المشير البشير بين السلطة والدين: بعد أن ذاق عسيلتها … أذاقنا أفانينه

 


 

 



Mohamedmosa.imam@gmail.com
مدخل معاكس: (إن الدين الذي لا ينفع الإنسان قبل الموت, لا ينفعه بعد الموت أيضاً.) علي شريعتي
(1)
نحن على تخوم اكتوبر، وما أدراك ما أكتوبر؟ . والمشير البشير سواء يشعر أو لا يشعر فإنه سلخ عقدين ونصف من الزمان من عمره ومن تاريخ الشعب السوداني, دون أن يحقق شيئاً يُذكر, بل على أقل تقدير لم يستطع أن يفلح في تحقيق ذاك الوعد الذي قطعه على نفسه عندما أتى أوّل مرة, بأن يُنقذ العباد والبلاد وينقلهم من الظلمات إلى النور. ولكنه إتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب السوداني إنتقل من الفردوس ورزح تحت نيّر الظلم والظلمات. لقد صبر الشعب هذه المدة الطويلة, ليس خوفاً من جلاّديه, بل إحتراماً وتقديراً لمقدّسات العباد (الدين) التي تم إقحامها عنوة لكسب تعاطف الشارع العام. لقد فشلت الإنقاذ ﻓﻰ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺒﻼﺩ, كما فشلت ﻓﻰ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟتوفير اﻠﺤﻴﺎﺓ الكريمة للمواطن، فلن تُحل هذه المعادلة بطرح قَسَم الطلاق جزافاً, أو الإبتهال والمناجاة للكريم، لأن هذه الإشكالية ﺗﺘﻌﻠﻖ في المقام الأول ﺑﻔﺸﻞ واضعي ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﻭﻣﺪﺑﺮي ﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ, عديمي المسئولية .
لقد تفاجأ الشارع السوداني وصُدم بتصريحات المشير البشير المستفزة. والتي جاءت فطيرة لا ترقى لمستوى كلمات من المفترض أن يتلفظ بها قائد الأمة : (إن البلاد ستصل إلى مرحلة أشد حرجاً في حالة عدم رفع الدعم عن المحروقات)، -معتبراً أن دعم المحروقات يصب في صالح الأغنياء فقط - كما لم ينسى السيد المشير أن يأتي بالجرعة اللازمة من الذكر الحكيم, المُخدّر الأمثل للشعب السوداني, وجعلها بين ثنايا كلامه حيث حشاها حشواً ودعّمها وزوّقها بآيات على شاكلة: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) سورة الذاريات، الآية (22). ﻭﻛﺄﻥ ﻣﺸﻴﺌﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺃﺭﺍﺩﺕ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺩﻭﻥ ﺃي ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻓﺸﻞ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﺬﻯ ﻳﺘﺎﺟﺮ ﺑﺪﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ. إن مثل هذا الكلام المجاني لا يمر مرور الكرام على أي تلميذ, ناهيك عن شعب وضع أسس وأركان الثورة في المنطقة بأكملها, إن مثل هذا الكلام يُعتبر كلاماً مُمَجْمَجاً يدوي خارج فضاءات الواقع الراهن بل ويرجع صداه الى مصدره بأثر رجعي. لقد أحدثت الإنقاذ شرخاً في جسد الشارع السوداني وقسّمت الدولة بين الأغنياء والفقراء. ففئة سادت وهم أصحاب الولاء, وفئة أخرى بادت وهم العبيد, الذين يكدّون ويعملون من أجل السيد المتطلّب الذي يصعب ترضيته.  أصبح السوق مفتوحاً على مصراعيه, وتماسيح الحكومة هم من يقبض ويبسط, والدائرة الإقتصادية لا تقفل بصورة طبيعية وإنما دائماً هناك حلقة مفقودة. لأن الحكومة هي التاجر تبيع وتشتري من نفسها لنفسها وهذا عين الفساد. يقول عراب الانقاذ الأول الدكتور حسن عبد الله الترابي :(إن البترول الذي أخرجناه من آبار داخل الأرض .. دخل آباراً أعمق منها وأصبح وبالاً علي السودان) عن صحيفة الخرطوم الثلاثاء 10 أبريل 2007م. إن العشرية الأولى من حكم الإنقاذ, مرّت على الشعب السوداني بضنك أليم, قضى الشعب نهايات العشرية الأولى منها وهو مثخن بالجراح جرّاء التعذيب والإعتقالات التعسفية والزيارات الليلية المفاجأة لبيوت الأشباح, يلملم أشجانه خارجاً بها من سُرادقات عزاء شُهدائه المشكوك دخولهم الجنة. في تلك الفترة, تراخت عقدة الحزن قليلا عن عيني الشعب السوداني لا عن قلبه. وسط هذه الميلودراما تعج البلاد وتضج صخباً بأعراسٍ, الفرحة فيها غير المكتملة, بحيث لا وجود لأي مظهر من مظاهر الفرح, السعيد الوحيد الظافر بما ليس له هو المنتمي لشيعة الإنقاذ. تجد فحولهم يتزاحمون للتسرّي عن نفسهم وتسلية وتلهية أرامل الشهداء, فلا تسلم إمرأة مات زوجها من ضَيْزَنَةِ وتَهافتِ طواويسهم وهم يهللون ويكبرون دون وضع أي إعتبار لما تمور به خلجات وأنفُس ذوي الشهيد المزعزم.
