نخصه بالوان من الاطعمة والاشربة ليس لها مثيل فى فى اقطار المسلمين مثل ملاح الشرموط والروب والعصيدة وشراب الحلو مر والابرى والنشا (مديدة دقيق الدرة بالقمردين او بدونه ) .       .
وكان فى احياء امدرمان الى عهد قريب شخص ملازم لرمضان ولا يظهر الا فيه ، ويطلق عليه لقب (المسحراتى ) وهذا الشخص يتكفل بايقاظ او تذكير الناس للقيام لتناول السحور ، وهو يقوم بهذا العمل بلا مقابل وانما احتسابا للاجر من عند الله ، وهذا الرجل عادة يكون له عمل اخر يكسب منه عيشه . وكان فى كل حلة او عدة احياء مسحر يتولى هذه المهمة ، وهو يذرع الشوارع حاملا بيده اليسرى طبلة صغيرة وبيده اليمنى قطعة سميكة من الجلد يقرع بها الطبلة فى ايقاع رتيب متكرر هكذا ( تك تتك تك ) ، ويصاحبها بصوته عاليا بقوله :؛ ( قوم يا صايم وحد الدايم ) و (صايم رمضان قوم اتسحر ) وكانت حارتنا كسائر الاحياء فى امدرمان مظلمة فلم تكن الكهرباء قد ادخلت بعد ،فكان المسحراتى يحمل فانوس ليضىء له الطريق فى الظلام .
وهناك فى اى مجتمع قلة لا تهتم باقامة شعائر الدين من صلاة وصيام ويتعاطون المسكرات  والمخدرات كالعرقى والبنقو حتى فى رمضان وهم قليل بحمد الله ، وقد راح احد المسحراتية ضحية على ايدى بعض من هؤلاء الناس ، فقد بلغ به الحماس ان اضاف الى نداء السحور المعروف شيئا من عنده فقال : ( صايم رمضان قوم اتسحر   فاطر رمضان نوم اتندل ) وكان ثلاثة من الصحا ب الفاطرين عاكفين على الشراب حتى تلك الساعة المتأخرة ، فاستفزهم نداءه وخرجوا وضربوه ضربا مبرحا ،واستغاث طالبا النجدة فخرج اصحاب البيوت القريبة واوسعوا المعتدين ضربا ثم اخذوهم الى نقطة البوليس .
وفى وقت لاحق تناقص عدد المسحراتية ، وجاء احدهم واستعاض عن الطبلة بنوبة ! فكان يضرب عليها  (دل ـ دل  ) وكأن له ثار معها ، فيملأ صراخها الآفاق ، ويستيقظ من نومه المستغرق فى النوم . ثم جاء وقت ادخلت فيه الحكومة مدفع قديم يطلق لاعلان الافطار    وموعد السحور ،وكان هذا المدفع العتيق منصوبا امام طوابى المهدية امام   مبنى       ثانوية البنات بامدرمان ثم نقل الى الى الميدان الواقع امام المدرسة الاهلية بالقرب من منزل الزعيم ازهرى ،وكانت ذخيرة ذلك المدفع القديم تتكون من ( الدلاقين ) والبارود  ، وكان مسموعا على نطاق احياء امدرمان القديمة . وعندما تتالت الانقلابات العسكرية فى عهد الرئيس المخلوع نميرى  الغوا اطلاق المدفع .
وعندما كنا صغارا كان المسحراتى ياتى فى اول يوم فى العيد على حمار عليه  (خرجين ) ويذهب الى بعض البيوت ويبارك العيد لأهل الدار ويبادلونه التهنئة ويمنحونه شيئا من التمر والفول والكعك وربما يعطيه البعض قليلا من النقود ،ويعود من جولته ويمتلىء الخرجان او يكادا ،ويرجع الرجل غانما شاكرا لله على عطاءعبادهالوفير .
Hilal Elsadati [helalzaher@hotmail.com]
/////////

 

آراء