المشروع الحضاري بعد العاشر من يناير 2011 م … بقلم: سارة عيسي
في أغنية البنات كنا نسمع: في أول يناير جانا حمادة ساير ، ويقول أهل السير والأخبار أن الإمام المهدي حرر الخرطوم في الأول من يناير من عام 1885 ، ويقولون أيضاً أن كل من السيدين الأزهري والمحجوب رفعا علم السودان في الأول من يناير من عام 1956 ، هذه هي السنين البيض في تاريخ السودان ، لأنه في أول يناير من العام القادم لن يُدفن المشروع الحضاري في لحد واحد مع السودان ، بل ما سيحدث هو عملية ميلاد لدولة جديدة ، خارطة السودان بعد أن شرم المصريون شمالها الشرقي سوف تكون مستوية ، سوف تكون بلا نتوءات أو معارج ، أنه يناير الفريد ، الإمام المهدي مات بحمى التيفويد بعد ستة أشهر من الحكم بعد أن ولى على السودانيين " الغرابي " الخليفة عبد الله التعايشي ، فلا زال الرئيس البشير في خلافه مع الدكتور علي الحاج محمد حول أموال طريق الإنقاذ الغربي ، الرئيس البشير لا ينسى خصومه حتى وهو في النزع الأخير ، سأل القسيس الدكتاتور الأسباني فرانكو : بما أنك في طريقك للرب ..فهل يُمكن أن تسامح خصومك ؟؟ فرد عليه فرانكو : لا تخف يا يا أبتي ..لا داعي لذلك ..فقد أخذت حقي منهم جميعاً ، وكذلك مات الزعيم الأزهري في السجن وفترة حكمه للسودان لم تطل وتصل لعشرة سنوات ، أما المضحك في المقارنة أن الرئيس البشير الذي أورث السودان الإنقسام حكم السودان لأكثر من عقدين من الزمان ، ومن المفارقات المضحكة أيضاً أنه لا ينبذ الحكم حتى ولو تشرذم السودان إلى المزيد من الدويلات . ولا أعلم كيف سيترك الرئيس البشير الحكم ، لكن لكل إنسان نهاية خاصة به .
والآن أدركنا أهمية الوحدة بعد فوات الأوان ،أنه البكاء على الأطلال ، ونريد وحدة جاذبة بنفس النسق القديم ، إجتماع تشاوري مع سوار الدهب والحزب الإتحادي والأحزاب الصديقة ، هذه هي أنصاف الحلول ، فالمعني بالوحدة ليس هؤلاء الأشخاص أو الكيانات ، فالمعني بالوحدة هو مواطن الجنوب الذي مات بسبب الميل أربعين ، ومواطن الجنوب الذي دهسته كتائب المغيرات صبحاً والأهوال والخرساء وصيف العبور وغضبة الحليم ، هذه الرسائل فعلت فعلها ، والطريف أننا نترقب الإنفصال حتى يحدث في يناير 2011 ، إن جنوب السودان منفصل منذ عام 2005 ، منفصل بحق وحقيقة و حتى الوزراء والمستشارين لا يزورونه ، ولا أحد يتطرق له في نشرة الأخبار ، والجهة الوحيدة التي كانت تهتم بأخبار الجنوب هي صحيفة الإنتباهة ، فقد كانت تنقل كل الأخبار السالبة ووتتمنى أن يفتك الجنوبيين ببعضهم البعض ، وحتى الرئيس البشير الذي أمتهن السفر للقاهرة وطرابلس ..فلنسأله كم مرة زار جنوب السودان ؟؟ في خلال ستة أعوام لم تتجاوز زياراته للجنوب أكثر من ثلاثة مرات ، وهي بالطبع لم تكن زيارات شعبية تنتهي بإفتتاح مشاريع الكهرباء والطرق ومنح الوعود بحسن الحال والتنمية ، وما فعله المصريون في جنوب السودان أكثر مما فعلته حكومة الرئيس البشير ،إذاً لا يوجد شيء يربط الجنوب بشمال السودان سوى النفط والملفات العالقة ،أما قصة إعتراف شمال السودان بدولة في الجنوب فهو إعتراف غير مطلوب لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، ومربط الفرس ليس في جوبا أو الخرطوم ، مربط الفرس هو ما تريده أمريكا التي حققت الشرعية للرئيس البشير عندما قبلت بنتيجة الإنتخابات ، حتى لو أستقال محمد إبراهيم خليل من منصبه مع يقيني أن الرجل يناور لإهدار الوقت ، فربما تضغط أمريكا على حزب المؤتمر الوطني فيضطر لإجازة إنفصال الجنوب من برلمان الخرطوم حتى من دون إجراء إستفتاء في الجنوب ، تماماً كما فعل مع إتفاقية نيفاشا ، هذه الإتفاقية كانت تتضمن حق تقرير المصير ولكن نواب حزب المؤتمر صوتوا عليها بالإجماع السكوتي من دون إعتراض أو نقاش ، ورقصوا على أنغام وردي .. وغنوا وأنشدوا :اليوم نرفع راية إستقلالنا ..وربما لم يفطنوا أن هذا الإستقلال خاص بجنوب السودان .
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]