(2)
لقد تَظَنّيْنَا جميعاً في بادئ الأمر, أن الإنقاذ هي من يَصلُح أمر البلاد على يديها, وذلك بعد خروج النفط , وتزامن هذه الفترة الحرجة مع فترة المفاصلة الشهيرة والتي كانت بمثابة سفينة نوح, يمكن أن تنتشلهم من نفق الإسلاميين المظلم وتحط بهم في بر الأمان يعانقون الشعب ويجددون ثقتهم به. كان بإمكانهم أن يُعلقوا أوزارهم مع أوزار شيخهم, ويفتحوا صفحة جديدة مع الشعب السوداني ومع أنفسهم ليخطوا بالبلاد خطوة صحيحة نحو سِراط السلام المُرتجى. ولكن –للأسف الشديد- عوضاً عن ذلك فكّروا في سبيل الطيّب من المعاش, وتظاهروا بين الناس بأحسن الرياش, وَقَرَّ رأيهم على أن الإنسان في عصر الإنقاذ لا يُعدّ إنساناً بفضله ومزيته وكفاءته, بل بولائه وإنتمائه. فاشرأبت عنق القبلية القميئة, وانتهى بهم الأمر بالتفاخر بالنسب, والتكاثر بالحسب. لقد زَيّنَت الإنقاذ السودان لزمرتها, فأصبح بالنسبة لهم زخرف الكون, ونعيم الدنيا وزهاها, ويعيش فيها المتبطلون فاقدي التربية والتعليم غبطة حياتهم ومُناها. ويجد فيها مطرانيهم سرور أنفسهم ومُشتهاها. لا ترى في وجوههم حُمرة الخجل مما يفعلون, ولا صُفرة الوجل مما يسرقون, بل هي مبتهجة مسفرة, ناضرة مستبشرة.
لقد تعاملت الإنقاذ مع الشعب السوداني بإهمال قاسٍ جداً, وفي المقابل على الشعب أن يتعامل مع الحكومة بالمثل. فماذا يضير لو امتنع الناس من عملية التبادل التجاري في الوقت الراهن, وأوقفوا تعاملاتهم اليومية مع الدولة, واعتصموا جميعاً تحت كلمة واحدة, ماذا يضير لو قاطع الشعب الحكومة لمدة شهر فقط ؟ ماذا يضير لو اجتمع الناس على كلمة سواء واتخذوا من العصيان المدني سلاحاً عوضاً عن الخراب والتدمير والمطاردة العشوائية. على الشعب أن يقف وقفة واحدة ويدخل ﺑﻜﻞ ﻗﻄﺎﻋﺎﺗﻪ الطلابية والنقابية والعمالية والمهنية ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺼﻴﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ, ﻜﻞ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎمة ﻭﺍﻟﺨﺎصة تبدأ في توقيت واحد, سيؤدي ﻣﻤﺎ لا شك فيه هذا الأمر, ﺇﻟﻰ ﻓﺸﻞ تام ﻓﻲ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭلة ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻱ, ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺸﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭلة ﺍﻹﺩﺍﺭي بأجمعه, فيتهاوى الجسد الكرتوني. وشعارنا بسيط جداً, وهو: (أيها الشعب المنهوك, تريّث فالغالي متروك).
إن حزمة الإجراءات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة انعكست سلباً على المواطنين, وللأسف الشديد إن هذه الإجراءات لم تُجَز من قِبَل البرلمان، بل هي لم تُعرض عليه أصلاً رغم اشتمالها على تعديلات أساسية في بند إيرادات الحكومة, وقد تبدّى ذلك للعيان في إحتجاجات نواب البرلمان انفسهم فور الإعلان عن هذه الإجراءات. إن من سخرية الأقدار أن جعل شؤم السودان في بشيرها, وضرر العباد في نافعها, وإبتلاءات البلاد في متعافيها, وجوع وعطش الشعب المنكوب في (كيزانها) .
إقتباس ضروري
(من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة الإخوان المسلمين, إذ لا شك أنها سوف تكون مفيدة للغاية, فهي تكشف لأبناء هذا البلد مدى زيف شعارات هذه الجماعة التي سوف تسيطر على السودان سياسياً وإقتصادياً, ولو بالوسائل العسكرية. وسوف يذيقون الشعب الأمَرّين, وسوف يدخلون البلاد في فتنة تُحيل نهارها ليل, وسوف تنتهي هذه الفتنة فيما بينهم وسوف يُقتلعون من أرض السودان إقتلاعاً.) شهيد الفكر محمود محمد طه (1909م-1985م)
/////////////

 

آراء